الحرف والصناعات اليدوية في دمشق.. إرث يتنفس بين الماضي والحاضر
دمشق، العاصمة السورية العريقة، تُعتبر متحفاً حياً للحرف اليدوية التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من هويتها الثقافية، اشتهرت المدينة عبر القرون بصناعات مثل “البروكار الدمشقي” وهو نسيج فاخر من الحرير المُطعم بخيوط الذهب والفضة، والذي استخدم في الملابس الملكية وحتى اليوم في المفروشات الفاخرة .
كما اشتهرت دمشق في صناعة “السيف الدمشقي” الذي يتميز بصلابة فولاذه ونقوشه الفنية، والذي حظي بشهرة عالمية لقدرته على الجمع بين الجمال والوظيفة حينما كان الأداة الأولى للحرب.
ولا تُنسى حرف مثل “النقش على النحاس” و”التطعيم بالصدف” و”القيشاني”، التي تُزيّن المساجد والقصور الدمشقية، وتُعدُّ شاهداً على إبداع الحرفيين الذين نقلوا مهاراتهم عبر الأجيال .
التحديات التي تواجه التراث
على الرغم من عراقة هذه الحرف، تواجهها تهديدات وجودية بسبب الحرب والأزمات الاقتصادية، فسوق المهن اليدوية في التكية السليمانية، الذي يضم أكثر من 60 حرفياً، تعرض في السنوات الماضية لتهديد الإخلاء لصالح مشاريع سياحية دون ضمانات لعودة الحرفيين بعد الترميم .
كما أدت الأزمات إلى هجرة الحرفيين وتراجع الإنتاج بنسبة 50% في بعض المناطق، نتيجة ارتفاع تكاليف المواد وانخفاض الطلب المحلي والدولي . وقد فقدت دمشق العديد من أسواقها التراثية، مثل مكتباتها وحماماتها التقليدية، التي تحوَّلت إلى مطاعم أو محال تجارية.
وفي مواجهة هذه التحديات، برزت مبادرات فردية وجماعية لإحياء التراث وتعاونت منظمات مثل اليونيسكو مع حرفيين لتوثيق المهارات اليدوية وإنشاء قاعدة بيانات للتراث اللامادي .
كما أطلقت جمعيات محلية مشاريع لدمج الحرف التقليدية مع التصاميم الحديثة، مثل تحويل البسط اليدوية إلى حقائب وعناصر ديكور معاصرة .
الصناعات اليدوية الحديثة
نشأت في دمشق صناعات يدوية جديدة كرد على الظروف الاقتصادية الصعبة فانتشرت مشاريع منزلية لصناعة “الصابون العلاجي” من مواد طبيعية مثل الألوفيرا واللافندر، والتي لاقت رواجاً كبديل للمنتجات المستوردة، كما ظهر ما يعرف بفن الريزن وهو نوع من الفن الذي يخلط بين تجفيف الزهور وتزيين اللوحات والساعات وأدوات المطبخ بها لتكون خلفية لمادة تشبه الزجاج يتحكم الحرفي بألوانها لصناعة ادوات ولوحات رائعة، كما برزت مشاريع فنية مثل الشموع العطرية المنحوتة يدوياً، و”إكسسوارات الفرنكات الذهبية” التي تحوّل العملات القديمة إلى قطع تذكارية تحمل رموزاً سورية كالياسمين والسيف الدمشقي، هذه المشاريع تُظهر قدرة السوريين على الابتكار رغم التحديات.