مقال رأي

ما علاقة لندن بعاصفة المظاهرات التي اجتاحت موسكو وخشية بوتين من “الإطاحة به”؟

أليكسي نافالني هو محامٍ بالغ من العمر (44 عاماً)، محتجز في أحد سجون العاصمة موسكو، منذ عودته مطلع الأسبوع الماضي من ألمانيا، بعد تعرضه لعملية تسميم على يد عناصر يُعتقد أنهم يعملون لصالح (KGB).

نافالني في موسكو 

لكن بعد التدخل السريع من السلطات الألمانية ونقله إلى المشفى، عُولج من التسمم بالغاز العصبي “شبه المميت” في أغسطس/آب الفائت، حيث كان في رحلة إلى سيبيريا، وبحسب المعلومات التي نقلتها الصحافة الغربية، “بوتين” هو من أمر بتسميمه، ورغم نفي الكرملين أي دور له، لكنه يرفض في الوقت ذاته فتح تحقيق جنائي بالواقعة.

نافالني يلاحقه 3 قضايا جنائية معلقة ضده، كلها ذات دوافع سياسية، كما يقول في تصريحاته الصحفية، ويمكن لأي منها أن تدخله السجن لسنوات، وكان أوّل (نافالني) من أشعل الثورة ضد الفساد في ديسمبر/كانون الأول 2011 حتى مايو/أيار 2012، أدّت “مسيرة الملايين” إلى وضع البلاد في حالة الغليان منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا.

نافالني
صورة متداولة للمعارض الروسي أليكسي نافالني

ويبدو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، رغم خبرته الطويلة في عالم الأمن والمعلومات، لكن يبدو أنه مرعب من أن يقود نافالني “ثورة ملونة” للإطاحة به، وهذا أكثر ما يخشاه الكرملين من انطلاق احتجاجات ضخمة لا يمكن السيطرة عليها كما حصل في أوكرانيا، التي قاد شعبها الثورة البرتقالية ضد نظام الحكم في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، والتي طالبت بوقف التدخل الروسي في شؤون البلاد ومحاربة الفساد المالي والإداري والسياسي، وإنشاء مؤسسات ديمقراطية قادرة على تحقيق آمال الشعب الأوكراني في الكرامة والتنمية.

وكذلك يخشى الدب الروسي من تكرار ثورة الورود في جورجيا عام 2003، للإطاحة به وبدعم غربي منظم وقوي.

ما علاقة لندن بعاصفة المظاهرات التي اجتاحت موسكو ولِمَ يخاف بوتين من "الإطاحة به"؟
ما علاقة لندن بعاصفة المظاهرات التي اجتاحت موسكو ولِمَ يخاف بوتين من “الإطاحة به”؟

لماذا عاد نافالني إلى موسكو؟

هذا الشاب الشجاع أراد مواجهة بوتين في عقر داره، لحظة وصوله إلى العاصمة دعا مناصريه إلى التظاهر ولا يمكن لأحد أن ينكر دور الأجهزة الأمنية البريطانيّة الرائدة في عالم الانقلابات التي تتمتع بسمعة سيئة في هذا المجال، وتشجيعه العودة إلى موسكو لقيادة التغيير من هناك بعد أن وعدوه بالكثير الكثير؛ هذه الأجهزة كانت لها دور كبير في إشعال نار الفتنة في الاتحاد السوفيتي حتى تفككت إلى خمس عشرة دولة اتّحادية.

لحظة وصول نافالني إلى العاصمة الروسية دعا مناصريه الذين لبوا دعوته للتظاهر على الفور، وخرج 50 ألف شخص كالعاصفة إلى شوارع معظم المدن الروسية الكبرى، السبت الفائت، ورغم أن السلطات كذّبت ذلك، وقالت إنّ نحو 4000 فقط شاركوا في الاحتجاجات!! لكن الصحافة الغربية تؤكد أن عدد المحتجين تجاوز 50 ألف، مرددين شعارات “بوتين لص” و”العار” و”الحرية لنافالني”، ويبدو أنه لا يوجد فرص واقعية لإبعاد بوتين عن السلطة على الأقل في الوقت الحاضر، وأن الغرب بصدد الضغط عليه فقط للرضوخ لمطالبهم حول تحالفاتها غير طبيعية مع كل من طهران وبكين وسيول ودمشق، في المقابل هناك دول جاهزة لإرسال قواتها للدفاع عن موسكو إن دخلت في حرب أهلية منها فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا وسوريا وكوريا الشمالية الديمقراطية، ويمكن إضافة أفغانستان إلى القائمة أيضاً لوجود اتفاق الدفاع المشترك فيما بينهم.

موسكو توجّه أصابع الاتهام نحو الغرب

ما يقلق واشنطن ولندن هو تمتع موسكو بعلاقات صداقة قوية مع الدول التي تشكل حلفاً مع أمريكا، ففي الخليج العربي تتمتع العلاقة مع الروس بالهدوء والصداقة الناجحة، على الرغم من أن دول الخليج في علاقة تحالف مع الولايات المتحدة وبريطانيا وبناء على ما ذكر، جاء أول تدخل مباشر من واشنطن في عاصفة الاحتجاجات التي تجتاح موسكو، فالرئيس بايدن في أول تعليق له على ما يحدث في روسيا، قال إنّ “واشنطن قلقة بشأن نافالني والاختراق الإلكتروني ومكافآت لقتل الجنود الأمريكيين في أفغانستان”، جاء ذلك بعد أن استدعت الخارجية الروسية السفير الأمريكي في موسكو، وقدمت له احتجاجاً شديد اللهجة على التدخل في الشؤون الداخلية، على خلفية نشر السفارة الأمريكية خريطة المظاهرات في روسيا، بدورها دعت الخارجية البريطانية، السلطات الروسية إلى إطلاق سراح المعتقلين في مظاهرات انطلقت السبت، للمطالبة بالإفراج عن المعارض أليكسي نافالني واحترام التزاماتها الدولية تجاه حقوق الإنسان والالتزام بها، وهذا دليل آخر على أن واشنطن ولندن تقفان خلف الاحتجاجات القائمة وتودّان توجيه رسالة خاصة إلى الكرملين مفادها “اضبطوا إيقاعات فلتان دبّكم قبل ان نضبطه نحن !!”.

أما وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، فقد أعرب عن أسفه لـ”التوقيفات الكثيفة والاستخدام غير المتكافئ للقوة” خلال التظاهرات التي شهدتها روسيا للمطالبة بالإفراج عن نافالني، الاحتجاجات والتضامن مع نافالني، وصلت شرارتها إلى برلين وهامبورغ وميونيخ، حيث تظاهر ما يقرب من ألف شخص احتجاجاً على اعتقاله. كما نُظمت مظاهرات صغيرة في بلغاريا واحتج عدد يتراوح بين 200 و300 في باريس لنفس السبب.

2020 11 06T114746Z 1350053939 RC2NXJ97B0EY RTRMADP 3 RUSSIA PUTIN scaled
ما سبب خشية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من الإطاحة به؟

الخلاصة: منذ قيادة بوتين لروسيا الاتحادية قبل 20 عاماً، تارةً يلعب بالنار مع الغرب وتحديداً مع الأجهزة الأمنية البريطانية والأمريكية وتتدخل في الشأن الداخلي لدول الاتحاد الأوربي وخاصةً ألمانيا المحمية من قبل الناتو بعد أن كشفت العشرات من شبكات التجسس تعمل لصالح (كي جي بي)، وتارةً أخرى يحاول بوتين أن يمركز قواته بالقرب من قواعد الناتو في تركيا التي تحتوي على رؤوس نووية في ( إينجيرلك) لكي تتجسس عليها عن قرب، كما يهدد أمن المحمية الغربية (إسرائيل) من خلال جعل سوريا ساحة للجماعات المتطرفة التي تهددها بالرمي إلى البحر إن سنح لها المجال، بالإضافة إلى تأسيس موسكو لعلاقات متينة مع إيران التي تعدّ شريكًا استراتيجيًّا لها اليوم، تقدم لها الدعم في الشرق الأوسط فيما تتلقى منها دعمًا مقابلًا في القوقاز وآسيا الوسطى، وهو الهدف الذي وضعه صانع السياسة الإيراني، قاسم السليماني، عندما قرر رفع مستوى العلاقات مع روسيا.

بالمحصلة، مطلوب من بوتين سحب يده من سوريا والكف عن اللعب بالأمن والاستقرار العالميين، وعدم اللعب بالتوازنات القائمة التي خلفها تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الشرقي، وبالتالي استفراد الناتو بقيادة العالم، وإن أراد بوتين المنافسة عليه إعادة توحيد الاتحاد السوفيتي وإعادة تركيبة حلف وارسو إلى ما كان عليه، وهذا ما تجاوزته المرحلة وأصبح من الماضي، فرأسه بات مطلوباً في الغرب وخاصةً من (سي أي أي) و (أم أي 6).

ويبدو أن المعطيات تقول بأنه لن يفلت هذه المرة من هذه الاحتجاجات حتى تتم الإطاحة به من قبل الأجهزة الأمنية الغربية، كما فعلت في أوكرانيا من خلال الثورة البرتقالية، وثورة الورود في جورجيا في عام 2003، وبوتين أصبح اليوم هدفاً سهلاً وعلى رأس قائمة المطلوبين في الولايات المتحدة وبريطانيا التي لولاهما لما وجدت دولة اسمها ( روسيا) اليوم بعد أن قرع جيش ( هتلر ) أبواب موسكو، وتدخلت واشنطن وأمدت الاتحاد السوفيتي بالذخائر حتى تمكنت من الدفاع عن نفسها، وبالتالي قلب الموازين لصالح الحلفاء ضد غزو ألمان في عام 1944 حتى أعلنوا عن انتصارهم المشترك في 2 سيبتمبر 1945

 

علي تمي / كاتب وسياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى