مؤتمر الحوار الوطني السوري: هل نبني وطناً أم نشاهد مسرحية هزلية؟
مؤتمر الحوار الوطني السوري: هل نبني وطناً أم نشاهد مسرحية هزلية؟
بقلم الصحافي السوري: فارس المغربي
في الأعراف الإنسانية، عندما يُنظم حفل زفاف، يرسل أصحاب الدعوة بطاقات الحضور قبل شهر، ويحرصون على تذكير المدعوين كل أسبوع، حتى لا يفوتهم الموعد.
أما حين يتعلق الأمر بمؤتمر يُفترض أنه سيرسم مستقبل سوريا، فإن الدعوة تصل قبل 48 ساعة فقط! وكأن القائمين عليه يقولون: “لقد أقمنا العرس، ومن لم يحضر… فلا يلومن إلا نفسه!”
ما هذه العشوائية؟ وما هذه الفوضوية؟ هل أصبح تقرير مصير وطن أشبه بعزيمة عشاء مرتجلة؟ أين التخطيط؟ أين التحضير؟
أين احترام عقول السوريين الذين دفعوا من دمائهم وأرواحهم ومستقبلهم على مدار 13 عاما ليكون لهم صوت في تقرير مصير بلادهم؟.
مؤتمر الحوار الوطني السوري
شفافية؟!.. لا نحن لا نقدم هذا المنتج!
السوريون الذين تشردوا، والذين عُذِّبوا، والذين فقدوا أبناءهم وأحباءهم، والذين حاربوا وضحوا على مدار 13 عامًا، لهم الحق في معرفة كل تفاصيل مؤتمر يُفترض أنه يخصهم، الشفافية ليست منّة، بل واجب، لكنها غائبة تمامًا عن هذا المشهد.
لا أحد يعرف كيف تم اختيار المدعوين، ولا أحد يعرف لماذا تم استبعاد شخصيات سياسية بارزة، بينما وجدت شخصيات مشبوهة مقاعدها محجوزة في الصفوف الأولى هل هذه هي “الدولة الجديدة” التي تُبنى؟
دولة يحق فيها لمن وقف إلى جانب الطغيان أن يتصدر المشهد، بينما يُقصى من ناضل وضحى من أجل الحرية؟
الشعب السوري اليوم يطرح أسئلة بسيطة: لماذا لم تُنشر قوائم المدعوين؟
لماذا لم يتم بث الجلسات علنًا؟
لماذا لا يُسمح بالمشاركة عبر الإنترنت لمن لا يستطيع الحضور؟ لكن لا إجابات، لا توضيحات، فقط صمت مدوٍّ وقرارات مبهمة.
والنتيجة؟
حالة من الغضب، وحالة من التشكيك، وحالة من انعدام الثقة جعلت السوريين يصدقون أي إشاعة، لأن غياب الشفافية هو التربة الخصبة لكل أنواع الشائعات.
“العرس السوري”… بلا عروس!
وكأن السوريين لم يعانوا ما يكفي من المسرحيات الهزلية، حتى تأتي هذه المسرحية الجديدة لتُعيد إلى الأذهان أسوأ ذكرياتهم.
هل تذكرون كيف تم “تعديل” الدستور في عام 2000 ليصبح بشار الأسد رئيسًا في يوم وليلة؟ كانت هناك ورشة تعديل دستوري سريعة، تشبه مؤتمر الحوار الحالي في استهتاره المطلق بكل ما هو منطقي.
والآن، يتم تنظيم مؤتمر الحوار الوطني السوري يُفترض أنه يحدد مستقبل سوريا خلال 48 ساعة! يوم واحد للتعارف، واليوم الثاني هل هو للمصافحة والتقاط الصور التذكارية؟، هل يُعقل أن تُبنى دولة على هذا الأساس الهش؟، هل هذا مؤتمر وطني أم حلقة دراسية مكثفة في “كيف تدير بلدًا في 24 ساعة”؟.
إقصاء ممنهج وتهميش متعمد
إذا كان الهدف من مؤتمر الحوار الوطني السوري هو جمع السوريين على طاولة واحدة، فلماذا هذا التعتيم؟ لماذا لم تُعلن قائمة المدعوين بشفافية؟ ولماذا لم يتم تمثيل جميع الشرائح السورية بوضوح؟ المغتربون، الذين يشكلون اليوم أكثر من نصف السوريين، لم تُتح لهم حتى فرصة المشاركة عبر الإنترنت.
والنخب السياسية المعارضة لم تتلقَّ دعوات جدية، بينما يبدو أن من “يُسمح لهم بالحضور” هم من يوافقون على السير ضمن خطوط محددة سلفًا.
وإذا كان المؤتمر فعلًا وطنيًا، فلماذا يُدار بهذه الطريقة التي توحي بأن هناك قرارات جاهزة تنتظر الختم الرسمي فقط؟ هل المطلوب هو نقاش حقيقي أم مجرد مسرحية هزلية يُفترض بنا جميعًا أن نصفق لها في النهاية؟
والنتيجة؟ فقدان الأمل حتى لدى أكثر المتفائلين، والشعور بأن أي تغيير في سوريا لن يكون إلا تغييرًا شكليًا، يضمن بقاء أصحاب النفوذ في مراكزهم، ويقصي كل صوت يهدد امتيازاتهم.
إلى أين تسير الأمور؟
السوريون لا يريدون “ديكورًا سياسيًا”، ولا يريدون “بهرجة إعلامية”، ولا يريدون أن يُفرض عليهم مستقبلهم كما فُرض عليهم الموت والتهجير والخراب.
يريدون حوارًا حقيقيًا، يريدون شفافية، يريدون أن يكون لهم الحق في تقرير مصير بلادهم، لا أن يتحول مستقبلهم إلى مجرد حفل تنظمه نخبة معزولة، في غرف مغلقة، وفق أجندات مجهولة.
إذا كان هذا هو شكل “الحوار الوطني”، وإذا كانت هذه هي الطريقة التي يتم بها التخطيط لـ”سوريا الجديدة”، فمن الأفضل أن تعلنوا صراحة أن الأمور ستبقى كما هي، وأن كل هذه المسرحيات لا تهدف إلا لإضاعة الوقت.
أما من يريد بناء سوريا بحق، فعليه أن يبدأ بالاحترام، بالعدالة، بالشفافية، وبإعطاء كل سوري الحق في أن يكون جزءًا من مستقبل بلاده، لا مجرد متفرج على قرارات تُصنع خلف الأبواب المغلقة.

ملاحظة: ما جاء في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الوكالة