انتخابات مجلس الشعب الجديد في سوريا.. استحقاق سياسي “نادر” أم هندسة ناعمة للمشهد الانتقالي؟
أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، يوم الجمعة، المرسوم الرئاسي رقم 66 لعام 2025، القاضي بتشكيل “اللجنة العليا للانتخابات” المكلفة بتنظيم وإدارة انتخابات مجلس الشعب الجديد. هذه الخطوة تُعد الأولى من نوعها في إطار المرحلة الانتقالية التي دخلتها البلاد منذ مطلع العام، عقب الإعلان عن حل مجلس الشعب السابق والبدء بتفكيك النظام الدستوري الذي تأسس في عهد حزب البعث.
ورغم أن الإعلان قد قُدم على أنه “تأسيس لمرحلة جديدة من العمل المؤسساتي”، إلا أن المضمون والمضمر فيه يطرحان كثيراً من التساؤلات حول أهدافه الفعلية، ومدى استقلاليته، وصدقيته من الناحية القانونية والسياسية.
لجنة انتخابات بأسماء معروفة.. ولكن!
وفقاً للمرسوم، فإن اللجنة تتألف من 11 عضواً، برئاسة محمد طه الأحمد، وتضم شخصيات مثل: حسن إبراهيم الدغيم، عماد يعقوب برق، لارا شاهر عيزوقي، بدر الجاموس، أنس العبده وغيرهم.
إلا أن التشكيلة أثارت انتقادات من عدة أوساط بحثية وسياسية، كان من أبرزها ما قاله الدكتور مالك الحافظ، الكاتب والباحث السوري، في حديث خاص لـ”ستيب نيوز“، حيث اعتبر أن: “الغالبية الساحقة من الأعضاء ينتمون إلى التيار الائتلافي الذي ظلّ مهيمناً على مؤسسات المعارضة الخارجية لأكثر من عقد. وهذا يطرح إشكاليتين أساسيتين: أولاً غياب الكفاءة المهنية المتخصصة، وثانياً، طغيان منطق الترضية السياسية على مبدأ بناء مؤسسات انتخابية حقيقية”.
وأضاف الحافظ بأن الأسماء المختارة لا تمتلك خبرة حقيقية في إدارة العمليات الانتخابية، سواء من الناحية الدستورية أو التنظيمية، ما يجعل اللجنة تبدو أقرب إلى “أداة سياسية لتثبيت توازنات فوقية” من كونها هيئة مستقلة.
من ينتخب من؟ وماذا عن الشعب؟
بموجب المرسوم، فإن اللجنة ستقوم بتشكيل “هيئات انتخابية فرعية” تقوم بدورها بانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب (100 من أصل 150)، في حين يُعيّن الرئيس الثلث المتبقي.
ورغم أن ذلك قد يُفهم كخطوة تنظيمية لضبط المسار الانتخابي في ظروف معقدة، إلا أن الدكتور مالك الحافظ يرى أن: “العملية ليست انتخاباً شعبياً مباشراً، وإنما انتخابات غير مباشرة ستُدار عبر هيئات يتم انتقاؤها على الأرجح من بين شخصيات محسوبة على الحكومة. وهنا تظهر ملامح نظام زبائني متخفٍّ، يُحاكي في بنيته نماذج ما بعد الكولونيالية”.
ويُحذر الحافظ من أن هذه البنية ستؤدي إلى “مجلس بلون سياسي واحد”، واصفاً إياه بأنه “منتدى رمزي يعيد إنتاج الخطاب الرسمي للسلطة أكثر من كونه مساحة لتمثيل الإرادة الشعبية”.
هل توجد بيئة انتخابية أصلاً؟
تُطرح هنا إشكالية مركزية، وهي هل تملك سوريا اليوم الحد الأدنى من المقومات السياسية والقانونية لإجراء انتخابات حقيقية؟
يُجيب الحافظ بصراحة: “في ظل هشاشة أمنية، ونزوح داخلي واسع، وتدهور مؤسساتي شامل، فإن الحديث عن انتخابات ذات شفافية هو ضرب من الخيال. لا يوجد قانون أحزاب، ولا قضاء مستقل، ولا حتى إعلام حر أو منظومة رقابة مدنية يمكن أن تضمن نزاهة التصويت”.
ويرى أن الانتخابات المقبلة، حتى لو نُفذت وفق إجراءات شكلية، فإنها لن تتعدى كونها “طقساً تعبوياً يُراد منه تثبيت صورة الشرعية، لا منح تمثيل سياسي حقيقي”.
توزيع المقاعد.. حسابات ولاء لا ديموغرافيا
ومن الجوانب المثيرة للجدل أيضاً، هو التوزيع غير المتكافئ لمقاعد المجلس بين المحافظات، فمثلاً تم تخصيص 5 مقاعد لمحافظة طرطوس مقابل 4 فقط لمحافظة درعا، رغم التفاوت السكاني المعروف وفق الإحصاءات الرسمية الأخيرة المعتمدة في البلاد.
يقول الدكتور مالك الحافظ في هذا السياق: “هذا التوزيع لا يمكن تفسيره ديموغرافياً ولا إدارياً، وإنما هو سياسي بامتياز. المقاعد تُمنح وفقاً لمعادلة الولاء المتوقع لا وفق عدد السكان أو الحاجة التمثيلية الحقيقية”.
ويُضيف: “السلطة الانتقالية لا تُعيد توزيع التمثيل بمنطق العدالة، بل وفق حسابات النفوذ والسيطرة، واستباقاً لأي تمرد تمثيلي محتمل”.
الثلث الرئاسي.. عودة مقنّعة لنظام البعث؟
النقطة الأكثر حساسية في المرسوم تبقى في منح الرئيس صلاحية تعيين 50 عضواً، أي ثلث أعضاء المجلس، فيما يشبه “كوتا رئاسية” مضمونة، بحسب الخبير السوري
ويصف الحافظ هذه الخطوة بأنها: “نسخة معدّلة من أسوأ أدوات النظام البعثي. فبدلاً من هيمنة القيادة القطرية، يقوم الرئيس الانتقالي بفرض قوائم جاهزة من الموالين، بحجة التمثيل الوطني أو تمثيل النخب”.
ويُتابع: “نتوقع أن تضم هذه القائمة شخصيات عشائرية أو دينية موالية، وبعض رموز المعارضة التي تم ترويضها، إضافة إلى أسماء من الأقليات لإضفاء مسحة تعددية شكلية”.
صلاحيات المجلس.. تشريع أم تصفيق؟
وأخيراً، يبقى السؤال الأهم، ما هي صلاحيات هذا المجلس؟ وهل سيتمكن فعلاً من التشريع ومساءلة الحكومة؟
الحافظ لا يبدو متفائلاً ويقول: “لا حديث عن مساءلة، ولا رقابة، ولا استقلال تشريعي. كل ما في الأمر هو بناء مجلس شكلي يُستخدم في تسويق خطاب التحول الديمقراطي أمام المجتمع الدولي”.
ويختم بالقول: “نعم، نحن أمام مجلس تصفيق جديد، وربما أكثر رداءة من مجالس البعث، لأنه يمثل سلطوية مغلفة بالشعبوية الانتقالية”.
ورغم الصورة الرسمية التي يقدمها المرسوم رقم 66 بوصفه انطلاقة لمؤسسات المرحلة الانتقالية، إلا أن المضمون يُشير إلى استمرار آليات الضبط والهيمنة التي طبعت العقود الماضية، فاللجنة العليا ليست هيئة فنية بقدر ما هي أداة ترتيب سياسي، والمجلس القادم لا يبدو مجلساً للشعب بقدر ما هو صدى للحكومة، بحسب الحافظ، الذي يؤكد أنه بين خطاب “التحول الديمقراطي” وبين الواقع السياسي على الأرض، لا تزال الهوة كبيرة.
