مقال رأي

لمصلحة من توقفت المفاوضات شرق الفرات؟

لمصلحة من توقفت المفاوضات شرق الفرات؟

يبدو أن شنكال (سنجار) تشكل نقطة مفصلية للتصادم بين القوى الفاعلة في المنطقة، فحزب العمال الكُردستاني استغل وجود تنظيم “داعش” فيها وتمكن من طرده، بعد أن جند شبانهم وشاباتهم (الأبرياء) بقبضة حديدية، مستفيداً من تواطئ الحكومة المركزية في بغداد.

كما أن الاتفاق الموقع مؤخراً بين بغداد وأربيل، كان واضحاً ولا غموض على تفاصيله، وهو المطالبة الواضحة والشفافة بمغادرة عناصر العمال الكُردستاني من شنكال، لكن يبدو أن إيران دخلت على الخط وفتحت جبهة ( الرواتب) من بغداد على أربيل، فهدفه الأول والأخير هو الضغط على إقليم كُردستان بعدم التدخل العسكري في شنكال وترك الأمور على ما هو عليه الآن.

الواضح في الأمر، كان موقف إقليم كُردستان الذي اعتبر إخراج عناصر العمال الكُردستاني من شنكال هي من مهمة الحكومة المركزية في بغداد، وهذا إن دلَّ إنما يدل على استيعاب حكومة الإقليم للرسالة الإيرانية من خلال بغداد، وتراجعت خطوة نحو الخلف محملاً المسؤولية على حكومة المركز التي تديرها إيران بوجوه متعددة، والتي تخدم مصالحها في المنطقة فبقيت شنكال بقعة قابلة للاشتعال في أية دقيقة ومركز التوتر بين القوى المتعددة بانتظار حسم الموقف الأمريكي بعد سيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض في واشنطن، والبدء بحقبة جديدة لم يعرف معالمها حتى اللحظة.

لِمَ هذه الحرب الإعلامية على البارزانيين؟

فتح الإعلام الموالي لحزب العمال الكُردستاني في كل مكان نيرانه على إقليم كُردستان وتحديداً البارزانيين. هذه الحرب ناتجة من نجاح الإقليم بقيادة الرئيس، مسعود البارزاني، بإدارة ملفات الشائكة في المنطقة وفق العقل والمنطق ومراعاة التوازنات الموجودة بين إيران وتركيا من جهة وبين الروس والأمريكان من جهةٍ أخرى، يسجل لهم هذا النجاح.

فبكل خطوة تنجح فيها حكومة الإقليم، يتلقى برد جنوني وحرب إعلامية طاحنة من العمال الكُردستاني، لو أعاد هذا الحزب ذاكرته ولو قليلاً إلى الخلف لوجد أن إرسال الرئيس مسعود البارزاني البيشمركة إلى كوباني كان الهدف الأول والأخير هو إنقاذ كوباني وأهلها بالدرجة الأولى وإنقاذ ما تبقى من عناصر وحدات (حماية الشعب) داخل كوباني في 2014، التي يديرهم قلة قليلة من كوادر ( قنديل) وكان آنذاك عددهم ( المتبقين) في الجبهة محدوداً جداً.

وبالتالي لولا البيشمركة، لذهب مشروع العمال الكردستاني في مهب الريح، وخاصة أن “داعش” كان تفصله أمتار قليلة ليضع قبضته على كامل مدينة كوباني في 2014، وبالتالي لو حدث ذلك كان التاريخ سيلعن هذا الحزب طيلة حياته.

فنجاح العمال الكردستاني في كوباني وبمساعدة تركيا وإقليم كردستان، أعطى العمال الكردستاني دفعة أخرى لإعادته إلى المشهد من جديد وإنقاذ سمعته في الوسط الكردي السوري.

ومن هنا نستطيع القول بأن لرئيس البارزاني دور محوري في إنقاذ مشروع العمال الكردستاني في سوريا، وكانت نقطة الانطلاقة فيما بعد بالسيطرة على كامل شرق الفرات، حتى أعلنت الانتصار على “داعش” في ريف ديرالزور في 2017 .

لجوء الماكينة الإعلامية الموالية للعمال الكردستاني إلى حرب شرسة بحق البارزانيين، هو باطل ومجحف لأن هذا الحزب لا يملك ذاكرة وبالتالي يعمل وفق أجندات حسب العرض و الطلب.

المفاوضات شرق الفرات

توقف المفاوضات شرق الفرات لمصلحة من؟

المفاوضات في شرق الفرات، توقفت رغم استمرار اللقاءات بين وفدي المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، يبدو أن قيادة “قسد” لديها رغبة حقيقية بإنجاح المفاوضات وهي تمارس السياسة وفق العقل والمنطق، لكن الحقيقة تقول أنهم لا يملكون السيطرة الحقيقية على المناطق الكردية في سوريا، فواضح للعيان أن (300) عنصر من العمال الكردستاني يقودون هذه المناطق وخارجين عن سيطرة “قسد”، حيث لا يملك أحد السيطرة عليهم سوى قيادة (قنديل) ومن يقف خلفهم، بالتالي “قسد” أعلنت صراحة في لقاءاتهم السابقة مع المجلس الوطني الكردي أنهم لا يملكون ورقة الضغط التي تدفع بهذا الحزب لمغادرة سوريا، وهنا ( مربط الفرس)، فالمجلس الوطني الكردي الذي يستفيد من هذه التناقضات تحول إلى قوة سياسية ضاربة في المنطقة فتحديد بوصلته هو سر نجاحه، عقد لقاءات دورية مع تركيا ومناقشة الأوضاع الراهنة في سوريا، والتنسيق المستمر مع واشنطن وباريس والتواصل مع الروس في إطار العلاقات الودية جعل من المجلس محل التقدير والاحترام لدى الجميع، بينما “قسد” مكبلة ومطوقة بمجموعة من عناصر العمال الكردستاني، الذين يديرون المنطقة بقبضة حديدية، حيث لم يستفيدوا من تجربتي (عفرين ورأس العين وتل أبيض )، ومصرين من خلال أفعالهم وخلق الأجواء والمبررات لدى الأتراك لتكرار نفس التجربة في ( كوباني والدرباسية ).

وليس خافياً هنا أن قيادة “قسد” قد استغلت ( كارثة زلزلال إزمير) في تركيا، موجهةً رسالة واضحة وشفافة إلى الأتراك والمطالبة بدخول في مفاوضات مباشرة دون قيد أو شرط.

يبدو أن المجلس الوطني الكردي، يحاول لعب هذا الدور وهو محاولة إيجاد صيغ مشتركة ما بين “قسد” والأتراك لتجنيب المنطقة كارثة أخرى، الموقف التركي من قسد (والوحدات الحماية) واضح ولا غبار عليه، فجميع قيادات الاتحاد الديمقراطي مطلوبون لديهم ضمن القائمة الحمراء، وبالتالي إيجاد صيغ مشتركة فيما بينهم صعباً لكن ليس مستحيلاً بنفس الوقت.

من هنا مطلوب من “قسد” عزل نفسها عن العمال الكردستاني إن أرادت الاستمرار وتجنب الفشل والبحث عن النقاط المشتركة مع الأتراك في إطار المصالح المشتركة، يمكن للمجلس الوطني لعب هذا الدور إن طلب منه ذلك، وخاصة مثل هكذا الفكرة محبذة لدى الأمريكان، وربما الروس أيضاً، لكن قيادة قنديل ترى في ذلك (خيانة) وهذا هو مربط الفرس.

جولة المجلس الوطني والنتائج المنتظرة

قام وفد من رئاسة المجلس الوطني الكردي بجولة محورية بالتنسيق ومشاركة ( جبهة السلام والحرية) إلى إقليم كردستان وتركيا، فاللقاءات جرت مع الأتراك والائتلاف والفرنسيين والأمريكان، جميع النقاشات جرت وتبادلت الآراء والأفكار وإمكانية إيجاد تفاهم مشترك ما بين القوى المعارضة والموجودة والفاعلة على أرض الواقع.

يبدو أن جبهة السلام والحرية المشكلة من قوى (عربية وكردية ) في المنطقة الشرقية، قد تلقت احتراماً وتقديراً من الروس والفرنسيين والأتراك ومن الأمريكان بنفس الوقت، المستنتج من إنشاء هذا التكتل السياسي هو رغبة أمريكية بإيجاد البدائل لقسد في حال لعبت (بذيلها) وأفسدت الطبخة، فمن المرجح أن تلجئ واشنطن بالتنسيق مع أنقرة لدعم جبهة السلام والحرية كواجهة سياسية يمكن الاعتماد على قوات البيشمركة وقوات النخبة التابعة لتيار الغد التي يقودها، أحمد جربا.

وعندما شعر حزب الاتحاد الديمقراطي بوجود لعبة جديدة والتحضير لبدائل له في الإطار السياسي والعسكري، فتح جام غضبه على قوات بيشمركة (روج) ويحاول تشويه سمعته من خلال الماكينة الإعلامية المشوهة التي يمتلكها.

الخلاصة: حزب العمال الكردستاني أمام مفترق طرق، فشل في استغلال فرص السلام التي منحت له في تركيا في 2016، لأنه مكبل بالأجندات المختلفة في المنطقة، بينما في سوريا لازال هناك فسحة وأمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فسحب كوادره الميدانية من سوريا وترك لكرد سوريا شئنهم واختصار عمله على تقديم الدعم المعنوي والسياسي لقوات سوريا الديمقراطية والمجلس الوطني الكردي ودعمهم بالعمل على عقد اتفاق شامل على إدارة المنطقة قبل فوات الأوان هو عين العقل والصواب وإلا فإن ما تبقى من المناطق الكردية في سوريا ستتحول إلى كتلة ترابية مدمرة مرة أخرى، وسيخسر هذا الحزب تاريخه قبل مستقبله، وسيفقد حاضنته في المنطقة رغم صعوبة تحقيق النتائج المرجوة من المفاوضات ( المتوقفة ) بسبب تدخل الأجندات وخاصة الإيرانية في المعادلة، لكن تحقيق النجاح وإيجاد توافق بين “قسد” والمجلس الوطني الكردي ليس مستحيلاً.

الكاتب: علي تمي 

(ملاحظة: المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى