خاص|| تطوير الإنترنت في سوريا والاستفادة من التجربة التركية.. خبير يوضح الخطوات والتحديات
يعتبر الإنترنت شريان الحياة في العصر الحديث، فهو محرك للاقتصاد، ومصدر للمعلومات، وأداة للتواصل والتعلم. في سوريا، لطالما واجه قطاع الإنترنت تحديات كبيرة نتيجة للظروف الراهنة، مما أثر بشكل مباشر على جودة الخدمة وتوفرها، وبالتالي على مساهمته في التنمية الشاملة.
1. أنظمة ومزودي الإنترنت في سوريا:
كشف خبير تكنولوجي لوكالة “ستيب نيوز” أن البنية التحتية للإنترنت في سوريا تعتمد بشكل رئيسي على شبكة الهاتف الأرضي (ADSL) والألياف الضوئية (FTTH/FTTC) في بعض المناطق، بالإضافة إلى خدمات الإنترنت اللاسلكي (WiMAX) وخدمات الجيل الثالث والرابع (3G/4G) عبر شبكات الهاتف المحمول.
وتحدث عن الكابلات البحرية والأرضية مشيرا إلى أن سوريا تعتمد على عدد محدود من الكابلات البحرية والأرضية لتوفير اتصالها بالإنترنت العالمي، وهذه الكابلات قد تكون عرضة للانقطاع أو قد لا توفر السعة الكافية للطلب المتزايد.
وأوضح أن البنية التحتية تتميز بالمركزية الشديدة، حيث تتحكم الشركة السورية للاتصالات (Syrian Telecommunications Establishment – STE) بشكل شبه كامل بالبنية التحتية الرئيسية وخدمات الإنترنت.
المزودون الرئيسيون:
الشركة السورية للاتصالات (STE): هي المزود الرئيسي للإنترنت في سوريا، وتتحكم بالبنية التحتية الأساسية. تقدم خدمات ADSL والألياف الضوئية للشركات والمنازل.
شركات الإنترنت الخاصة (ISPs): تعمل هذه الشركات كوسطاء، حيث تستأجر السعات من الشركة السورية للاتصالات وتقدم خدمات الإنترنت للمستخدمين النهائيين. من أبرز هذه الشركات:
تراسل (Tarassul)
ليبنك (Lybnet)
سيرياتل (Syriatel) – من خلال خدمات الإنترنت عبر الهاتف المحمول.
إم تي إن (MTN) – من خلال خدمات الإنترنت عبر الهاتف المحمول.
مزودي الإنترنت عبر الأقمار الصناعية (Satellite Internet): تتوفر هذه الخدمات في بعض المناطق النائية أو كحل بديل، ولكنها عادة ما تكون باهظة الثمن وبسرعات محدودة.
أما حول طرق التشغيل فيد ذكر الخبير أن هناك طرق عدة وهي: التحكم المركزي: تتميز عملية تشغيل الإنترنت في سوريا بالتحكم المركزي الشديد من قبل الشركة السورية للاتصالات. هذا يشمل التحكم بالبوابة الدولية للإنترنت، وتحديد الأسعار، وتوزيع السعات على المزودين الخاصين. التراخيص والتنظيم: تخضع جميع شركات الإنترنت لتراخيص صارمة من قبل الجهات الحكومية، وتعمل ضمن أطر تنظيمية محددة.
البنى التحتية المتنوعة: يتم تشغيل الإنترنت عبر مزيج من التقنيات: ADSL: يعتمد على شبكة الهاتف النحاسية القديمة، ويوفر سرعات محدودة نسبياً.
الألياف الضوئية (FTTH/FTTC): يتم توسيع نشرها تدريجياً في المدن الكبرى والمناطق الحضرية، وتوفر سرعات أعلى بكثير.
الإنترنت اللاسلكي (WiMAX): يستخدم لتغطية بعض المناطق التي يصعب الوصول إليها بالكابلات الأرضية.
شبكات الهاتف المحمول (3G/4G): توفر خدمة الإنترنت المتنقلة، وهي الأكثر استخداماً في العديد من المناطق نظراً لمرونتها وتوفرها.
3. مستوى الإنترنت في سوريا عالمياً:
السرعة: تعتبر سرعات الإنترنت في سوريا منخفضة جداً مقارنة بالمتوسط العالمي. غالبًا ما يواجه المستخدمون سرعات تحميل وتنزيل بطيئة، حتى مع وجود اشتراكات بسرعات أعلى. يعود ذلك إلى البنية التحتية القديمة، والسعات المحدودة، والتحكم المركزي.
التكلفة: على الرغم من تدني السرعة، فإن تكلفة الإنترنت في سوريا تعتبر مرتفعة مقارنة بالدخل الفردي، مما يجعل الوصول إلى الإنترنت عالي الجودة رفاهية لا يستطيع الجميع تحملها.
التوفر: لا يزال توفر الإنترنت عالي السرعة محدوداً في العديد من المناطق الريفية والنائية، حيث تتركز الخدمات الأفضل في المدن الكبرى.
الموثوقية: تعاني الشبكة من انقطاعات متكررة وتقلبات في الخدمة، مما يؤثر على الإنتاجية والوصول المستمر للمعلومات.
الحلول التي اقترحها الخبير لتحسين شبكة الإنترنت في سوريا:
لتحسين وضع الإنترنت في سوريا، يتطلب الأمر استراتيجية شاملة تتضمن الجوانب التقنية والتنظيمية والاستثمارية:
تحرير قطاع الاتصالات جزئياً:
فتح المجال للمنافسة: تشجيع دخول مزيد من الشركات الخاصة المحلية والدولية لتقديم خدمات الإنترنت، مما يؤدي إلى تحسين الجودة وتخفيض الأسعار نتيجة للمنافسة.
فصل الخدمات عن البنية التحتية: السماح للمزودين بتقديم خدماتهم دون الحاجة إلى امتلاك البنية التحتية الأساسية، مع إيجار البنية التحتية من الشركة السورية للاتصالات بسعر عادل.
تطوير البنية التحتية:
التوسع في نشر الألياف الضوئية (FTTH): يعتبر هذا هو الحل الأمثل لتوفير سرعات عالية ومستقرة. يجب وضع خطة وطنية شاملة لتغطية المدن الرئيسية والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية بالألياف الضوئية.
تنويع الكابلات الدولية: الاستثمار في كابلات بحرية وأرضية إضافية لتنويع مصادر الاتصال الدولية وزيادة السعة، وتقليل مخاطر الانقطاع.
تحديث الشبكات اللاسلكية: تطوير شبكات 3G/4G وتوسيع تغطية 5G في المدن الكبرى لتقديم خدمة إنترنت متنقلة أفضل.
السياسات الحكومية والتشريعات:
تخفيف القيود والضرائب: مراجعة السياسات الضريبية والرسوم المفروضة على شركات الإنترنت وتخفيفها لتشجيع الاستثمار وتخفيض تكلفة الخدمة على المستهلك.
إطار تنظيمي شفاف: وضع إطار تنظيمي واضح وشفاف يضمن المنافسة العادلة ويحمي حقوق المستهلكين والمستثمرين.
دعم مشاريع الإنترنت في المناطق النائية: تقديم حوافز للشركات لتوسيع نطاق تغطيتها ليشمل المناطق الريفية والنائية، ربما من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص.
تنمية الكفاءات البشرية:
التدريب والتأهيل: الاستثمار في تدريب المهندسين والفنيين السوريين في مجال تقنيات الإنترنت الحديثة وإدارة الشبكات.
كما اقترح الخبير الاستفادة من تجربة تركيا،
حيث قدمت تركيا خلال العقدين الماضيين قفزات نوعية في قطاع الاتصالات والإنترنت، ويمكن لسوريا الاستفادة من هذه التجربة في عدة جوانب:
تحرير السوق والمنافسة:
نموذج تركسل (Turkcell) وفودافون (Vodafone) وترك تليكوم (Türk Telekom): سمحت الحكومة التركية بدخول العديد من الشركات المحلية والدولية (مثل تركسل وفودافون) للمنافسة في سوق الاتصالات، مما أدى إلى منافسة قوية وانخفاض الأسعار وتحسين جودة الخدمة. في سوريا، يمكن السماح بدخول مشغلين جدد أو تحويل شركات الاتصالات الحكومية إلى شركات مساهمة عامة.
الترخيص المتعدد: بدلاً من الاعتماد على مزود رئيسي واحد، سمحت تركيا بترخيص العديد من المزودين لتقديم خدمات متنوعة (ثابت، متنقل، بيانات).
الاستثمار في البنية التحتية للألياف الضوئية:
خطط وطنية واسعة: وضعت تركيا خططاً طموحة لتوسيع شبكة الألياف الضوئية في جميع أنحاء البلاد، مدعومة باستثمارات حكومية وخاصة كبيرة. يمكن لسوريا تبني خطة مماثلة مع البحث عن مصادر تمويل دولية أو شراكات.
تشجيع الابتكار والتكنولوجيا:
دعم الشركات الناشئة: وفرت تركيا بيئة حاضنة للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا والاتصالات، مما ساعد على تطوير حلول مبتكرة وخدمات جديدة.
الحكومة الإلكترونية: استثمرت تركيا بشكل كبير في برامج الحكومة الإلكترونية، مما زاد من الطلب على الإنترنت عالي السرعة وحفز تطوير البنية التحتية.
التعاون الإقليمي والدولي:
ربط تركيا بالعديد من الكابلات الدولية: تربط تركيا نفسها بالعديد من الكابلات البحرية والبرية التي تمر عبرها، مما يجعلها نقطة عبور رئيسية للبيانات. يمكن لسوريا البحث عن فرص مماثلة لربط نفسها بشبكات إقليمية ودولية أوسع.
إن تحسين شبكة الإنترنت في سوريا ليس مجرد رفاهية، بل ضرورة حتمية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. يتطلب الأمر رؤية شاملة والتزاماً سياسياً واقتصادياً. من خلال تحرير جزئي للقطاع، والاستثمار في البنية التحتية الحديثة (خاصة الألياف الضوئية)، ووضع إطار تنظيمي شفاف، يمكن لسوريا أن تخطو خطوات كبيرة نحو توفير إنترنت سريع وموثوق وبأسعار معقولة لمواطنيها. إن الاستفادة من دروس تجربة تركيا في فتح السوق وتشجيع المنافسة والاستثمار في البنية التحتية يمكن أن يكون نقطة انطلاق قيمة لهذا التحول.