حورات خاصة

حوار خاص|| “اتفاق سنجار” الهام.. بين المأمول والواقع وما العراقيل التي تحول دون تطبيقه حتى الآن

انقضى شهر كامل منذ الإعلان عن توقيع اتفاقية بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق حول تطبيع العلاقات وضبط الأوضاع في منطقة سنجار، وفق ما بات يعرف باسم “اتفاق سنجار”.

وقد وقّع الاتفاق حول قضاء سنجار في التاسع من أكتوبر الماضي، والذي وصف على أنه عربون تقارب بين الطرفين، فيما نصّ الاتفاق على اختيار إدارة محلية جديدة لقضاء سنجار وتسلم الشرطة المحلية للملف الأمني وإخراج جميع التشكيلات المسلحة من القضاء، وعلى رأسها منظمة (حزب العمال الكردستاني) المصنّفة دولياً على أنها منظمة إرهابية.

اتفاق سنجار برعاية أممية ومباركة أمريكية

توجه وفد تابع للحكومة المركزية بالعراق في التاسع من أكتوبر إلى أربيل وذلك لاختتام سلسلة من المباحثات الثنائية الطويلة بالإعلان عن التوصل لصيغة نهائية مرضية للطرفين تجسدت بالإعلان عن اتفاقية تطبيع الأوضاع في قضاء سنجار، وبحضور طرف ثالث متمثلاً بممثلة الأمم المتحدة في العراق “جنين بلاسخارت”، فيما لاقى الإعلان ترحيباً ومباركة أمريكية حول ما تم اتخاذه من خطوات لحل المشاكل السياسية والأمنية في سنجار.

الأهداف التي سعى لتجسيدها الاتفاق

وللحديث عن دوافع الاتفاق ومآلاته والعقبات التي تعترض طريق تنفيذه، بما فيها تعنت الأطراف المتضررة من إبرامه، أجرت “وكالة ستيب الإخبارية” حديثاً مع الباحث في الشؤون العراقية “علي البيدر” والذي فصّل لنا أهم أسباب عقد الاتفاق وأهدافه.

الأهداف المعلنة وغير المعلنة للاتفاق

ويقول “البيدر”: “إن الهدف من التوصل للاتفاق يتمحور حول عدة قضايا منها ما هو معلن، لعل أهمها إعادة تطبيع العلاقات بين المركز والإقليم، وكذلك لتحجيم نفوذ حزب العمال الكردستاني”.

ويعتبر “البيدر” الاتفاق بمثابة جرس إنذار لـ”الحزب” بأنه تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء عبر سلوكياته وتدخلاته بشكل مباشر على الأرض، إلى جانب كون الاتفاق عبارة عن باكورة لاتفاقات أخرى قادمة بين المركز والإقليم خاصةً في المناطق الخاضعة للمادة (140 من الدستور العراقي) أو ما تسمى بالمناطق المتنازع عليها، سعياً لتعميم تجربة (سنجار) على مختلف المناطق وضبط السلاح المنفلت لتأمين الأمن.

تحجيم حزب العمال الكردستاني وفرض سلطة القانون

وحول سؤالنا إياه عن آفاق تطبيق الاتفاق وعمّا إذا كانت تنحسر في آلية بعينها فأجاب: “بأن أهداف الاتفاق لا تنحسر بآلية معينة فهناك أكثر من باب مفتوح في هذا المجال ومن الممكن الولوج لمحطات أخرى بهذا الخصوص كـ”إعادة النازحين، تحديد دور حزب العمال، تطبيع العلاقات وإبراز حسن النوايا وتحديد دور وإمكانية كل طرف بالنسبة للمركز والإقليم وتبادل الأدوار والمهام في أكثر من منطقة وتوضيح تلك الأدوار وتدوينها عبر هذه الاتفاقية”.

وأضاف بأن الاتفاقية تتمحور حول فرض سلطة القانون في تلك المناطق سواء من قبل القوات الأمن للإقليم أو القوات الاتحادية متمثلة بالمخابرات العراقية أو جهاز الأمن العراقي كما تنص بنود الاتفاقية.

سنجار بوابة الحل لباقي المناطق

ويلفت الباحث إلى أهمية اختيار سنجار كونها تعد الملف الأكثر تعقيداً لانقسام الأهالي “ولائياً” لأكثر من جهة هناك.

حيث يشير إلى أن بعضهم يدين بالولاء لطرف “كردي” وبعضهم لطرف “عربي” وبعضهم ولاؤهم “شيعي” والبعض الآخر “سنّي”، فضلاً عن التجاذبات الاجتماعية والسياسية والمذهبية الحادّة في المدينة المهمة استراتيجياً وجغرافياً، والتي إذا ما استطاع التعاون بين بغداد وأربيل تجاوز أزمتها، فهذا سيكون مؤشر على حل الأزمات العالقة تباعاً، حسب وصفه.

أهداف أبعد تسعى لها حكومة الكاظمي

ويعتقد الباحث أن رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، يحاول إيصال رسائل إلى جميع الأطراف المحلية والإقليمية وحتى الدولية عن حسن نواياه في التعامل مع الكثير من القضايا ونسف موروث الأزمات التي حصلت في مرحلة سابقة، خصوصاً وصول الأمور لمرحلة الصدام بعهد حكومة العبادي.

ويضيف أنه من الممكن أن تكون هذه الاتفاقية جسر لتجاوز العراق العديد من أزماته والشروع بعمليات إعمار وعمليات استثمار في مناطق الشمال الغنية بالموارد الطبيعية فضلاً عن موقعها الجغرافي الهام للاستثمارات الاقتصادية الضخمة.

اتفاقية سنجار تجسيد لرغبة عراقية بعيدا عن أي ضغوطات خارجية

أما عن الحديث عن الضغوطات الخارجية فقد استبعد ” البيدر” احتمالية وجود أي ضغوطات خارجية واصفاً هذه الطرح بالبعيد عن الواقعية، إذ أن البيت العراقي الداخلي يسعى بحسب رؤية الأطراف السياسية الداخلية إلى إعادة ترتيب وتقديم بعض التنازلات لصالح الوطن وهذا ما يحسب للأطراف العراقية الفاعلة في صناعة القرار السياسي في البلاد، حسب تعبيره

اللجوء للقوة لتطبيق الاتفاق

هذا فيما لم يستبعد “البيدر” لجوء حكومة الكاظمي إلى القوة وهذا خيار متوقع إلا أن الفروقات الكبيرة بالقدرات القتالية بين القوات الاتحادية وكوادر حزب العمال الكردستاني ستدفع بالأخير لاتباع تكتيكات تتجنب الصدام أو اللجوء للقوة، كون المعركة محسومة مسبقاً لصالح الطرف الآخر.

رد فعل ” العمال الكردستاني” على إخراج كوادره من سنجار

وحول ردود الفعل المتوقعة من الحزب على الاتفاقية، فقد أشار إلى أن وضع الحزب على الساحة الإقليمية مؤخراً بات صعباً جداً وبالتالي هذا يدفعه للجنوح للسلم في هذه المرحلة كونه غير مستعد لتقديم المزيد من الخسائر في ظل هذه الأزمة، حيث يلاحظ ضغط تركي ومواقف دولية أكثر عنفاً تجاهه، ما يعني تسليمه للأمر الواقع والانصياع لرغبات الحكومة والإقليم.

اقرأ أيضا: كيف تدير الميليشيات الولائية مواردها الاقتصادية في العراق؟ وهل ينجح الكاظمي بترويضها أم هي من ستنجح بترويضه؟

هل هي نموذج قابل للتعميم؟

وللمزيد من الحديث حول منطلق ومصير هذه الاتفاقية، وما إذا كانت نموذجاً قابلاً للتعميم على باقي المناطق المتنازع عليها، التقت “وكالة ستيب الإخبارية”، نظير الكندوري، الكاتب والمحلل السياسي العراقي والذي يقول: “مما هو واضح من بنود الاتفاق حول مدينة سنجار، إنه مصمم وبشكل خاص لتحجيم نفوذ حزب العمال الكردستاني، باعتبارها من أهم المناطق لهذا الحزب بعد معاقله في جبال قنديل، حيث أنه يستخدم المدينة وبنيتها التحتية كقاعدة خلفية لقواته، بالإضافة إلى أنها يستطيع تجنيد من يشاء من شباب المنطقة”.

ويضيف: “إن الأهم من ذلك كله، هو التخادم الحاصل بين هذا الحزب ومليشيات الحشد الشعبي، لذلك فأن مصالح ثلاث أطراف قد التقت في هذا الاتفاق، هي مصلحة تركيا في ضرب قواعد الحزب في هذه المدينة، ومصالح الكاظمي في صراعه مع المليشيات الولائية التابعة لإيران، ومصلحة البارزاني في محاولته لضم هذه المدينة لإقليم كردستان بمباركة حكومية رغم إنها عائدة إداريًا إلى مدينة الموصل”.

إعادة النازحين ذريعة لتمرير الاتفاق

ويتابع: “ربما إعادة النازحين إلى سنجار، هو آخر ما يفكر به الأطراف الموقعة على الاتفاق وبالأخص المهجرين العرب، لكن بنفس الوقت يتخذون من موضوع إرجاع النازحين لديارهم كحجة لتمرير الاتفاق، وحقيقة الاتفاق موجه بشكل خاص لنفوذ حزب العمال في المدينة، ودليل ذلك هو اندلاع الاشتباكات وفي مناطق متفرقة من إقليم كردستان بين حزب العمال وبين قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني (جماعة مسعود بارزاني)”.

وحول اختيار البدء بتطبيع العلاقات من بوابة سنجار يرى الكندوري أنه تأكيد أخر على أن موضوع تطبيع الأوضاع في المناطق التي تم تهجير أهلها هو أخر ما يفكر به “الكاظمي”، لكن الأمر متعلق بتواجد الحزب في هذه المدينة، والضغوط التي تُمارس عليه من قبل تركيا لوضع حد من ذلك التواجد”

حيث أن تركيا كانت قد هددت في وقت سابق باجتياح المدينة وتحريرها من حزب العمال، فيما شهدت المدينة ضربات جوية تركية عديدة على طول الفترة السابقة.

وفيما يتعلق بممارسة ضغوط على الطرفين لتوقيع الاتفاق، يشير الكندوري إلى أنه “ومن خلال مراقبة سياسة الكاظمي المتبعة مع الأطراف الكردية، نلاحظ أن هناك تباينًا كبيرًا في سياساته حينما يتعامل مع طرف البارزاني أو مع الطرف الطالباني، فالكاظمي ربما يجد نفسه أقرب في تعاملاته مع الحزب الديمقراطي الكردستاني (جماعة البارزاني) من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (جماعة الطالباني) ذلك لأن الأخير له علاقات وثيقة مع الجانب الإيراني وهو على توافق كبير مع الأطراف الشيعية الفاعلة في بغداد.

وبالتالي فأن أشبه ما يكون هناك حلفًا خفيًا يظهر للوجود أطرافه مؤلفة من الكاظمي ومسعود البارزاني وبدعمٍ من تركيا، بحسب تعبير الباحث العراقي.

الطريقة التي سيخرج بها العمال الكردستاني

يعتقد الكندوري أن ” تطور الأمور في سنجار وبقية المناطق التي يتواجد فيها حزب العمال الكردستاني تتجه إلى أن الكاظمي يفضل أن تتولى قوات البيشمركة التابعة لمسعود البارزاني مهمة إخراج حزب العمال من المناطق التي يتواجد فيها ومن ضمنها سنجار”.

ويقول: “نتوقع أن إخراج حزب العمال من سنجار ليست مهمة سهلة على البيشمركة، لذلك نتوقع أن يقوم الكاظمي بتقديم الدعم للبيشمركة في هذا الموضوع، بالإضافة إلى دعمٍ جويٍ تركي، بل وحتى دعم بري من القوات التركية المتواجدة بالأصل في مناطق شمال العراق”.

كيف ستكون ردة فعل الحزب

ويرى الكندوري بأن ردة فعل “الحزب” لن تكون باردة أو مستسلمة في موضوع إخراج من مناطقه، وبالذات سنجار، فهو يعتمد عليها كثيراً في تجنيد الشباب لقواته، وهي المدينة التي تمثل نقطة تواصله مع “قسد”، في سوريا، لذلك يتوقع منه أن يدافع عنها بكل قوة.

ويضيف: “وبالرغم من أن الولايات المتحدة أبدت دعمها لحكومة الكاظمي في تصديها لحزب العمال قبل يومين، لكن في اعتقادنا أنها لن تسمح في إضعاف حزب العمال بشكل يلغيه من المعادلة العسكرية في تلك المنطقة، بالأخص مع إدارة جو بايدن الجديدة التي يتوقع ألّا تكون متماهية مع الجانب التركي”.

الجدير ذكره أن الاتفاق بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان وجد دعماً من عدّة أطراف محلية وإقليمية، إلا أن تنفيذ بنوده على الأرض هو ما بات يعتبر التحدي لحكومة “الكاظمي”، وينتظر في قادم الأيام كيف ستكون عليه ملامح الصراع بين الأطراف بتلك المنطقة الاستراتيجية، وهل ستتحول لصراع عسكري أم سيتم تفادي الأمر سياسيا ودبلوماسياً.

اقرأ أيضا : محلل سياسي عراقي يفتح ملفات الفساد ويكشف مستقبل العراق ما بين التواجد الأمريكي والتمدد الإيراني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى