مقال رأي

ثوار حمص يغادرون آخر معاقلهم .. ببصيص أمل منطفئ

بقلم عائشة الحمصي

بعد يومين متواصلين من التفكير والتوتر الشديد على خلفية اتخاذ قرار تحديد مصير ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، اتخذت لجنة التفاوض المدنيّة والعسكريّة قرار “التهجير القسري” إلى الشمال السوري؛ رغم التطمينات التي كان يبثّها ناشطون مفادها بأنّ القرار يستبعد التهجير ويكون أقرب لفتحة تبعث الأمل في قلوب التائهين في أرضهم.

بنود الاتفاق لا تختلف عن سابقاتها من الاتفاقات أبداً .. تسليم سلاح .. تهجير من يرغب خلال أيام .. تسوية مصير من يبقى (وهو جبهات الأسد) خلال ستة أشهر، ومسيرات مؤيدة له .. وانتصارات على شاشات وصفحات المواليين الذين لطالما حاولوا جاهدين بث الفتن والشائعات الكاذبة لتحريض أبناء المنطقة وثوارها، وإنهاك معنوياتهم العالية لجعلها في الحضيض ..

يعيش أبناء المنطقة من نشطاء وثوار في أصعب ظروف حياتهم يختلط بوجنتيهم الدموع مع بصيص أمل رغم انطفائه .. يُكملون به طريق الثورة المحفوف بالمخاطر لكنّه طريق جميل .. ونرى الابتسامة على وجوه الشرفاء رغم اعتصار قلوبهم بهمومٍ لا تحملها الجبال، وسط حالات غضب لمجموعات فردية من الثوار وخلافات وانشقاقات .. كما أُشيع كذباً عن تشكيل “جيش الصحابة” الرافض للتهجير. وحالة غليان عارمة فالخطب جلل، بالتزامن مع أصوات قصف انفجارات ليلية.. وتوالت التخمينات !! فأحدهم يقول مفخخة لجبهة النصرة وآخر يوضح أنّه تخلّص من أسلحة كي لا يستلمها النظام.

وفي هذه الأثناء العصيبة لم يغبْ مشهد النكت الحمصية عن أبنائها وبدأوا يتبادلون النكات وسط المأساة العظيمة .. يقول أحدهم لأصدقائه: “حجزت لكم أرقام مقاعد في الباص” .. والآخر: “سأبني مستعمرة حمصية في الشمال كي نسكن بجانب بعضنا البعض”. فيما علّق آخر قائلاً: “بدا مهرك يا مدينة عفرين غالٍ، هو الغوطة الشرقية وريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي”.

نعم هذه نتائج اتفاق خفض التصعيد في أستانة وضمانة (روسيا وإيران وتركيا) واشتراك قادة الفصائل الثورية معهم بالتوقيع على الاتفاق (تسليم المناطق المعارضة للنظام) فالمنطقة بِيعت لروسيا منذ التوقيع في القاهرة على اتفاق حمص الذي دخل حيز التنفيذ في الثالث من آب / أغسطس الماضي.

وا أسفاه لماذا تتكرر المأساة ؟! وا قلبي كم يتمزّق لهذا الفراق .. فراق الأرض .. فراق الجبهات .. فراق ساحات المظاهرات .. فراق قبور الشهداء .. وبالمقابل مصير مجهول للمهجّرين .. إمّا في خيمٍ باليةٍ غارقةٍ بمياه الشتاء وحارقةٍ بحرارة الصّيف، أو في بيوت مُتدنيّة الإكساء مرتفعة الأسعار وأصحابها يتفنّنون بالاحتكار … ومن يحاول الفرار إلى تركيا فسيضطر لدفع مبالغ باهظة للمهربين أو يقع في يد الجندرما ويُساق للسجن، وإن لم يكن ذلك فسيقضي برصاصة غادرة تودي بحياته على عتبات الحدود.

حمص العديّة .. عاصمة الثورة .. سيغادرها أبناؤها من آخر معاقلهم الحصينة بعد مغادرة أحياء حمص آخرهم حي الوعر، ويأخذون معهم ذكريات المجد والبطولة .. نعم فالنظام الأسدي وميليشياته لم يستطيعوا السيطرة على الأرض رغم حرقها برّاً وجوّا،ً وكانوا في كلّ حملة عسكريّة يجرّون أذيال الهزيمة ويُكبّدون خسائراً جسيمة. فهل من عودة إليكِ أيّتها العديّة ؟!

ملاحظة : وكالة ستيب نيوز لا تتبنى وجهة نظر كاتب المقال وليس من الضروري أن يعكس مضمون المقال التوجّه العام للوكالة

11 01

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى