الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه سوريا بعد سقوط النظام.. وخدعة حماية الدروز في جرمانا والسويداء
تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خطاباً ظاهرياً يدافع فيه عن حقوق الأقلية الدرزية في سوريا، لا سيما في مناطق مثل السويداء وجرمانا. يُعتبر هذا التحرك جزءاً من استراتيجية إسرائيلية أوسع لاستغلال ملف الأقليات في سوريا، بهدف تقويض شرعية النظام السوري وإضعاف موقف الإدارة السورية الجديدة التي تسعى لتعزيز سيطرتها بعد سنوات من الحرب، من خلال تسليط الضوء على أوضاع الدروز، تسعى إسرائيل إلى تصوير نفسها كحامية للأقليات، بينما تهدف في الخفاء إلى تفكيك الوحدة الداخلية السورية وتأجيج الانقسامات الطائفية.
وترفض إسرائيل الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، التي تعتبرها امتداداً للنفوذ التركي في المنطقة، خاصةً مع تعزيز أنقرة وجودها العسكري والسياسي في شمال سوريا خلال السنوات الماضية. تُعبّر إسرائيل عن مخاوفها من تحوّل سوريا إلى “ذراع تركية” تهدد مصالحها الجيواستراتيجية، لا سيما في ظل التقارب التركي-الروسي الذي قد يُعيد تشكيل التحالفات الإقليمية. كما أن السيطرة التركية المباشرة أو غير المباشرة على سوريا قد تُعزز من قدرة أنقرة على دعم جهود مقاومة المشروع الإسرائيلي، سواء عبر دعم الفصائل الفلسطينية أو تعزيز التنسيق مع إيران.
الاستفادة من الروابط الدرزية العابرة للحدود
تدرك إسرائيل جيداً عمق الروابط الاجتماعية والسياسية بين الدروز في سوريا ومنطقة الجولان المحتلة والمجتمعات الدرزية المنتشرة عالمياً (مثل لبنان والأردن ومجموعات المغتربين والمهاجرين خارج البلاد). تعوّل إسرائيل على تحفيز هذه الشبكات للضغط على المجتمع الدولي للمطالبة بـ”حماية” المناطق الدرزية السورية، مثل السويداء وجرمانا، بحجة منع انتهاكات محتملة من النظام أو الفصائل المناوئة. وفي حال نجاح هذه الحملة، قد تتدخل إسرائيل عسكرياً أو سياسياً لضم هذه المناطق إلى مناطق نفوذها، مستغلةً الوضع الأمني الهش في سوريا، وخاصةً في الجولان الذي تحتله منذ 1967.
وتسعى إسرائيل إلى حصد أكبر قدر ممكن من المكاسب الاستراتيجية قبل أن يتمكن النظام السوري الجديد من ترسيخ سلطته، تشمل هذه المكاسب:
1. ترسيخ السيطرة على الجولان السوري: عبر مشاريع استيطانية وتسهيل ضم المزيد من المناطق المجاورة رسمياً بدعم أمريكي.
2. خلق مناطق عازلة: عبر دعم جماعات “لا تتوافق مع النظام الجديد” في الجنوب السوري.
3. تقويض التحالفات المعادية: عبر استغلال الخلافات التركية-الإيرانية-الروسية حول مستقبل سوريا.
4. تعزيز الدور الإقليمي: عبر تقديم نفسها كفاعل رئيسي في أي تسوية مستقبلية.
وتُمثل الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه سوريا مزيجاً من استغلال الانقسامات الداخلية والصراعات الإقليمية، بهدف تحقيق أهداف متعددة، أولها إضعاف النظام السوري، مواجهة النفوذ التركي، واستغلال الروابط الدرزية لخدمة مصالحها التوسعية، في ظل غياب حلول سياسية مستقرة، تبدو إسرائيل مصممة على تحويل التحديات الإقليمية إلى فرص لتعزيز هيمنتها، مستفيدةً من حالة الفوضى التي تعمُّ المنطقة.
من جانب آخر، يرفض الدروز التدخل الإسرائيلي جملة وتفصيلا، وقد قال ربيع منذر عضو مجموعة العمل الأهلي بمدينة جرمانا في تصريحات صحفية “نحن عرب سوريون ومتمسكون بأرضنا ولم نطلب حماية من أحد”، مضيفا أن الإدارة السورية سترد على نتنياهو و”لن نسمح باستخدامنا.”
وأضاف منذر “نحن شركاء في الوطن وسقوط النظام كان بجهود كل السوريين، ونحتاج إلى إجراء حوار مباشر وفعال مع السلطات الجديدة”، مؤكدا أن “حل المشكلة الأمنية في المدينة بمتناول اليد”.
وكان نتنياهو قال، خلال تخريج دفعة جديدة من قوات المشاة الإسرائيلية، إنه “لن يسمح لقوات الجيش السوري الجديد بدخول الأراضي السورية الواقعة جنوب دمشق”، وذكر أن “إسرائيل لن تتوانى عن حماية دروز السويداء من أي تهديد”.
وخرجت في سوريا مظاهرات عدة للاحتجاج على تصريحات نتنياهو، وعمّت عدداً من المدن السورية وليس في المناطق ذات الأغلبية الدرزية وحدها، وكانت الدليل المؤكد على رفض “الحماية الإسرائيلية”، وتأكيد الانتماء إلى سوريا الجديدة المتحررة وغير القابلة لأي تقسيم.