مقال رأي

ماذا يريد “جميل بايك” من كرد سوريا؟

علي تمي / كاتب وسياسي

منذ انطلاقة حزب العمال الكُردستاني في آواخر السبعينات من القرن الماضي، يوم وضع زعيمه (أوجلان) قدمه في مدينة كوباني، استقبل من قبل النخبة السياسية الكردية في كوباني بحفاوة، وقدم له الدعم والمساندة، ولو أراد كرد سوريا الغدر به منذ أوّل لحظة لما وجدنا اليوم منظومة مدعومة إقليميًا ودولياً على مستوى شرق الأوسط.

كرد سوريا

منظومة تتدخل في كلّ الصراعات، وبنّت هرمها بالتنسيق مع النظام السوري الذي استخدمهم تارةً ضد كُرد سوريا وعلى حساب قضيتهم العادلة ، واصفاً إيّاهم بأنهم مجرد (مهاجرين) قدموا من تركيا بعد عام 1920 نتيجة الحروب والصراعات التاريخية ومهمتهم تكمن في إعادتهم إلى موطنهم الأصلي داخل تركيا، وتارةً أخرى ضد وجود البارزانييين ومشروعهم السياسي في العراق.

بداية المشوار

بعد أن وقفت هذه المنظومة على قدميها ما بعد عام 1990، وضعت هدفين نصب عينيها، وهما: أن كُرد سوريا مجرد (رعاة بقر وماشية يجب تربيتهم) ومهجرين قدموا من تركيا يجب (إعادتهم) ، وبأن إقليم كُردستان يشكل (خنجراً مسموماً ) في خاصرة مشروعهم السياسي.

بدأت هذه المنظومة مشوارها مع كُرد سوريا بتصفية، شيخ السياسيين الكُرد، الصيدلاني عبدي نعسان، بتاريخ 11/5/1985 في كوباني، فكان الرّد الأول على كرم الضيافة الذي قدمه هذا الشخص بالذات لزعيمهم، عبدالله أوجلان، في منزله الواقع في قرية علبلور (5 كم غرباً).

وفي المرحلة الثانية، حرضت هذه المنظومة على تصفية، عبدالحميد زيباري، القيادي في حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)؛ وذلك في قريته (معملو) التابعة لناحية راجو بمنطقة عفرين بتاريخ 10/10/1991، وهذا كان بمثابة أول رد (جميل) لقيادات الحركة الكردية السورية، التي استضافوها ومنحوها كرم الضيافة ، ناهيك عن تصفية العشرات من النشطاء والساسة الكورد مابعد 2011 في سوريا .

ومنذ ذلك الحين، كسرت أعين النخبة السياسية الكردية أمام شراسة ملثميهم، وفرضت نفسها كأمر واقع على الخارطة السياسية الكردستانية .

الكُرد في تركيا وإقليم كُردستان

أثناء لقاءاتنا السياسية مع الشخصيات السياسية الكُردية في (ديار بكر)، وخلال نقاشاتنا معهم كنا نشتكي لهم عن تعرضنا للاعتقالات والخطف على يد هذه المنظومة.

كنا نتفاجئ ونتلقى شكاوينا بابتساماتٍ عريضة ودون نطق، بعد انتهاء النقاشات بيننا كنا نستفسر عن عدم الإجابة، كانوا يقولون أنتم كُرد سوريا لم تتعرضوا لنصف ما تعرضنا له، وبالتالي لا نريد فتح جروحنا من جديد، عندها كنا ندرك أن الحمل ثقيل والمسيرة شاقة والجميع يشترك في الآلام والمعاناة.

إقليم كُردستان خنجر مسموم في خاصرة العمال الكُردستاني

مسيرة هذه المنظومة مع إقليم كُردستان طويلة وشاقة، فتدخلت معها في مواجهات عسكرية كثيرة ما بعد التسعينات من القرن الماضي، وحاولت من خلال جناحها المسلح في سوريا (جوانن شورشكر) الإساءة للرئيس مسعود البارزاني، ورفعوا صوره في مدينة الدرباسية في 2016 ووضعوا إشارة (x) باللون الأحمر على لافتة تحمل صورة رئيس البارزاني.

الجميع كان يدرك وعلى القناعة بأن منظومة العمال الكُردستاني، لم تتمكن من رفع بندقيتها في وجه إقليم كُردستان، بفضل بسالة البيشمركه وشجاعتهم بالدفاع عن تضحيات ملايين الشهداء.

ولو لم يكن كذلك، لوجدنا اليوم هذه المنظومة قد احتلت أربيل “هولير” العاصمة، وشكلت (قوات الحماية) فيها، وحفرت الخنادق وحولتها إلى كوباني أو نصبين أخرى.

وكانت ستنادي بالأخوة مع الحشد الشعبي وفتح أبواب أربيل على مصراعيه لجماعات الشيعية في كل المكان.

محاولة تأديب “قسد” في سوريا

حتى تستطيع هذه المنظومة الاستمرار والعيش، يجب أن يكون هناك فوضى خلاقة وبيئة ملائمة للحروب، لأنها تخشى ساحة تسود فيها الوئام والسلام، وبالتالي وجدت نفسها محرجة فيما تقوم به (قسد ) اليوم من مشروع الأمن والاستقرار إلى سوريا.

علينا ألا ننكر بأن قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الجنرال، مظلوم عبدي، وضعت أسس ومفاهيم جديدة للمشروع السياسي الكُردي في سوريا، فأعداء “عبدي” اليوم يحترمونه قبل الأصدقاء، حيث فرض نفسه كرقم في معادلة شرق الفرات.

تخشى منظومة العمال الكردستاني، من هذا النهج فتحاول عرقلة هذا المشروع بشتى الوسائل، فهم ينظرون إلى المناطق الكردية في سوريا مجرد أداة للدخول في البازارات السياسية في المنطقة، وكسب مزيداً من العملة الصعبة، ولا يهمهم إن حصلوا على حقوقهم أو لا، وبالتالي فإن قيام “قسد” بعقد اتفاق النفط مع شركة أمريكية، أثار غضبهم لأنهم يجدون أنفسهم قد خرجوا (من المولد بلا حمص).

بالمحصلة: قوات سوريا الديمقراطية، قدمت 11 ألف قتيل، ليستثمر تضحياتها في سبيل مشروع سياسي، وهذا المشروع لن يتحقق إلا من خلال المجلس الوطني الكردي.

وبناءًا عليه فإن، جميل بايك، لن يسمح لمظلوم عبدي بأخذ مركبة كرد سوريا إلى بر الأمان، فإذا كان لدى (عبدي) الرغبة للدخول في التاريخ من أوسع أبوابه، فإنه يتوجب عليه الدعوة الصريحة عن فك ارتباط مشروعه عن العمال الكردستاني، وملاحقة منظومة (جوانن شورشكر) وزجهم في المعتقلات وتشكيل لجنة مشتركة مع المجلس الوطني الكردي للتواصل مع العشائر العربية في ديرالزور، لطمئنتهم وعدم التعرض لهم.

ورسم سياسية جديدة مع المعارضة السورية، والاعتماد على خبرة الرئيس، مسعود البارزاني، في قيادة الإقليم فهم يمتلكون علاقات ودية وتجارية مع طهران وأنقرة ودمشق، ويحاولون عدم التصادم معهم ومراعاة مصالحهم الاستراتيجية قدر الإمكان، وبالتالي استفادوا من هذا الوضع خدمةً لبقاء الإقليم كجسم متماسك.

وإذا كان، مظلوم عبدي، يرغب باستمرار مشروعه عليه أن يراعي الخارطة السياسية والجغرافية في الشرق الأوسط، فمنطقة قيادته تقع داخل ثلاث إمبراطوريات لها تاريخ حافل في الحروب والصراعات.

وبالتالي في منطقة شرق الفرات، نحتاج إلى لغة العقل والمنطق والابتعاد عن إثارة عواطف الناس من خلال شعارات خشبية و براقة عفا عليها الزمن.

اقرأ أيضاً : واشنطن ترفع البطاقة الصفراء بوجّه قيادات “قنديل”.. وتضع المعارضة السوريّة أمام خيارات صعبة

الخلاصة: منطقة شرق الفرات، تمرّ بمرحلة مفصلية تواجهها تحديات كثيرة، فمنظومة العمال الكردستاني لن تسمح لقسد بإنشاء كيان سياسي في شرق الفرات يتشارك فيها (الكرد ، العرب، الأرمن، الشركس) لأن مثل هذه المشاريع يحقق الأمن والاستقرار، بالتالي يمنعهم من اللعب بمصير الشعوب وتحويل مناطقهم إلى كتل مدمرة يعقدون عليه بازاراتهم السياسية.

وإذا كانت “قسد” جادة بالتخلص من كابوس العمال الكردستاني في تدمير مشروعها، فما عليها إلا الاعتماد على المجلس الوطني الكردي والاستفادة من طاقاته وخبراته ليتمكن الجميع من الوصول إلى بر الأمان دون أن تغرق مركبتنا وسط البحر.

علي تمي / كاتب وسياسي

ماذا يريد "جميل بايك" من كرد سوريا؟
ماذا يريد “جميل بايك” من كرد سوريا؟

ملاحظة : وكالة ستيب نيوز لا تتبنى وجهة نظر كاتب المقال وليس من الضروري أن يعكس مضمون المقال التوجّه العام للوكالة .

اقرأ أيضاً : ما علاقة شرق الفرات باشتعال النيران بين أرمينيا وأذربيجان!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى