مقال رأي

كيف تحوّلت الفصائل من أمل الشعب السوري إلى عالة عليه ؟!

بقلم: عائشة الحمصي

مع تغول نظام الأسد في استخدام الحلّ الأمني والعسكري في التعامل مع المطالب المحقّة للمتظاهرين السلميين انبرت فئة من الشباب الثوري حملت السلاح للدفاع عن المتظاهرين في وجه أجهزة الأمن التابعة له، وكانوا أملُ الأهالي ومنبع سعادتهم، ليتحوّل السلاح إلى تشكيل فصائل مسلّحة عكست المأمول منه.

ومنذ تحوّل الثورة السوريّة للعسكرة انتهج القائمون على الفصائل تكتيك “حرب المواقع” وهو تحرير منطقة دون غيرها، والتمركز في مكان صغير، يتعرّض لقصف النظام، مثال: “حي بابا عمرو الحمصي هو أول حي يطبّق به النظام سياسة الحصار والقصف في شباط 2012، وفي تلك الأثناء كان ثوار حمص القديمة مشغولين بتحرير أحيائهم بدلًا من مساندة بابا عمرو وقطع خطوط إمداد النظام عنه، وضرب الثكنات العسكريّة التي تهاجمه. ليتكرّر المثال عند حصار أحياء حمص وتهجيرها ثمّ تهجير حي الوعر دون مساندة من الريف الشمالي لهم، ثم ذات السيناريو في أحياء حلب الشرقية، وأخيرًا في غوطة دمشق الشرقية.

وكانت التشكيلات العسكريّة التي ظهرت مثل “حركة الضباط الأحرار” ثم “الجيش السوري الحرّ” ثم “المجالس العسكرية” غير منتظمة ضمن تشكيل وقيادة موحّدة، وظهرت على شكل مجموعات عسكريّة متفرقة، ولم يكن يجمعها أيّ أيديولوجية سوى كره الأسد، والرغبة بإسقاطه عسكريًّا دون تقديم بديل مقنع للعالم، وسيطرت على مساحة قرابة 65% من سوريا.

ومع دعم الأسد للفكر السلفي الجهادي عبر إخراج المعتقلين الجهاديين من سجونه، وانتهاج نظيره المالكي في العراق، طريقه، بالإضافة إلى تسهيل نظامي الأسد والمالكي لهم الحصول على السلاح، في تلك الفترة كانت قد ظهرت “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم القاعدة انتشرت الفصائل الإسلامية المسلّحة التي قضت على الثوار الذين لم يتلقوا أيّ دعم على عكس هذه الفصائل التي تلّقت تمويلًا من دول الخليج باعتراف وزير الخارجيّة القطريّة.

فكان العامل الأبرز في تحوّل الثورة السورية عن أهدافها هو ممارسات مخابرات الأسد للطائفية وانتشار الفصائل العسكرية الإسلامية التي دعمت بدايةً من “الإخوان المسلمين” ثم من جهات أخرى كدول الخليج العربي، وهذه الفصائل حاربت الثوار وانتزعت المناطق منهم عنوةً، وتاجرت باسم الإسلام ورفع رايته، ومارست نفس أعمال النظام من قمع واعتقال واغتيال لأيّ شخص لا يوافقهم الرأي. بالإضافة إلى عدم توحّد البندقية بوجه النظام، وجعل قضية الثورة هي مناصب وولايات وكلّ منطقة تُعتبر دولة، لا يجوز لفصيل آخر المساس بها، وافتعلت “الاقتتال الداخلي” الذي أفضى إلى تسليم المناطق إلى النظام.

وكان إعلان “تنظيم الدولة” الخلافة وإقامة دولة إسلامية في الربع الأول من منتصف 2014 حيث يصف السوريون هذا التاريخ بـ “اليوم الأسود”، لتكون التنظيمات ذريعة لتدخل روسيا وإيران إلى جانب النظام، وإنشاء التحالف الدولي للقضاء على داعش، وتدمير المدن بغية طرح مشاريع إعادة الإعمار.

ومع تخاذل بعض القوى المعارضة بالاشتراك مع القوى الدوليّة الداعمة، واستمرار سيناريو التهجير، خضعت الفصائل للأجندات الخارجية المموّلة لها إلى الذهاب لمباحثات “أستانة” التي في 4 – 5 – 2017 إلى ما يُعرف بمناطق “خفض التصعيد” وبدأت الفصائل بالتكاسل وانتظار دخول الجيش التركي، ليكون عازلًا بينها وبين قوّات النظام (نقاط مراقبة) فيما تبقى فصائل منطقة “درع الفرات” لا تتحرّك سوى بأوامر تركيا.

وبدأت تتغيّر نظرة الشارع للفصائل المسلّحة، وأصبح السوري يرى الفصائل أنّها “عالة في المجتمع” وهي سبب وصوله إلى هذه المرحلة المتدنيّة من الحراك الثوري، وأمام تكدّس أطنان الذخائر والسلاح بكافة أنواعه، في محافظتي درعا وإدلب اللتين حدودهما مفتوحة مع الدول الداعمة للفصائل (الأردن وتركيا) رأى المواطن أنّ السلاح “عبئٌ” و “سببٌ في القصف الجوّي والمدفعي المستمرّ” لعدم تحرّك الجبهات. وكأنّ الفصائل تقول للمدنيين “نعدكم بأن تبقى الخيمة بيتكم الدائم”. غير مبالين بمصير سوريا الذي يطمح إليه الشعب.

ملاحظة : وكالة ستيب نيوز لا تتبنى وجهة نظر كاتب المقال وليس من الضروري أن يعكس مضمون المقال التوجّه العام للوكالة

مدونة الأشخاص 3 01

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى