“حلب أم المعارك”.. سرّ توقيت عملية عسكرية قد تقلب موازين المنطقة و”ضوء أخضر” دولي يصل
في معركة مفاجئة بعد هدوء لسنوات، سيطرت فصائل معارضة سورية على أجزاء واسعة من محافظة حلب شمال سوريا، والعديد من تلك المواقع كانت تحت سيطرة ميليشيات إيرانية، وكشف خبراء لوكالة ستيب نيوز عن سر توقيت هذه المعركة والهدف “الخفي” وراءها، حيث يتعدى ذلك مجرد السيطرة العسكرية على نقاط جديدة شمال سوريا.
دوافع وأهداف العملية
معركة “ردع العدوان” جاءت بعد سنوات من الجمود العسكري في مناطق التماس بين قوات النظام السوري والمعارضة.
وفقًا للعميد أسعد الزعبي، الخبير العسكري والاستراتيجي، فإن المعركة كانت “منتظرة منذ وقت طويل”، لكن تفاهمات دولية حالت دون انطلاقها.
الزعبي يرى أن التوترات العالمية، من أوكرانيا إلى غزة ولبنان، هي عوامل أسهمت في إطلاق العملية، حيث دفعت المتغيرات الدولية باتجاه كسر حالة الجمود التي فرضها النظام السوري منذ خرقه اتفاقات أستانة.
أما الصحفي والباحث أحمد الجنيد، فيلفت إلى بُعد إنساني يرافق الأهداف العسكرية، حيث صرحت غرفة العمليات أن أحد أسباب المعركة هو “تأمين عودة آلاف المهجرين لمناطقهم”، خصوصًا في ظل الاكتظاظ السكاني الكبير في الشمال السوري.
لكنه يضيف بُعدًا آخر يتعلق بمحاولة الفصائل المسلحة، وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام”، كسب المزيد من الشرعية الشعبية في مواجهة الضغط الداخلي الذي طالب بتحرك عسكري منذ أشهر.
التحالفات العسكرية.. توافق غير مألوف بين الفصائل
تتميز المعركة بوجود تحالف بين فصائل المعارضة المدعومة من تركيا و”هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على محافظة إدلب، ما يعكس طبيعة المرحلة الحرجة.
يشير الزعبي إلى أن الفصائل المشاركة “ليس بينها وفاق دائم ولا خلاف دائم”، متوقعًا أن تنشأ خلافات بين هذه الفصائل حول مواقع السيطرة بعد انتهاء المعركة.
على الجانب الآخر، يرى الجنيد أن “التوافق بين الفصائل فرضته الحاضنة الشعبية”، التي أظهرت دعمًا واضحًا للعملية.
ويوضح أن غرفة العمليات المشتركة استفادت من نقاط القوة لدى كل فصيل؛ “هيئة تحرير الشام” بقدراتها القتالية، و”جيش العزة” بخبرته في التخطيط العسكري، و”الجيش الوطني” بامتلاكه العتاد اللازم للاستمرار في المعركة.
الدور التركي.. لاعب رئيسي ولكن بحذر
لعبت تركيا دورًا محوريًا، وإن كان غير معلن، في تسهيل انطلاق المعركة، رغم حديث خارجيتها اليوم، عن ضرورة الحفاظ على منع التصعيد واستقرار المنطقة.
يشير الزعبي إلى أن “تركيا بشكل أو بآخر لها يد في هذه العملية العسكرية”، مرجحًا وجود ضوء أخضر أمريكي لهذا التحرك، خصوصًا مع تغير الإدارة الأمريكية بعد الانتخابات الأخيرة.
كما يرى أن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول إقامة منطقة آمنة على طول الحدود مع سوريا، تأتي كجزء من خطة متكاملة لتأمين الحدود وإعادة اللاجئين.
من جهته، يضيف الجنيد أن تركيا حاولت في البداية منع المعركة، بضغط من روسيا، لتعزيز مسار تطبيع العلاقات مع النظام السوري. لكن مع إدراك أن النظام “لا يملك ما يقدمه” لأنقرة، تخلت تركيا عن تحفظاتها. ومع ذلك، تظل أنقرة حريصة على عدم الإعلان عن مشاركتها رسميًا، تفاديًا لتوترات مع روسيا.
المكاسب الميدانية: السيطرة على مناطق استراتيجية
نجحت الفصائل المعارضة في وقت قصير في السيطرة على مواقع استراتيجية، أبرزها خان العسل والزربة وسراقب ودخول أحياء مدينة حلب، بالإضافة إلى قطع طريق M5 الدولي، وهو شريان اقتصادي مهم للنظام السوري.
يشير الجنيد إلى أن هذه السيطرة لم تواجه مقاومة كبيرة من قوات النظام، إذ كانت معظم الدفاعات تتولاها ميليشيات إيرانية وحزب الله، التي تعرضت لخسائر كبيرة في الآونة الأخيرة، خلال الحرب مع إسرائيل.
ويرى أن النظام السوري يعاني من تراجع كبير في قدراته العسكرية، مشيرًا إلى أن “90% من المناطق التي سيطرت عليها المعارضة لم تكن قوات النظام هي المدافعة عنها”.
وأضاف أن محاولات النظام لاستقدام تعزيزات من الميليشيات الإيرانية تواجه عقبات كبيرة بسبب الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لهذه الميليشيات، سواء في سوريا أو على الحدود اللبنانية.
الأبعاد السياسية.. معركة بمباركة دولية؟
يجمع الخبراء على أن المعركة تحمل أبعادًا سياسية تتجاوز حدودها الميدانية.
الزعبي يصفها بأنها “عملية محدودة الأهداف لكنها تحمل هدفًا سياسيًا كبيرًا”. ويعتقد أن من خطط للعملية يملك رؤية واضحة بشأن مستقبل المناطق المحررة، لكن يظل السؤال حول مدى قدرتهم على تحقيق مكاسب سياسية تتناسب مع النجاح العسكري.
من جانبه، يشير الجنيد إلى أن توقيت المعركة يعكس توافقًا دوليًا ضمنيًا، خاصة مع انسحاب روسيا من بعض النقاط في شمال سوريا.
ويرى أن هذا الانسحاب يوحي بتفاهمات دولية تتيح للمعارضة التوسع دون مواجهات مباشرة مع القوات الروسية، ما يعزز احتمال وجود “ضوء أخضر” دولي لهذه العملية.
اتهامات بالعمالة!
كثفت وسائل إعلام رسمية سورية وأخرى إيرانية وروسية، الحديث والربط بين توقيت العملية العسكرية شمال سوريا، والتطورات بلبنان وغزة، لا سيما بعد تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين للنظام السوري.
وحول ذلك يقول الجنيد: “النظام بعد إطلاق المعركة عاد لنقطة الصفر باتهام فصائل المعارضة بالعمالة لإسرائيل وأمريكا والغرب بشكل عام، وهذه رواية مكررة للغاية منذ العام 2011 وحتى اليوم والحقيقة أنه لا يوجد ارتباط بين كل تلك الجبهات، والمؤكد في الواقع أن هناك ضوء أخضر دولي لتلك العملية”.
ويرى الزعبي بدوره أن مزاعم “العمالة” للفصائل السورية المعارضة، هي رواية قديمة للنظام السوري، ولم تعد تقنع حتى الفئة الموالية، مشيرًا إلى أن النظام السوري نفسه “أكثر من خدم إسرائيل، وتخلى عن حلفائه بما يسمى محور المقاومة خلال حربهم”.
الانعكاسات الإقليمية.. تأمين الحدود التركية
تمثل المعركة جزءًا من استراتيجية أوسع لتركيا لتأمين حدودها من تهديدات تنظيم PKK وقوات “قسد”. وتصريحات أردوغان المتكررة عن إنشاء مناطق آمنة على طول الحدود تعكس حرص أنقرة على ضمان عودة اللاجئين، ما يخفف من العبء الداخلي المتزايد بسبب وجودهم.
يرى الزعبي أن نجاح هذه العملية قد يمهد الطريق لتحرك عسكري مستقبلي ضد قوات “قسد”، فيما يؤكد الجنيد أن الفصائل المدعومة من تركيا بدأت بالفعل الاستعداد لمعركة محتملة في مناطق مثل تل رفعت ومطار منغ.
مستقبل مدينة حلب بعد وصول المعارك لقلبها
رغم المكاسب السريعة في ريف حلب الغربي، يظل مستقبل مدينة حلب موضع تساؤل.
ويرى الجنيد أن “دخول مدينة حلب لا تحكمه القدرة العسكرية فقط”، مشيرًا إلى أن هناك أبعادًا دولية وإقليمية ستحدد مصير المدينة.
ويقول: “اعتقد أن انهيار دفاعات قوات النظام بشكل سريع هو العامل الرئيسي لتقدم قوات المعارضة نحو مدينة حلب، والمؤكد أن هناك ضوء أخضر دولي لدخول مدينة حلب لما تمثله من ثقل استراتيجي في المعادلة السورية بالكامل، أما عن الصمود فيها فهذا يحكمه التدخل الروسي، إذا استمرت روسيا بهذا الرتم من المشاركة في المعركة فأن النظام لن يكون قادراً على استعادتها أو حتى استمرار المناوشات مع قوات المعارضة “.
الزعبي يصف الدخول إلى حلب بأنه “معركة كبيرة وربما أم المعارك بالمنطقة”، مؤكدًا أن المعارضة لن تكرر أخطاء الماضي.
ودخلت قوات المعارضة، مساء الأحد بشكل سريع إلى مدينة حلب، وسيطرت على عدة أحياء فيها، مع استمرار انسحاب قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية منها.
معركة بأبعاد مفتوحة
تأتي معركة “ردع العدوان” في لحظة فارقة للصراع السوري، حيث تتشابك الأبعاد الميدانية مع السياسية والإقليمية.
وبينما حققت الفصائل المعارضة مكاسب ملموسة في وقت قياسي، يظل نجاحها على المدى الطويل رهينًا بقدرتها على إدارة المناطق الجديدة وتعزيز موقفها في المفاوضات الدولية.
وفي ظل تغير المشهد الإقليمي والدولي، قد تكون هذه المعركة مقدمة لتحولات أوسع في الملف السوري.