تحقيقات ستيب

عصابة “ابن الحرام” تحوّل حياة اللاجئين السوريين بتركيا إلى جحيم.. هكذا تخطط وتنفذ

أبو أحمد عاش أسوأ لحظات حياته على الإطلاق: “اتصلت بي عصابة باسم الاستخبارات التركية وطلبت مني الذهاب إلى مقر أمني بتهمة العثور على الكملك الخاص بي في وكر للإرهابيين. لحظة خروجي داهمت عناصرها منزلي وأدخلت أسرتي الصغيرة في حالة رعبٍ وذعر. ثمّ أخذوا كل ما أملك كل ما أملك”.

تحت اسم “نصاب ابن الحرام” سجل عشرات اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا رقم أحد أفراد عصابة مجهولة، اتصل بهم محاولاً استغلالهم باسم الأجهزة الأمنية والجهات الرسمية التركية. ففي وقت كان البعض منهم يقظاً وقع آخرون كما “أبو أحمد” في شباكه.

IMG ٢٠٢٣٠٦١٢ ٢٢٥٨٤٢
رقم أحد أفراد العصابة.. أسماه اللاجئون السوريون بـ”نصاب ابن الحرام”

للتحقق من هذه القضية التي أرّبكت اللاجئين السوريين وحولت حياة بعضهم إلى جحيم، تواصلت وكالة ستيب الإخبارية مع عدّة أشخاص مقيمين في تركيا -تعرضوا لعمليات نصب واحتيال باسم الجهات الرسمية- يقول هؤلاء إن صاحب الرقم المجهول يعمل ضمن عصابة؛ إذ يقوم بشراء أرقام اللاجئين السوريين من مكاتب تحويل العملات أو المطاعم التي تقدم خدمة الزبائن “الدليفري”.

وتصل في الكثير من الأحيان إلى أن تشتري العصابة صور الكمالك الخاصة باللاجئين السوريين، وبالتالي تستفيد منها في اقتناء رقم هاتف باسم أحد هؤلاء اللاجئين. هنا وعند أي شكوى على الرقم يكون اللاجئ السوري هو المتهم الأول وتخرج العصابة من القضية مثل “الشعرة من العجين” كما يقول هؤلاء اللاجئين لوكالة ستيب.

ويعتبر الرقم الشخصي المحمول للأفراد بأهمية الرقم الوطني التركي “T.C” سواء أكان الفرد مواطناً أم لاجئاً.

يقول محمد الصابوني أحد الذين اتصل بهم صاحب الرقم المجهول، وهو لاجىء سوري: “في حياتك اليومية بتركيا الرقم الشخصي مطلوب أكثر من اسمك. فعليه تثبت حسابك البنكي وأمور أخرى مثل إرسال الفواتير التي تشتري بها الملابس أو الطعام وغير ذلك من الأمور الكثيرة”.

ويعتبر بيع أرقام الزبائن بين عمّال التوصيلات “الدليفري” أمراً شائعاً ومربحاً جداً للتسويق التجاري وغالباً ما تقع هذه الأرقام بيد العصابات التي تبدأ مهمتها في استغلال اللاجئين السوريين، وفقاً لمحمد الصابوني (وهو اسم مستعار).

ويضيف: “في يومٍ من الأيام السابقة اتصل بي رقم مجهول، أخبرني أنه موظف في أحد البنوك وسألني إذا ما كنت أريد فتح حساب لديهم وقدم لي إغراءات عدّة؛ منها عدم أخذ رسوم الاشتراك مني، وعندما رفضت عرضهم حاول جاهداً أخذ عنوان منزلي ولكنني كنت يقظاً لمثل هذه الأمور”.

الصابوني ألقى جزءاً كبيراً من المسؤولية على الحكومة التركية تجاه ما يحدث: “في الحقيقة الحكومة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية تجاه الذين يقعون ضحية الاتصالات المجهولة التي تتحدث باسم الاستخبارات أو أي جهة أمنية، لأننا عندما نستلم بطاقة الكملك لا يتم تنبيهنا على أهميتها وخطر انتشارها”.

من جهته، يقول لاجىء سوري آخر مقيم بمدينة إسطنبول فضل عدم الكشف عن اسمه، إنه تلقى مكالمة من إدارة الهجرة وطلب منه الموظف بعض المعلومات عنه.

ويتابع: “عندما سألت الموظف عن اسمه لأزيل الشكوك، تردد قليلاً ثم قال إن اسمه عثمان، وطلب بعد ذلك مباشرةً عنوان منزلي، ولكنني قلت له فوراً إنني حجزت موعداً مسبقاً لدى إدارة الهجرة وسألقاك هناك يا عثمان، فجأة ارتبك وأغلق الهاتف”.

والأسبوع الماضي أيضاً، تلقت اللاجئة السورية زهراء الموسى (اسم مستعار) مكالمة هاتفية أخبرها المتصل بأنه عنصر في الاستخبارات التركية، وقال إنه وجد هويتها بمكان يُشتبه بأنه وكرٌ لإرهابيي تنظيم داعش.

وخلال حديثها، قالت اللاجئة السورية إنها أغلقت الهاتف فوراً، وحذرت من أن العصابة تحاول إقناعك من خلال وضع لاسلكي قرب الهاتف لتثق بأن الاتصال من مركز أمني وبالتالي تقع في شباكهم.

رغم أن الموضوع بات مألوفاً نوعاً ما، إلا أن شريحة واسعة من اللاجئين السوريين بتركيا لا يزالون يجهلون ما يحدث وسبب ما يحدث لهم من عمليات نصب واحتيال أو حتى تهديد؛ إذ أنهم يتعاملون مع وثائقهم الرسمية بطريقة غير مأمنة ويعطونها لأي جهة تطلبها منهم دون معرفة ما قد تشكله من خطر عليهم لاحقاً.

يروي “أبو أحمد” تفاصيل حادثة مؤلمة جرت معه قبل أشهر؛ فبينما كان نائماً لأخذ قسطٍ من الراحة بعد عودته من العمل، إذا باتصالٍ هاتفي من رقم مجهول يوقظه من نومه العميق، وعندما فتح الاتصال سمع صوت جهاز لاسلكي وأشخاص يتكلمون التركية.

ويضيف: “أصابتني نوبة خوف وأنا أسمع هذه الأصوات. ثم قلت من معي ليرد أحدهم بصوتٍ خشن: نحن من الاستخبارات التركية هل أنت فلان ابن فلان؟، أجبته: نعم أنا هو”.

ويتابع: “بعد ذلك سألني عن عدد أطفالي واسم زوجتي ومكان عملي. قلت له عن أسمائهم وأعمارهم جميعاً وأنا أرتجف خوفاً. قال لي: وجدنا صورة عن الكملك الخاص بك في مكان كان وكراً للإرهابيين، مستفسراً عن السبب”.

ويزيد: “رغم أنني أقسمت له إنني لا أعلم شيئاً عما يتحدث عنه، إلا أنه صرخ في وجهي وقال لي اسكت وأجب عن الأسئلة فقط ولا تضيع وقتنا بالقسم. بعد ذلك سألني عن عنوان منزلي وإذا ما كنت متواجداً فيه، وعندما قلت نعم طلب مني أن أبقى على الاتصال معهم لحين أصل إلى مقر الأمن”.

“أبو أحمد” الذي لم يتأكد من هوية المتصل خوفاً وذعراً، ترك منزله وذهب مسرعاً إليهم ليثبت براءته، بينما بقيت عائلته المكونة من 3 أفراد (أم عشرينية وطفلين صغيرين)، وحدهم في المنزل.

بعد خروج أبو أحمد من المنزل بنصف ساعة قُرِعَ الباب وإذا بمجموعة تتكلم باسم الاستخبارات التركية وتقول لزوجته إنها في مهمة أمنية ويجب عليهم تفتيش المنزل، وأثناء التفتيش طلبت المجموعة من زوجته ما بحوزتهم من مالٍ وذهب. ثم غادرت المجموعة وطلبت من أم أحمد إغلاق الباب وعدم السماح لأحد بالدخول لحين عودة زوجها بغية إبقائها وأطفالها في حالة رعب، وفقاً لما قاله أبو أحمد.

عصابة "ابن الحرام" تحوّل حياة اللاجئين السوريين بتركيا إلى جحيم.. هكذا يخططون وينفذون
عصابة “ابن الحرام” تحوّل حياة اللاجئين السوريين بتركيا إلى جحيم.. هكذا يخططون وينفذون

لماذا يتم استهداف اللاجئين السوريين دون غيرهم؟

بحسب الضحايا، وكلهم من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، فإن عملية النصب والاحتيال تطال السوريين دون غيرهم.

يقول أحمد قطيع الناشط الحقوقي في شؤون اللاجئين السوريين في تركيا ومدير مركز عدالة لحقوق اللاجئين، إن هناك 3 أسباب رئيسية لاستهداف اللاجئين السوريين، وهي: أولاً: غياب الوعي القانوني لدى غالبية اللاجئين السوريين خاصةً في بداية الحصول على الكملك وقبل معرفة مدى أهميتها، الأمر الذي دفعهم إلى نشر الكمالك في كل مكان وإرسالها لسماسرة وغيرهم، ويرتبط هذا أيضاً بتقصير المنظمات في واجباتها تجاه هؤلاء وعدم القيام بواجبهم التوعوي.

ووفقاً لـ قطيع، فإن السوري يجهل القانون التركي وثغرات القانون، كأبسط مثال قيامه بنشر صور عن الكملك الخاص به في أماكن عدة تُمكّن أي شخص من فتح خط باسمه وفي حال أي شكوى يكون السوري هو الضحية وإن لم يكن مذنباً، وقد يواجه السجن أو الترحيل.

ثانياً: الاستغلال السياسي؛ إذ تعمل هذه المافيات على الوتر النفسي، أي إلقاء الرعب والخوف في البيئة المحيطة التي يعيش فيها السوريون الخائفون من الترحيل؛ ولأن خطاب الكراهية والتحريض العنصري على وجود السوريين والمطالبة بترحيلهم من قبل بعض السياسيين زاد مؤخراً وتم تحويل هذا الملف الإنساني لملف ابتزاز سياسي، فإن ذلك زاد من ثقة العصابات بأن العامل النفسي وخوف السوري من الترحيل تأثيره كبير في نجاح تنفيذ خططهم الإجرامية.

وبحسب الناشط الحقوقي، فإن من بين أفراد العصابات مختصين في علم النفس، لأنهم يتعاملون مع الأشخاص المستهدفين بطريقة مدروسة بدقة.

ثالثاً: تهاون الجهات المختصة في ملاحقة مثل هذه القضايا، إلا إذا أخذت ترند إعلامي على السوشيال ميديا لا سيما المواقع التركية.

رسائل توعية من السلطات التركية

بتواصل وكالة ستيب الإخبارية مع عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا حول هذا الموضوع، قال معظمهم إن رسائل توعية تصلهم بين الفترة والأخرى من قبل السلطات التركية التي تحذّرهم من التعامل مع أي جهة أو أشخاص لا يكشفون لهم عن هويتهم الأمنية أو الرسمية.

عصام الأشرف، وهو لاجىء سوري مقيم بتركيا منذ أكثر من 8 سنوات، يقول: “في الحقيقة تصلنا الكثير من الرسائل وغالباً لا أقرأها لأنها تأتي في معظمها باللغة التركية، وأنا لا أتقن اللغة إلى الآن”.

وبعد أن أرسل مجموعة من الصورة لرسائل وصلته بين فترات متباعدة، يضيف: “انظروا كل هذه الرسائل ربما من بينها رسائل توعية لمسائل الاحتيال ولكني لا أعرف مضمونها، لكن هناك رسالة وصلت باللغة العربية كانت تحذرنا من التعامل مع الجهات غير الحكومية”.

IMG ٢٠٢٣٠٦١٢ ٢٢٢٣٠٢
صورة تحذيرية أرسلتها السلطات التركية لأرقام الأتراك بما فيهم اللاجئين والمقيمين

ويواصل كلامه: “في الحقيقة نحن نتحمل جزءًا مما يحدث لأننا نجهل قوانين تركيا وفي سوريا لم يكن هناك قانون، كما أن معظمنا لم يتعلم التركية إلى الآن”، متابعاً “لا أعلم ماذا أقول”.

IMG ٢٠٢٣٠٦١٢ ٢٢٢٣٢٥
صورة تحذيرية أرسلتها السلطات التركية لأرقام الأتراك بما فيهم اللاجئين والمقيمين

هذا وخلال التواصل مع أكثر من عشر عمال ممن يعملون في خدمة التوصيلات “الدليفري”، نفوا تماماً أن يكون لهم صِلة بما يُقال حول قيامهم ببيع أرقام الزبائن، موجهين أصابع الاتهام لمكاتب تحويل العملات والسماسرة ومكاتب العقارات الذين يطلبون عادةّ من اللاجئين السوريين صوراً عن الكمالك الخاصة بهم.

وفي تواصل مع موظف يعمل في أحد المكاتب العقارية في مدينة إسطنبول، قال إن السبب ليس بالمكاتب العقارية لأن أرقام اللاجئين السوريين وصور وثائقهم تجدها حتى عند بائع الهواتف الذكية، مضيفاً: “صدقني أي مكتب أو شخص يطلب منهم صورة عن بطاقته، لن يفكر السوري لحظة واحدة في عدم منحه إيّاها”.

ويتابع الموظف، الذي رفض نشر اسمه، بنبرةٍ غاضبة: “بدلاً من توجيه التهم للمكاتب يجب أن يكون اللاجئ حذراً فحسب”.

واعتباراً من يناير/كانون الثاني 2023، كان هناك أكثر من 3,500,000 لاجئ مسجل هارب من الحرب السورية في تركيا، ويواجهون أغلبهم خطر الترحيل.

بالإضافة إلى ذلك، يقيم حوالي 100000 مواطن سوري في تركيا بتصريح إقامة.

وبصرف النظر عن اللاجئين السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة والمواطنين السوريين الحاصلين على تصريح إقامة، حصل 230،998 سورياً على الجنسية التركية اعتباراً من أبريل/ نيسان 2023.

ويتركز السوريون بشكل عام في المحافظات الجنوب غربية وكبرى المدن التركية مثل إسطنبول، التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين، حيث يبلغون حوالي 550 ألف سوري مسجل.

عصابة تستهدف اللاجئين السوريين في تركيا بخططٍ محكمة.. ستيب تكشف كيف نصبوا على العشرات
عصابة تستهدف اللاجئين السوريين في تركيا بخططٍ محكمة.. ستيب تكشف كيف نصبوا على العشرات

إعداد: سامية لاوند 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى