حورات خاصة

إثيوبيا أمام خطر التفكك.. هل تطيح جبهة تيغراي بحكومة آبي أحمد وما مصير سد النهضة!؟

أدّت الحرب الدائرة بين القوات الحكومية وجبهة تحرير تيغراي منذ عام إلى إغراق إثيوبيا في أزمةٍ سياسيةٍ وإنسانيةٍ خطيرة، تهددها بالانهيار والتفكك إلى أقاليم بعد أن غرقت في جحيم الصراعات العرقية.

هذا وتفيد التقارير باحتدام المعارك في العديد من جبهات القتال في إثيوبيا مع تضارب الأنباء بشأن مكاسب كل فريق، وسط تقدمٍ لافت لجبهة تيغراي نحو العاصمة أديس أبابا المهددة بالسقوط.

في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تحدياً كبيراً، أعلنت 9 حركات مسلحة عزمها على إسقاط الحكومة والإطاحة بأحمد وبدء فترة انتقالية.

زيادة حِدة الصراع في إثيوبيا، تثير تساؤلات عدّة حول قدرة آبي أحمد على الحكم وبقاء البلاد على شكلها الحالي أو تفككها بالإضافة إلى تساؤلات حول مدى استفادة مصر والسودان من هذه المعارك المحتدمة وكيف ستؤثر على مفاوضات سد النهضة المتأزمة. للوقوف على كلّ هذه الأسئلة حاورت وكالة “ستيب الإخبارية” كل من المحلل السياسي الإثيوبي أنور إبراهيم والباحث المتخصص في الشأن الأفريقي أحمد عسكر.

إثيوبيا
إثيوبيا أمام خطر التفكك.. هل تطيح جبهة تيغراي بحكومة آبي أحمد وما مصير سد النهضة!؟

الصراع داخل إثيوبيا

يقول المحلل السياسي الإثيوبي أنور إبراهيم، تعليقاً على الأنباء التي تفيد بتوجه البلاد نحو حرب أهلية: “هي صراعات داخلية سياسية وليست حرباً أهلية، بها بعض التحركات التي توحي أن هنالك خلاف أيديولوجي في الحزب والحكومة وبعض مكونات الأحزاب السياسية داخل القوميات الإثيوبية”.

ويضيف: “أسباب الصراع سياسية وخلافات في مبادئ الحزب الحاكم منذ العام 2018 وتطورت لحرب أضرّت بالبلاد”.

ويتابع: “ونتوقع أن تتوصل الجهات لحلول بخصوص الصراع، وهنالك تحرك دولي لإجبار الطرفين للجلوس على طاولة المفاوضات”.

ويرى المحلل الإثيوبي أن الحل هو “الجلوس والتشاور والمناقشات حول مجمل الصراع والتوصل لمناقشة الخلافات على طاولة المفاوضات من أجل إخراج الملف لبر الأمان، ومن أجل مصلحة الشعوب في المنطقة ككل”.

هل تتجه إثيوبيا نحو الانقسام!؟

حققت جبهة تيغراي مع أورومو، تقدماً ملحوظاً خلال الأيّام القليلة الماضية وسيطرت على مناطق استراتيجية. هل الوضع يرجح حصول انقسام إقليم تيغراي عن إثيوبيا ومطالبة أقاليم أخرى بالانفصال!؟

ردّاً على هذا السؤال، يؤكد إبراهيم أن “الانقسام موضوع بعيد جداً والصراع السياسي في إثيوبيا ليس بجديد، حيث حدثت مثل هذه الصراعات في أوقات محددة وفي أوقات مختلفة في عهد كل حكومة سبقت الحالية”.

وفيما يخصّ بمحاولة التحالف الجديد الذي شُكل مؤخراً من تسعة فصائل مناهضة الإطاحة بحكومة آبي أحمد، قال المحلل السياسي: “يعتبر تحدياً وربما قد يكون هنالك حراك سياسي أو تصالح من أجل معالجة كل المشكلات”.

ويتابع: “التحالف يُعتبر الأكبر من نوعه منذ العام 1985، وربما قد يكون له صدى وتأثير في الحراك السياسي”.

تأثير سقوط حكومة آبي أحمد على مشروع سد النهضة

المحلل الإثيوبي، يقول: “أنا أستبعد موضوع التدخلات في ملف الصراع الإثيوبي الحالي، لأنه خلافٌ متجذر وطويل يعتبر قبل ظهور ملف سد النهضة حتى، وموضوع السد هو مشروع قومي وليس حكومي حتى يتأثر بأي تحركات سياسية.

مهما تغيرت الحكومة لن يتغير اتجاه الشعب الإثيوبي تجاه المشروع، وقد تعاقبت عليه ثلاث حكومات حتى الآن: حكومة ملس وهيلي ماريام وآبي أحمد”.

واستبعد المحلل السياسي الإثيوبي وجود تدخلات خارجية في الصراع الدائر بالبلاد، وقال: “قد تواجه البلاد العديد من التحديات السياسية والاقتصادية وربما قد تصل لعقوبات حظر لبعض التحركات، ولكن لا بدّ من حلول مفضية لهذه الأزمة”.

المشهد ينذر بتفكك الدولة الإثيوبية

من جانبه، يقول الباحث المتخصص بالشأن الأفريقي أحمد عسكر، إنَّ المشهد في الداخل الإثيوبي يطغى عليه المزيد من التعّقد في ضوء احتدام الصراع في إقليم تيغراي شمال البلاد وغياب التوافق بين الأطراف السياسية في البلاد، مما أدّى إلى اشتعال الصراع خلال الفترة الأخيرة.

ويضيف: “هذا الصراع من المحتمل أن يؤدي إلى عواقب وخيمة قد تنذر بفكرة تفكك الدولة الإثيوبية في المستقبل وما يصاحبه من تداعيات سلبية على منطقة القرن الأفريقي بشكلٍّ عام”.

ويتابع عسكر: “طبعاً التطورات متسارعة في الداخل الإثيوبي، ويدخل الصراع مرحلة جديدة منذ اندلاعه في نوفمبر 2020 خلال الفترة الأخيرة، وخاصةً منذ يوليو/أغسطس الماضي وإعادة السيطرة على إقليم تيغراي من قبل جبهة تحرير تيغراي”.

ويواصل حديثه: “نستطيع القول إنّ هناك جولات من الصراع بين الطرفين. مؤخراً حصلت تطورات وتقدم استراتيجي أو تقدم عسكري على الأرض من قبل جبهة تحرير تيغراي عقب السيطرة على عدد من المدن الاستراتيجية في إقليمي عفر وأمهرة؛ هذه السيطرة من شأنها قرب حسم الصراع لصالح تيغراي من خلال التوجه شرقاً نحو العاصمة أديس أبابا والإطاحة بحكم آبي أحمد، وهذا سيدخلنا في مرحلةٍ جديدة بها العديد من السلبيات على مستقبل الدولة الإثيوبية”.

الصراع بين مشروعين سياسيين سيدمر إثيوبيا

وفيما يتعلق بأسباب الصراع، يوضح الباحث السياسي أن الصراع هو “صراع سياسي بين عدّة أطراف سياسية أو بين طرفين بالأساس، طرف تمثله الحكومة الفيدرالية بزعامة آبي أحمد والآخر تمثله قومية تيغراي وجبهة تحرير تيغراي التي تسيطر على الإقليم، والتي كانت تسيطر على الحكم في إثيوبيا منذ عام 1991 حتى استقالة رئيس الوزراء السابق هيلي ماريام”.

ويزيد: “هذا الصراع هو صراع بين مشروعين سياسيين، الأول لآبي أحمد والذي ينطوي على فكرة إلغاء الفيدرالية والتحول إلى المركزية بحيث تكون معظم السلطات في يد الحكومة المركزية التي يقودها أحمد في مقابل تقليص السلطات والولايات الإثيوبية وهو ما ترفضه معظم الولايات خلال الفترة الأخيرة.

أما المشروع الآخر فهو مشروع قومية تيغراي الذي يرتبط بفكرة الفيدرالية واستمرار الحكم غير المركزي بحيث يكون هناك سلطات واسعة للولايات الإثيوبية إلى جانب سلطات الحكومة الفيدرالية.

وبالتالي آبي أحمد يعتبر قومية تيغراي هي خصم عنيد له في البلاد ويريد إقصائها من المشهد السياسي ككل والقضاء عليها نهائياً، وفي إطار تعزيز هذا التوجه لدى آبي أحمد اتجه نحو فكرة التحالف مع بعض القوى السياسية في الداخل لإقصاء قومية تيغراي من المشهد الإثيوبي وهو حليفها الأساسي وهي قومية أمهرة التي تملك عدد من الطموحات السياسية في حكم الدولة خلال الفترة المقبلة”.

إثيوبيا أمام سيناريوهات مفتوحة

الباحث في الشأن الأفريقي، يعتقد أن إثيوبيا أمام سيناريوهات مفتوحة بخصوص مستقبل الصراع، قائلاً: “في ظنّي أن الصراع سوف يمتد إلى درجة من المحتمل أن تصل جبهة تحرير تيغراي إلى العاصمة أديس أبابا، وهنا سيكون هناك عدّة سيناريوهات أما التحول إلى حرب أهلية وحرب الكل ضد الكل أو النجاح في القضاء على حكم آبي أحمد في البلاد، وربما تتدخل بعض القوى الإقليمية للحفاظ على حكم آبي أحمد ومساندته في القضاء على قومية تيغراي أو على الأقل تراجعها إلى الخلف مرةً أخرى واستمرار حكم أحمد”.

ويردف القول: “المشهد العام في إثيوبيا هو مشهد يزداد تعقداً في إطار التقدم العسكري لتيغراي وتحقيق انتصارات حاسمة على الأرض في مقابل تراجع القوات الإثيوبية التي تلقى دعماً من بعض القوات الخاصة لبعض الولايات الإثيوبية خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى بعض التقارير التي تتحدث عن مشاركة بعض القوات الإريترية والصومالية إلى جانب القوات الإثيوبية في الحرب ضد جبهة تيغراي”.

هل يتأثر ملف سد النهضة بالحرب في إثيوبيا

فيما يتعلق بارتباط ملف سد النهضة بالتطورات الأخيرة في إثيوبيا والمنطقة عموماً، يقول عسكر إن إثيوبيا منذ عام 2015، وهي تشهد المزيد من الاضطرابات السياسية والأمنية بعد انطلاق الاحتجاجات ضد النظام السابق حتى الإطاحة به أو تقديم استقالته في 2018، وما بعد ذلك بعد تولي آبي أحمد إلى هذه اللحظة في ضوء الصراع في إقليم تيغراي.

ويتابع: “حول انعكاسات الأوضاع الإثيوبية على سد النهضة، نرى بأن الملف لم يتأثر. الموقف الإثيوبي مستمر في سياسته منذ عام 2011، والتي تقوم على فكرة التعنت وعلى فكرة استغلال عامل الوقت في فرض الأمر الواقع على دولتي المصب مصر والسودان”.

عسكر يضيف: “الدولة الإثيوبية لم يتحول موقفها إطلاقاً خلال العقد الماضي فيما يتعلق بالمحاولات بإيجاد تسوية لملف سد النهضة. في المقابل مسار التفاوض بالنسبة للدولة المصرية والسودانية لم يحدث به أي تطورات حتى بعد الانتقال إلى تدويل الأزمة في مجلس الأمن الدولي في محاولة للضغط على الجانب الإثيوبي لإيجاد تسوية لهذا الملف.

وبالتالي أنا لا أرى أي ارتباط بين فكرة الاضطرابات الإثيوبية وانعكاسات ذلك على التراجع الإثيوبي في ملف سد النهضة أو إحراز بعض النقاط الإيجابية بالنسبة للدولتين المصرية والسودانية في هذا الملف الذي يعتبر حالياً في حالة ركود تام بعد توقف المفاوضات خلال العام الجاري”.

أهمية سد النهضة بالنسبة للإثيوبيين

الباحث السياسي المصري، يقول: “في اعتقادي سواء بقي آبي أحمد في الحكم أو تحقق السيناريو المحتمل بشأن إطاحة جبهة تحرير تيغراي بحكمه، لن يؤثر على موضوع سد النهضة ربما يتعلق الأمر في تعليق أعمال البناء في مشروع السد إلا أن الأمر لن يصل إلى إلغاء المشروع أو فشله؛ وذلك لأسباب متعلقة بفكرة أن هذا المشروع يقوم على فكرة تقديمه على أنه مشروع قومي للإثيوبيين يبني من في السلطة جزء كبير من شرعيته السياسية في هذا المشروع، لأنه يضمن له التفاف الرأي العام الإثيوبي حول من يقف على رأس السلطة.

وبالتالي أعتقد من الصعب التكهنات بشأن فشل مشروع سد النهضة خلال الفترة المقبلة”.

حاورتهما: سامية لاوند

إثيوبيا
إثيوبيا أمام خطر التفكك.. هل تطيح جبهة تيغراي بحكومة آبي أحمد وما مصير سد النهضة!؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى