الشأن السوري

خاص | الفرار من الخدمة الإلزامية والاحتياطية.. منافذ عسكرية وآلاف الدولارات لجيوب ضباط الأسد

بعد استعادة سيطرة النظام السوري على مناطق واسعة من سوريا، كحلب ودرعا والقنيطرة وريف دمشق وغيرها، منح النظام السوري شباب بعض تلك المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته أوراق تسوية، تسمح لهم بعدم الالتحاق بقواته فيما يعرف بالخدمة الإلزامية أو الاحتياطية ضمن مهلة زمنية معينة قابلة للتجديد.

ولكن معظم تلك التسويات انتهت أو شارفت على الانتهاء بحسب المنطقة، والمصير الذي ينتظر شباب تلك المناطق، هو إما الالتحاق بالجيش أو الفرار نحو مناطق المعارضة أو خارج سوريا.

طرق الفرار التي يسلكها كثير من الشباب تتطلّب دفع مبالغ طائلة لضباط في المخابرات السورية أو في الجيش، والذين يملكون نفوذًا يمكّنهم من إيصال هؤلاء الشباب الذين قد يكونوا مطلوبين للخدمة أو مطلوبين بسبب مشاركتهم في أعمال معارضة للنظام السوري إلى بر الأمان.

التهريب من دمشق

توصلت وكالة “ستيب الإخبارية” لمعلومات مفادها أنَّ العشرات من أبناء دمشق وريفها المقاتلين في صفوف قوات النظام قتلوا على جبهات ريف حماة وريف اللاذقية ما دفع بالبقية للبحث عن طرق للفرار من الخدمة في الجيش.

وأشارت المعلومات إلى أنَّ العديد من عناصر المصالحات المنضوين ضمن صفوف قوات النظام فضلوا البقاء في منازلهم وعدم العودة إلى الجبهات، حيث يتحصل هؤلاء على إجازات لمدة 24 ساعة، ليختفوا بعدها عن الأنظار ويندرجوا ضمن حكم الفارين من الخدمة الإلزامية.

كما أفادت عدة مصادر محلية بأنَّ هناك قسماً من المطلوبين للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية توجهوا إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية في إدلب، أو إلى لبنان عبر طرق التهريب.

وبحسب المعلومات فإنَّ ضباط النظام يشرفون بشكل مباشر على طرق التهريب نظراً لعائداتها المادية الضخمة، حيث تتراوح كلفة تهريب الشاب المطلوب للنظام سواء للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية أو المنشق عن النظام من دمشق أو ريفها إلى إدلب ما بين 500 إلى 1000 دولار، ويزداد المبلغ في حال كان الشباب المطلوب ملاحقًا بسبب تهم سابقة خلال فترة تواجد فصائل المعارضة بالمنطقة.

في حين يفضل آخرون الفرار إلى لبنان على الوصول إلى مناطق المعارضة في الشمال السوري، وتبلغ كلفة عبور الشخص الواحد من دمشق وريفها إلى لبنان 1400 دولار أمريكي.

في حين مازال هناك آلاف المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية ينتظرون مصيراً مجهولاً في مدن وبلدات ريف دمشق، ودون وجود أي حلول سوى الالتحاق بقوات النظام السوري والموت على جبهات الشمال السوري، أو الفرار عن طريق ضباط النظام إلى مناطق المعارضة أو لبنان.

التهريب من درعا

حصلت وكالة “ستيب” على معلومات حول التهريب من درعا إلى إحدى الوجهتين المتاحتين أمام من أراد الخروج من مناطق سيطرة النظام، وهما إدلب ولبنان.

وبناء على إفادات المصادر المحلية فإنَّ أغلب الخارجين من درعا يفضلون أن يسلكوا طريقهم باتجاه إدلب على الرغم من خطورته، خوفاً من ميليشيا حزب الله اللبناني المتواجدة في لبنان.

وأشارت المعلومات إلى أنّ العبور من درعا باتجاه مناطق المعارضة، في الشمال السوري تتم عبرة سيارات لضباط تابعين للنظام السوري، ذوو نفوذ واسع يقلون الشاب من بيته في درعا، إلى أن يصل حماة، دون أن تتوقف أو تتفتش على الحواجز.

وهناك أشخاص آخرون يعملون على نقل الشخص الهارب إلى داخل سيطرة مناطق المعارضة.

وتتراوح تكلفة العبور إلى إدلب ما بين 1200 إلى 1800 دولار أمريكي بالنسبة للأشخاص المندرجين تحت الوضع امطلوبين للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، أو عناصر سابقين في فصائل المعارضة وعليهم دعاوى قضائية شخصية، أو صحفيين وإعلاميين عملوا سابقاً مع وكالات إخبارية معارضة للنظام السوري”.

الطريق من درعا إلى لبنان لا يختلف كثيرًا، فهو أيضًا يتم عن طريق ضباط، ينقلون الشخص بسيارة لا تتعرض للتفتيش ولا تقف على الحواجز العسكرية طوال الطريق داخل الأراضي السورية، بكلفة تصل نحو 700 دولار.

لتقوم بعدها بتسليمه إلى مهربين تابعين لميليشيا حزب الله على الحدود اللبنانية، والذين بدورهم يوصلونه إلى داخل الأراضي اللبنانية.

ومن خلال مقارنة الأسعار فقد تبين لنا أن هناك سوقًا يختلف من ضابط إلى آخر، ومرتبط بكمية العرض والطلب فعلى سبيل المثال تكلفة الوصول من درعا إلى إدلب مع بداية استعادة سيطرة النظام السوري على درعا كانت تبلغ نحو 3000 آلاف دولار، أما الوصل إلى لبنان فكانت تصل إلى 1600 دولار.

عمليات تهريب فشلت في درعا

عمليات التهريب من درعا نحو إدلب لا يكتب لجميعها النجاح، فقد شهدت الآونة الأخيرة إلقاء النظام السوري، على 18 شخصًا حيث تم القبض في دمشق على 14 شخصًا دفعة واحدة ما بين صحفيين وإعلاميين وعناصر سابقين في المعارضة، وأمسك بالبقية في حالات فردية.

كما ألقت قوات النظام القبض على مجموعة من عناصر سابقين في المعارضة في أيلول ديسمبر الماضي، كانوا في طريقهم من درعا باتجاه إدلب، منهم من انتهى به المطاف في سجن صيدنايا، وتشير المعلومات إلى أن فشل العمليات جاء بسبب انتحال أشخاص صفات ضباط بهدف جمع الأموال، ولكنهم فشلوا في تهريب الفارين.

خيارات أخرى في درعا

وبالنسبة للخيارات المتوفرة للأشخاص الفارين من سلطة النظام في درعا، فتتوافر أمامهم حلول الانتقال إلى مناطق سيطرة المعارضة وربما منها إلى تركيا، حيث تكلفة العبور تهريب من إدلب إلى تركيا تتعدى 1200 دولار على الشخص الواحد.

أو العبور إلى لبنان، أو الخيار الثالث وهو متوفر فقط لسكان درعا، ألا وهو الانتقال إلى المناطق التي تعتبر إلى حد ما خارج سيطرة النظام السوري داخل المحافظة كدرعا البلد ومدينة طفس وريف درعا الغربي.

وتشير إحصائيات غير رسمية إلى وجود أكثر من 250 ألف شاب مطلوب للخدمة الإلزامية والاحتياطية ومنشق عن قوات النظام في محافظة درعا وحدها.

وبالحديث عن الخروج من درعا يجب علينا ذكر حالات تشابه لم الشمل، فهناك عناصر سابقين في فصائل المعارضة رافضين للمصالحة وهجرهم النظام السوري إلى إدلب عقب سيطرته على محافظة درعا.

ومن هؤلاء العناصر من يعمل على لم شمله بزوجته أو عائلته ونقلهم إلى إدلب، حيث تبلغ تكلفة عبور النساء إلى إدلب 18 ألف ليرة سورية “قرابة 30 دولار أمريكي”، حيث يتم نقل النساء بحافلة إلى مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة ميلشيا “قسد” بريف حلب الشرقي، ليتجهوا منها عبر المعابر إلى مناطق المعارضة.

التهريب من حلب

تشهد مدينة حلب بشقيها الشرقي والغربي ندرة في تواجد الشباب المدنيين من الفئة العمرية ما بين 18-38 عاماً، بينما أغلب المتواجدين هم إما متطوعون مع الميليشيات الموالية لإيران، أو منضوين ضمن ميليشيا الدفاع الوطني الرديفة لقوات النظام.

وفي حال وجود شباب مطلوبين للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية ممن يرغبون بالخروج من حلب فلا طريق أمامهم سوى الاتجاه إلى مناطق سيطرة المعارضة في إدلب أو ريف حلب، أو التوجه نحو حي الشيخ مقصود في حلب والذي تسيطر عليه ميليشيا “قسد”.

ولكن التوجه لمناطق ميليشيا تسيطر عليها “قسد” يشكل خوفًا لدى الشباب على اعتبار أن الميليشيا قد تسلمهم للنظام السوري لذا من النادر ما يتوجهون إلى الحي المذكور.

وتتغير تسعيرة الخروج من حلب إلى مناطق المعارضة تبعاً لعدة عوامل، حيث تتراوح تكلفة الخروج من حلب إلى إدلب ما بين 500 إلى 1200 دولار.

وتبعاً للمعلومات التي جمعتها “ستيب الإخبارية” فإنَّ الخروج من حلب للمطلوبين للخدمة الإلزامية أو الاحتياطية بتكلفة 500 دولار يتطلب حيازة الشخص على هوية أحد إخوانه الغير مطلوبين للخدمة الإلزامية كي يبرزها على حواجز قوات النظام التابعة بغالبيتها للفرقة الرابعة، حيث شهدت حلب عدة محاولات عبور ناجحة بهذه الطريقة.

أما الشباب المسافرون وبحوزتهم اثباتاتهم الشخصية فيتكلفون مبالغ باهظة للعبور إلى مناطق سيطرة المعارضة، وغالباً منها إلى تركيا بالتكلفة التي ذكرناها سابقاً.

وتبدأ رحلة العبور من حلب إلى مناطق سيطرة المعارضة بالاتفاق مع سائق حافلة الأجرة “تكسي، سرفيس” والذي بدوره يكون متفقاً مع حواجز الفرقة الرابعة والميليشيات الرديفة من أجل المرور منها برفقة مطلوبين أمنيين أو مطلوبين للخدمة الإلزامية.

وخلال الرحلة لا يتعرض الراكب للتفتيش ولا يضطر حتى للنزول من الحافلة على الحواجز العسكرية، حيث يتقاضى الضباط المسؤولين عن هذه الحواجز مبالغ مالية من سائق الحافلة مقابل التغاضي عن عبور المطلوبين للنظام.

حالات تهريب فشلت في حلب

شهدت حلب هي الأخرى عدة حالات ألقت فيها قوات النظام القبض على الهاربين من مناطق سيطرة النظام السوري باتجاه مناطق المعارضة، كانت آخر هذه الحالات بتاريخ الرابع عشر من الشهر الحالي.

حيث تواصلت “ستيب الإخبارية” مع شهود أفادوا بأنَّه في التاريخ المذكور ألقى ضابط في الفرقة الرابعة مسؤول عن أحد الحواجز على طريق خناصر الواقع جنوب حلب القبض على ثلاثة شباب مطلوبين للخدمة الاحتياطية في الجيش بتهمة الفرار من الخدمة والاتجاه إلى مناطق خارجة عن سيطرة النظام.

وأضاف الشهود أنَّ هؤلاء الشباب الذين تم تسليمهم لفرع الأمن العسكري كانوا متفقين مع الضابط المسؤول عن الحاجز للعبور منه مقابل مبلغ مالي معين، ولكنهم تفاجأوا عند وصولهم بوجود ضابط آخر على الحاجز، والذي اعتقلهم ووجه لهم الضرب والشتائم قبل أن يسلمهم لفرع الأمن العسكري.

وتعد حلب من أقل المناطق التي تشهد حالة هروب باتجاه المناطق المعارضة حيث يفضل كثيرون الدخول إلى تركيا بدلا من مناطق المعارضة التي تشهد قصفًا مستمرًا من قبل النظام السوري وحليفته روسيا.

ظاهرة التهريب داخل سوريا أو خارجها والتي يديرها ضباط في النظام السوري بالتعاون مع ميليشيات رديفة كحزب الله اللبناني والدفاع والوطني وغيرها، تدر أموالاً طائلة لأولئك الضباط، في حين لا يجد الفارون خيارًا آخرًا سوى الهروب على الانضمام لقوات النظام السوري، إلا أن مصيرًا مجهولاً ينظر من انتهت مدة أوراق التسوية التي أجروها مع النظام السوري في درعا وريف دمشق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى