“الخاصرة الرخوة ضد إيران”.. خبير يكشف ما يجري خلف الكواليس في أذربيجان وسيناريو قد يشعل المنطقة
في اليوم السادس من الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران، بدأت تتكشف أبعاد إقليمية أكثر حساسية للصراع، من بينها الحديث المتزايد عن تورط غير معلن لأذربيجان في العمليات العسكرية الإسرائيلية، إما عبر المجال الجوي أو من خلال دعم استخباراتي ولوجستي، وبينما تلتزم باكو الصمت، تتكاثر المؤشرات على أن الأراضي الأذربيجانية قد تكون ساحة خلفية في المواجهة الإسرائيلية-الإيرانية.
وحول ذلك كشف الخبير بالعلاقات الدولية، د. رامي الخليفة علي، سياق الحرب الحالية، وملامح احتمال امتداد الصراع إلى جبهة جديدة شمال إيران.
هل تستخدم إسرائيل أراضي أذربيجان لضرب إيران؟
يؤكد د. رامي الخليفة علي في حديثه لوكالة “ستيب نيوز” أنه هناك إمكانية كبيرة لتعاون من طرف أذربيجان مع إسرائيل.
ويقول: “المعضلة التي واجهت إسرائيل دائمًا في استهداف الجانب الإيراني هي بُعد المسافة، وقد كان هناك تعاون بين أذربيجان وإسرائيل على مدى السنوات الماضية؛ حيث زوّدت إسرائيل أذربيجان بمنظومات تسليحية وساعدتها بشكل كبير في حربها ضد أرمينيا، وخصوصًا في السيطرة على إقليم ناغورني قره باغ”.
ويُرجّح الخبير وجود اتفاقيات ومعاهدات عسكرية بين الطرفين تمهد لاستخدام المجال الجوي الأذربيجاني، معتبرًا أنه: “مع خوض إسرائيل حربًا تقول إنها وجودية واستراتيجية، فمن الطبيعي أن تستخدم كل أوراقها، ومن ضمنها التعاون مع أذربيجان، خصوصًا أن لديها منظومات تسليحية ومحطات استخباراتية في الأراضي الأذربيجانية، هذه المحطات تطل على الجانب الإيراني بحكم القرب الجغرافي والحدود المشتركة”.
ويأتي هذا الطرح وسط تقارير غربية تتحدث عن تحليق طائرات إسرائيلية مسيّرة قرب الحدود الشمالية لإيران، وعن نشاط استخباراتي مكثف قرب منطقة تبريز الإيرانية المحاذية لأذربيجان.
هل تسلل عملاء الموساد من الأراضي الأذربيجانية؟
فيما يتعلق بالشق الاستخباراتي، يؤكد د. الخليفة علي أن احتمال تسلل عناصر من الموساد الإسرائيلي إلى إيران عبر أذربيجان أمر وارد، لكنه جزء من منظومة أوسع.
ويقول: “من المنطقي وجود اتفاقيات تتعلق بالتعاون الاستخباراتي بين أذربيجان وإسرائيل، وإمكانية التعاون واقعية، بما في ذلك تسلل عملاء تابعين للموساد”.
لكنه يوضح أن اختراق إيران ليس حكرًا على بوابة أذربيجان، قائلاً: “الأهم من ذلك أن إيران نفسها مخترقة استخباراتيًا، وهناك أكثر من جهة يمكن من خلالها التسلل، سواء عبر كردستان العراق — حيث اتهمت إيران الموساد بوجود مراكز له هناك بل وقامت بقصفها — أو عبر تركيا، أو عبر تجنيد عملاء في الدول الأوروبية والغربية”.
ويتابع: “بالتالي، أعتقد أن هناك منظومة عمل استخباراتي متكاملة، وأذربيجان جزء منها، لكنها ليست الجهة الوحيدة أو الوسيلة الحصرية لاختراق إيران، فإسرائيل تمتلك إمكانيات واسعة للقيام بعمليات استخباراتية وحتى التجنيد من خارج إيران”.
تنسيق عسكري سرّي؟ أم تعاون معلن بحدود؟
وفي سؤال مباشر حول حقيقة التنسيق العسكري بين باكو وتل أبيب، يجيب د. الخليفة علي: “نعم، هناك تنسيق عسكري معلن بين أذربيجان وإسرائيل، وقد ظهر هذا التعاون في أكثر من مناسبة، كما أن الرئيس الأذربيجاني زار إسرائيل عدة مرات”.
ويشير إلى أن حجم هذا التنسيق لا يزال غير مكشوف بالكامل للرأي العام، قائلاً: “بطبيعة الحال، مدى هذا التعاون وطبيعته يخضع للسرية، لكن من المؤكد وجود تعاون عسكري بين الطرفين”.
وكانت تقارير استخباراتية غربية قد كشفت في السنوات الماضية عن وجود قواعد مراقبة إسرائيلية قريبة من حدود إيران الشمالية الغربية، ما يزيد من احتمالات هذا النوع من التنسيق العسكري.
هل تورطت أذربيجان في الحرب؟ ولماذا؟
وحول ما إذا كانت أذربيجان متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب الجارية، يرى الخبير أن باكو تحرص على النأي بنفسها عن الانخراط العلني.
ويقول: “لا أعتقد أن أذربيجان ستنخرط بشكل مباشر في أي مواجهة، لأن ذلك قد يسبب آثارًا سلبية داخلية، خصوصًا أن أغلبية الشعب الأذربيجاني من المذهب الشيعي، ما قد يؤدي إلى أزمات اجتماعية”.
لكنه يستدرك: “لكن، بشكل غير مباشر، يبدو من الطبيعي أن يكون هناك تعاون، خاصة أن أذربيجان شكّلت خلال السنوات الماضية منصة استخباراتية لإسرائيل تطل من خلالها على إيران”.
هذا السيناريو ينسجم مع السياسة الأذربيجانية القائمة على الاستفادة من الدعم الإسرائيلي دون الظهور كمشارك مباشر في أي نزاع إقليمي حساس.
صمت رسمي.. أم موقف محسوب؟
يلفت د. رامي الخليفة علي إلى أن موقف أذربيجان الرسمي لا يعكس بالضرورة الحياد الكامل، بل ربما يُخفي تنسيقًا دقيقًا.
ويقول: “من حيث منطق الأحداث، لا مصلحة لأذربيجان في اتخاذ موقف واضح، سواء في دعم إسرائيل أو معارضة إيران، رغم أنها أقرب إلى إسرائيل في الوقت الحالي”.
ويضيف أن الخلافات بين باكو وطهران سابقة للحرب، موضحًا: “العلاقات بين أذربيجان وإيران ليست ودية، وهناك العديد من الخلافات، من بينها العلاقة المتطورة بين إيران وأرمينيا”.
ويذكر مثالًا واضحًا على توتر العلاقات: “على سبيل المثال، هناك جزء من الأراضي الأذرية مفصول عن البلد الأم، وكانت أذربيجان تطالب بممر للوصول إلى أراضيها المحاذية للحدود التركية. لكن إيران رفضت ذلك عدة مرات، مما أجبر التنقل إلى هذه المناطق عبر تركيا، وهو ما شكّل عقبة ومشكلة لأذربيجان خلال الفترات الماضية”.
هل ترد إيران؟ وما طبيعة الرد المحتمل؟
يرى الخبير أن الرد الإيراني المحتمل على أذربيجان مرهون بتأكد وجود دعم فعلي لإسرائيل من أراضيها، قائلًا: “ذلك يعتمد إلى حد كبير على تطورات الأحداث. إذا تأكد أن هناك استخدامًا للأراضي أو الأجواء الأذربيجانية في الهجمات على إيران، فقد تتخذ إيران خطوات انتقامية”.
ويضيف أن الحسابات الإيرانية مرتبطة بشعورها بالخطر الوجودي: “وهذا مرتبط أيضًا بالحالة التي يمر بها النظام الإيراني حاليًا؛ فطالما شعر النظام بخطر وجودي، فقد يلجأ إلى التصعيد الإقليمي”.
ويُعدد بعض السيناريوهات التصعيدية المحتملة: “إيران تملك أوراقًا عديدة مثل استهداف المصالح الأمريكية، إغلاق مضيق هرمز، أو حتى ضرب قواعد عسكرية في أذربيجان”.
هل تتحول أذربيجان إلى بؤرة اشتعال في المنطقة؟
وفي تقييمه، يوضح د. رامي الخليفة علي أن أذربيجان ليست محور الأزمة، رغم أهمية دورها في دعم إسرائيل.
ويقول: “التصعيد الإقليمي الذي قد يهدد المنطقة بأكملها ليس مرتبطًا بأذربيجان فقط، بل هو نتيجة تطور الأحداث العسكرية الأوسع”.
ويختتم بقوله: “نقطة الضعف الأساسية اليوم ليست في أذربيجان بل في إيران نفسها، فالحرب الحالية تستهدف النظام الإيراني بشكل مباشر، وإن انهار هذا النظام، فإن المنطقة ستدخل مرحلة سياسية جديدة”.
ويؤكد أن: “أذربيجان تلعب دورًا مهمًا من خلال تعاونها مع إسرائيل، لكنها ليست في مركز الصراع، ومركز الصراع هو إيران ومستقبل النظام فيها، وهو الذي سيحدد شكل التطورات الإقليمية المقبلة”.
وتبقى الصورة التي تتكشف حاليًا، تشير إلى تعاون عسكري–استخباراتي وثيق بين إسرائيل وأذربيجان، وسط حرص باكو على إخفاء تفاصيل هذا التعاون تفاديًا لأي رد فعل مباشر من إيران أو اضطرابات داخلية، ومع ذلك، فإن تمادي إسرائيل في استخدام هذا المحور قد يدفع طهران إلى الرد، لتفتح جبهة جديدة شمال البلاد، وتضيف عنصرًا إقليميًا آخر إلى حرب مفتوحة قد تتوسع أكثر مما يتوقعه أحد.
