خبز الدم
اسم المتسابق : وسام باكير
ملاحظة : المقالة المشاركة بالمسابقة لا تمثل رأي الوكالة بل تعبر عن رأي المتسابق فقط دون ان تتبنى الوكالة اية افكار او اراءا شخصية مذكورة ضمن المقالة
—————————————
ﻻ يجانب صوابا من عايش سنوات الحرب الأربع في سوريا إن ارتى تسميتها ب “أسوء أزمات و مآسي العصر الحديث” ، و لن يبذل جهد كثير ليدلل على صواب ما ذهب إليه ، فالجرح الفائض عن جغرافيا الوطن والاقليم حوَّلَ هذا الشعب لأيقونة يشار إلى سوء و عظم ما ذاقت .
و إن كان من ضاقت به البلاد و اختار رحيم الموت بأن ركب البحار وهاجر قد وجد نسبيا عوضا بالحياة عن الموت ” الوطني ” اليومي ، فإن أقواما هنالك ما تزال تصارع حروبا ليس أصعبها على الإطﻻق آلات القتل المبتكرة من طائرات و صواريخ و دبابات و سواها .
فشعب طحنته سنون أربعون قهرا وفقرا و تهميشا ، لم يكن بحاجة — في ظل ثورته – الى تجويع و حصار و حرب خبز لكي يبين عن فظاعة حاله ويكتشف فريد مأساته !
هناك ، داخل الوطن و داخل داخله تحديدا ، تقبع مناطق نفضت عنها غبار المعارك المباشرة لترزح تحت وطأة ما هو اشد سوءا وفتكا ، الحصار .
فإن كانت المناطق المحررة ما تزال تعاني إما من فوضى السﻻح او ضيق المعيشة أو عبث المتطرفين وقصف الطاغية فإنه يبقى لها منافذ تخفف حدة مصاعبها ﻻ سيما في الشمال ، لكن ما حال من استبد بهم حزام الحصار ؟!
في الجواب يتضح أن اعتياد هذه الكلمة و تكرارها قد ألفته الآذان ، لكن من يعيشه لم ولن يعتاد على موت يأتي بشبح رغيف خبز او جرعة ماء أو دواء .
لم ولن يعتاده مشيعو شيخ ثمانيني سئمت من تصبره مصاعب الحياة ليأتيه موت حصار الأقربين سالبا اياه جلده و جَلده .
عامان و نيف تحت هذا الحصار ، عامان غدت فيهما اساسيات الحياة من ماء و كهرباء و دواء – و غالبا طعام – ترف ﻻ يراود احﻻم الكثير ممن يعايشوه ، و لم تعد آلة القصف المستمرة حتى الكيماوية منها قادرة على احداث فرق في عزائمهم طالما انها تنزل على بطن خاوية و جسد هزيل مريض .
فمن اليرموك جنوبا مرورا بداريا و دوما وكل مناطق الغوطة الشرقية وصوﻻ لحمص القديمة و الريف الاوسط ، مئات الآﻻف ممن استحكمهم حصار الأخ العدو و أسلمهم إما لجوع اوصل الكثيرين منهم لحتفه أو لجشع جعل وجود القليل مما يصلح للأكل كعدمه أو لمرض لم يألفوه قبلا و هم من يخبر الاوبئة و حتى الكيماوي لأول مرة !
أسلمهم لطوابير تنتظر اياما على أنقاض بيوتها لتستلم طرد غذاء هو كل ما جادت به منظمات تغنت يوما بالانسانية و مواثيق تحييد الصراعات و إن كانت هذه المساعدات استثناءا عن قاعدة الحصار والمنع و التضييق !
و وفاءا لعهدها ، ترمي الحروب بثقلها على اقل ضحاياها احتمالا له .. أجيال من الاطفال تهب باكرا لتواصل سعيها ، ﻻ لمدرسة و ﻻ لعلم وﻻ لملعب ، بل لتهيم في الأرض علها تظفر ببعض الحشائش لتأكلها حتى و إن كان دونها القنص فالموت !
قد ﻻ يكون عصيا على من تسرب من تعليمه أن يعاود ما فاته رغم فداحة ما خسر ، أما من نشأ على الأوصال المقطعة و العظام الناتئة و الموت اليومي و الجوع المستفحل و المرض ، فما الذي يمكن التنبؤ به لحاله حال انتهاء مأساته ؟!
ما حاله وهو الذي استبدل كتابه و ألعابه بفوارغ الرصاص و القذائف و اضحى يمايز بين قذيفة و سواها من صوتها و قوتها ؟!
ﻻ عزاء في التعاطف ، وﻻ عزاء بكل إحصائيات و توصيات ومناشدات و حمﻻت المنظمات والهيئات الدولية المدنية منها والرسمية و إن كانت قد اعترفت على خجل بأن ما يحدث هو جريمة حرب بحق مدنيين .. وفقط !!
هم ﻻ ينتظرون منكم شيئا ، بل ينتظرون و يقاومون معكم فعزاؤهم منهم و إليهم حين يطل طفل علينا من داخل سجنه المفتوح ملوحا باصبعين و راسما بسمة ستشرق منها – يقينا – آية نصرهم هم .. يوما ما .