داهية العرب عمرو بن العاص.. من هو وما أهم إنجازاته
عمرو بن العاص بن وائل السهمي (توفي 43 هـ / 664 م) أحد أبرز القادة العرب في التاريخ الإسلامي، اشتهر بذكائه الحاد وحنكته السياسية والعسكرية، مما أكسبه لقب “داهية العرب”. لعب دوراً محورياً في الفتوحات الإسلامية، خاصة في مصر، وأثّر بشكل كبير في تشكيل الخريطة السياسية للإمبراطورية الإسلامية الناشئة.
النشأة وحياته قبل الإسلام:
– وُلد في مكة حوالي عام 575 م، ونشأ في بيتٍ معروفٍ من قريش، حيث اشتغل بالتجارة، فاكتسب خبرة في التعامل مع الثقافات المختلفة.
– كان من أشد المعارضين للإسلام قبل إسلامه، وشارك في معركة بدر ضد المسلمين، لكن موقفه تغير بعد إدراكه لقوة الدين الجديد.
إسلامه ودوره في العهد النبوي:
– أسلم عام 8 هـ / 629 م، بعد أن أرسله المشركون للتفاوض مع النبي محمد (ص) في صلح الحديبية، حيث تأثر بحكمة النبي.
– بعد إسلامه، شارك في غزوة مؤتة، وأظهر شجاعةً وحنكةً عسكرية.
أهم الإنجازات العسكرية والسياسية:
1. الفتح الإسلامي لمصر:
– الخلفية التاريخية: في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (13-23 هـ / 634-644 م)، رأى عمرو ضرورة فتح مصر لتأمين حدود الدولة الإسلامية وقطع الإمدادات عن البيزنطيين.
– الاستراتيجية العسكرية: قاد جيشاً صغيراً (نحو 4,000 جندي) عام 18 هـ / 639 م، وتمكن من هزيمة البيزنطيين في معارك مثل الفرما وحصن بابليون، وصولاً إلى الإسكندرية التي سقطت عام 21 هـ / 642 م.
– تأسيس الفسطاط: أسس مدينة الفسطاط كأول عاصمة إسلامية في مصر، وأنشأ فيها جامع عمرو بن العاص الذي يُعد أول مسجد في إفريقيا.
2. الإدارة الحكيمة لمصر:
– عُين والياً على مصر مرتين: الأولى من قِبل عمر بن الخطاب، والثانية من قِبل معاوية بن أبي سفيان.
– اهتم بتنظيم الإدارة المالية، وحسّن نظام الري عبر تطوير ترعة “خليج أمير المؤمنين” لربط النيل بالبحر الأحمر.
– حافظ على استقرار مصر رغم التحديات الداخلية والخارجية، مما جعلها مركزاً اقتصادياً وعسكرياً مهماً.
3. دوره في الصراع:
– انحاز إلى معاوية بن أبي سفيان في صراعه مع الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وشارك في معركة صفين (37 هـ / 657 م).
– اشتُهر بفكرة رفع المصاحف للتحكيم، التي أدت إلى تعقيد الموقف السياسي.
صفاته الشخصية:
– الدهاء والذكاء: تميز بقدرته على قراءة المواقف بدقة، كما في مفاوضاته مع البيزنطيين.
– المرونة السياسية: تغلب على الخلافات الداخلية عبر الحوار أحياناً والقوة أحياناً أخرى.
– الرؤية الاستراتيجية: فهم أهمية الموقع الجغرافي لمصر وضرورة السيطرة عليها.
الوفاة والإرث:
– توفي في مصر عام 43 هـ / 664 م، ودفن فيها.
– ترك إرثاً عظيماً يتمثل في توسيع رقعة الدولة الإسلامية وترسيخ الحضارة العربية في مصر، التي أصبحت بوابة الإسلام إلى إفريقيا.
يُعد عمرو بن العاص نموذجاً للقائد الماهر الذي جمع بين البراعة العسكرية والحكمة الإدارية. كان لفتحه مصر أثرٌ عميق في التاريخ الإسلامي، حيث حوّلها إلى حصن منيعٍ ونقطة انطلاق للفتوحات اللاحقة. تبقى سيرته مصدر إلهام لفهم فنون القيادة والدبلوماسية في التاريخ العربي الإسلامي.
