تحقيقات ستيب

عيد نوروز وأساطيره لدى الكورد بين الماضي والحاضر.. رحلة من الظلام إلى النور!!

¶ عيد نوروز وسبب التسمية

بالنسبة للشعب الكوردي، عيد نوروز له معاني خاصة، يُعد نقطة تحول في حياته من جهة؛ إذ يمثل نوروز رسالة الحياة والأمل، ويعني لهم ذكرى قومية ليوم تحررهم من الظلم والعبودية، حتى وإن كان ذلك قد يكون من خلال ملحمة خرافية شعبية أو قد تكون بالفعل حقيقية (قصة كاوا الحداد)، ومن جهةٍ أخرى يرمز إلى قدوم فصل الربيع وانبعاث الطبيعة بنهارها الطويل المشمس.

وتعود كلمة نوروز إلى مقطعين: الأول “نو” ويعني الجديد، والثاني “روز”، ويعني بالكوردية “يوم” وبالفارسية “حياة”، ليصبح المعنى بذلك “يوم جديد” أو “حياة جديدة”.

ويُقال أيضاً عن أصل مفهوم نوروز، إنَّ الكلمة في الأصل هي كلمة سومرية ومشتقة من كلمة (نمرود)، التي تمَّ تغييرها شيئاً فشيئاً، حيث حُذِفَ منها حرف “م” واستُبدِلَ حرف “د” بحرف “ذ”، وتحول نمرود إلى “نيروز / نوروز / نو روج” و “روج” أيضاً تعني “روز”.

وبحسب ثقافة كورد إيران، نوروز مقتبس من اسم جبل “نوكروج”، الذي يقع بين مدينتين كورديتين في كوردستان إيران، و”نوكروج” مؤلفة من “نوك” تعني جديد والقمة، و” روج- roç” في اللغة البهلوية هي نفسها “roj”، ثم أُزِيلَ حرف “k” وبقيت كلمة “Nûroç”، نظرًا لتأثر اللغة الإيرانية باللغتين الإسلامية والعربية، حرف “ç / j” أيضًا تمَّ تغييره وأصبح “Nûroç” أو “Nûroz”.

ووفقًا لذاك الرأي فإن كلمة “نوروز” هي في الأصل كوردية، ولا يزال ذاك الجبل موجودًا ويذهب الناس إلى هناك في يوم نوروز للرحلات وأداء طقوس هذا العيد.

عيد نوروز

¶ ليلة إشعال النيران

للنار مكانة هامّة في تاريخ الشعوب الآرية والشرقية عموماً والشعب الكوردي بشكلٍّ خاص.

عيد نوروز
صورة متداولة لشبّان كورد بالزي الكوردي التقليدي وهم يشعلون النيران عشية عيد نوروز

يبقى رمز النار في الحكاية/ الأسطورة النوروزية والتي تستمد معانيها ودلالاتها من الديانات الكوردية القديمة، من العناصر المقدسة المكونة للطبيعة والكون. النار هي رمز الخلاص والحرية ومصدر تنوير الدروب للأجيال اللاحقة لتسير على الدروب التي رسمها أولئك الأسلاف للوصول إلى نوروزهم (يومهم الجديد).

لذلك فإنّ سبب إشعال النار في قمم التلال والجبال عشية نوروز هو لإعلام العالم بخبر النصر والتحرر الذي حققهما شعب كوردستان، مُعلنةً هزيمة الظلام وانبثاق فجر الحرية؛ لذلك يحرص الكورد على إشعال النار بُعيد غياب شمس يوم 20 آذار/مارس.

عيد نوروز
صورة متداولة تظهر مئات الكورد وهم يصعدون الجبل لإشعال نيران ليلة عيد نوروز

¶ أساطير حول عيد نوروز

هناك العديد من الحكايات والأقوال والأساطير التي تحدثت عن نوروز، أحدها يقول إنَّ نوروز هو يوم هبوط النبي آدم عليه السلام على سطح الأرض، وأخرى تقول إنَّ نار نوروز هي استحضار للنار التي أراد الكفار إحراق سيدنا ابراهيم بها، ولأن النار لم تحرقه لذا أعطى الناس أهمية وقيمة للنار.

عيد نوروز

ومن الأساطير الأخرى التي تتحدث عن عيد نوروز، أنه كان هناك ملك فارسي اسمه جمشيد، له سلطان واسع على الجن والإنس، ونقل إلى كافة ممالك حكمه على سرير ذهبي في يوم حلول الشمس في برج الحمل، لذلك تمّ تقديس ذلك اليوم.

وثمّة رواية فارسية أخرى تقول إنَّ الملك الفارسي جمشيد، الذي كان يُدعى باسم (جم)، كان يسير في العالم فوصل إلى أذربيجان وأمر بنصب عرش له، وعندما جلس عليه أشرقت الشمس وسطع نورها على تاجه وعرشه، فابتهج الناس وقالوا: “إنّه يومٌ جديد”.

ولعلَّ الأسطورة الأبرز هي أسطورة كاوا الحداد، التي يعرفها الكورد جميعاً صغاراً وكباراً، ويتحدثون عنها قبل أيّام العيد ويروونها لأطفالهم قبل أن يناموا.

وكاوا الحداد هو البطل الكوردي الأسطوري الذي أنهى ظلماً تعرَّض له الكورد على يد ملك فارسي يُدعى “أزديهاك”، وتقول الأسطورة إنَّ أزديهاك كان يأكل أدمغة الأطفال الكورد بسبب مرضٍ أصابه، فقدم له الحداد دماغ خروف بدلاً من دماغ ابنته، ما تسبَّب له بلعنة أنبتت أفاعي في كتفيه، وسار باقي الكورد على نهجه وقدَّموا أدمغة خراف بدلاً من أدمغة أبنائهم الذين هرَّبوهم إلى كاوا في الجبال.

ومع مرور سنوات طويلة شكَّل كاوا جيشاً جرَّاراً من الأطفال، تمكَّن من القضاء على الملك الظالم، وأوصل رسالة النصر عبر البلاد عن طريق إشعال النيران على رؤوس الجبال، ولهذا يقومون بإشعال النيران في كل مكان عشية الاحتفال بعيد نوروز.

¶ الزي الكوردي

الزي الكوردي هو هوية عكستها طبيعة الجبال والتلال، التي لا بدَّ أن يكون لها ملابسها المختلفة والمستوحاة منها، وهذا ما نراه في زي الرجال والنساء الكورد، وظلَّ طوال القرون والعقود السالفة ثابتاً من حيث التصميم والألوان رغم التطور الكبير الذي حصل بمحيطه، ولابدَّ لكل امرأة ورجل أن يمتلك ولو زياً كوردياً واحداً لأنه يرتبط بالمناسبات وخاصةً القومية منها كـ عيد نوروز.

عيد نوروز
صورة متداولة تظهر مجموعة من الأطفال الكورد وهم يرتدون الزي الكوردي القومي

ويمكن تقسيم الزي الذي يلبسه الرجل الكوردي إلى نوعين: الأول ويطلق عليه “بشم وبركيز” وهو منتشر بشكل واسع بين الكورد في كل من تركيا وسوريا وأجزاء من العراق، ويتألف من قطعتين من اللون ذاته، الجاكيت والسروال، ويكونان فضفاضين.

عيد نوروز
صورة متداولة تظهر مجموعة من الرجال الكورد بالزي الكوردي القومي

في حين يتميز زي المرأة الكوردية بألوانها الصارخة والزاهية، والتي تتألف في هيئتها الاعتيادية من دشداشة طويلة تغطي في الغالب أخمص القدمين، وذات كمين طويلين يرتبطان بذيلين مخروطيين طويلين أيضاً يسميان في اللغة الكوردية بـ”فقيانة”، مع وضع اكسسورات ولا سيّما على منطقة الخصر يسمى “كمبر”.

عيد نوروز
صورة متداولة تظهر مجموعة من النساء الكورد وهم يرتدون الزي الكوردي التقليدي

¶ كيف يحتفل كورد إقليم كوردستان (Başûrê Kurdistanê) بالعيد؟

يقول الباحث التاريخي الكوردي، مهدي كاكەيي، ( أحد مواطني إقليم كوردستان العراق) لوكالة ستيب الإخبارية: “مع إطلالة فصل الربيع، تبدأ التحضيرات بشكل كبير في إقليم كوردستان لاستقبال عيد نوروز ورأس السنة الكوردية الجديدة. تنشغل الأسواق بصورة عامّة بهذه المناسبة، إذ تزدهر حركتها حيث تعجّ المتاجر المتخصصة ببيع الأقمشة بالزبائن على مدار الساعة في هذه الفترة من السنة”.

عيد نوروز
صورة للكاتب والباحث التاريخي الكوردي مهدي كاکەيي

يستثمر الكورد عيد نوروز عبر الاهتمام بالزيّ الكوردي التقليدي، وبالأخصّ عند النساء اللواتي يستعدنّ له قبل حلوله بِأشهر.

كما يستقبل الكورد عيد نوروز بتنظيف منازلهم، وشراء أثاث جديد، وإصلاح وتنظيف الأجهزة وسائر لوازم المنزل، وذلك إيماناً منهم بأن يجلب البركة إلى منازلهم، ويجلب السعادة لهم في العام الجديد.

إذا فَقَدَت إحدى الأُسر خلال العام المنصرم أحداً من أفرادها، تبقى هذه الأسرة في البيت ويزورها الأقارب والجيران والأصدقاء والمعارف لِتقديم العزاء مجدداً. ومن الطقوس أيضاً يتمّ صبغ بيض الدجاج بألوان زاهية جميلة لأنهم يعتقدون أن البيضة تُشبه الكرة الأرضية وبِصبغها يأملون أن تكون أرضهم خصبة، بحسب كاكەيي.

عيد نوروز

في يوم الحادي والعشرين ومنذ الصباح يتغلغل القرويون عبر الأزقة والشوارع إلى أماكن التجمع والاحتفال بجانب الأنهار والسواقي وعلى سفوح التلال، حاملين طعام النهار وما طاب من أكل وشراب وكلام، أما في المدن الكبيرة فقد اتخذت الناس أمكنة محددة يجتمعون فيها بعشرات بل بمئات الألوف حيث العروض الممتعة من الرقص والأغاني والأناشيد الكوردية الشجية والدبكة ذات الحركات المتناسقة ويدوم ذلك حتى مغيب شمس العيد.

يسود اعتقاد لدى الكورد منذ آلاف السنين بأن أرواح أقاربهم وأحبائهم الموتى، تزورهم في أيام نوروز المباركة، لذا يحرصون على تزيين مائدة نوروز بكل ما لذّ وطاب مكونة من سبع أنواع من المأكولات التي تبدأ أسماؤها بحرف السين ليسعدوا الأرواح الزائرة، وتسمى بـ”هَفت سين” أي (حروف السين السبعة)، مثل التفاح (سێو)، والخضراوات (سَوْزه)، والثوم (سير)، والخلّ (سِركه)، والسُمّاق (سُماق) و(سمنو) وهي حلوى كوردية تقليدية. كما تعدّ لهذه المناسبة وجبات طعام تقليدية شهية، مثل الدولمة، برياني، تكة وكباب.

عيد نوروز

¶ الفرق بين ماضي وحاضر نوروز كورد إقليم كوردستان

قبل اتفاقية 21 آذار، التي أبرمتها قيادة الثورة الكوردستانية مع الحكومة العراقية في 11 آذار 1970 م، كانت عطلة نوروز يوم واحد، وكانت تلك العطلة تُسمّيها الحكومة العراقية بـ”عيد الشجرة”؛ وذلك للعمل على إفراغ الذاكرة الكوردية من العيد القومي الكوردي ودلالاته التحررية.

في تلك الفترة كانت احتفالات نوروز غير رسمية. بعد الاتفاقية المذكورة تمّ تصحيح اسم العيد إلى عيد نوروز، إلا أن العطلة بقيت ليوم واحد فقط، ولكن بعد الانتفاضة الكوردستانية واستلام الكورد الحُكم في إقليم كوردستان، أصبحت الاحتفالات بهذا العيد تمتد لثلاثة أيام التي تكون عطلة رسمية وتُقام احتفالات رسمية وشعبية كبرى في مختلف مناطق الإقليم.

¶ كيف يحتفل كورد سوريا (Rojavayê Kurdistanê) بعيد نوروز؟

يحتفل كورد سوريا بعيد نوروز، من خلال إشعال النيران عشية العيد فوق التلال أو تكوين تل من إطار السيارات وإشعالها، وعقد حلقات دبكة حولها على أنغام الأغاني القومية الكوردية الخاصة بهذا العيد مرتدين زيهم التقليدي المشهور، ويقتصر العيد لديهم على يومٍ واحدٍ فقط يجتمع الناس في مناطق ذات طبيعة خضراء، غالباً ما تتولى الأحزاب الكوردية السورية مهمة تدريب فرق على رقصات فلكلورية وأغاني قومية، بالإضافة إلى إقامة مسرحيات تعبر عن حياة الكورد في سوريا، بعضها تراجيدية تنقل معاناتهم في ظل النظام البعثي وبعضها ساخرة وكوميدية.

عيد نوروز

يقول المؤرخ الكوردي السوري، بهجت أحمد، لوكالة “ستيب الإخبارية” إنَّ: “الكورد في المناطق ذات الغالبية الكوردية كانوا يخرجون إلى الطبيعة بزييهم القومي، حيث كانت الفرق الفلكلورية تقدم عروضاً خاصة بالعيد، أما مدن الداخل السوري التي يتواجد فيها الكورد ولا سيّما دمشق وحلب كانت الضغوطات أكبر وهامش الحرية المسموح به أقل، حيث اقتصرت على العروض الفلكلورية ولا سيّما في مناطق حي تشرين وزورآفا وركن الدين وضاحية الأسد في دمشق العاصمة، والأشرفية والشيخ مقصود في حلب، وكان الأمن السوري ينتشر على مداخل هذه الأحياء عيشة الاحتفال، ويتمّ في الكثير من الأحيان حالات الاعتقال والتضييق على المواطنين الكورد”.

عيد نوروز
صورة للمؤرح والباحث الكوردي السوري بهجت أحمد

ويتابع: “بعد اندلاع الثورة السورية 2011، احتفل الإعلام السوري من على قناه الدنيا بعيد النوروز تحت مُسمى عيد الربيع، أما في المدن الكوردية التي تحررت من القبضة الأمنية مع اندلاع الثورة، أصبحت الاحتفالات تأخذ طابعاً جماهيرياً حتى في قلب المدن الكوردية”.

عيد نوروز

¶ عيد الأم السوري مع نوروز الكوردي

كان العيد ممنوعاً في سوريا حتى عام 1988، يقول المؤرخ الكوردي بهجت أحمد: “حرصت الأنظمة المتعاقبة في حكم سوريا على طمس هوية الشعب الكوردي وكان التضييق في أوجه مع تسلم حزب البعث السلطة، حيث اقتصر الاحتفال بعيد نوروز في القرى النائية خوفاً من بطش الأجهزة الأمنية، ولكن في عام 1986 بعد استشهاد الشاب، سليمان محمد أمين آدي، برصاص الحرس الجمهوري أثناء توجهه مع عدد من الشبّان الكورد إلى القصر الجمهوري للاحتجاج بعد منعهم من الاحتفال بالعيد، أصدر الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، المرسوم رقم (104) اعتبر فيه يوم 21 آذار عطلة رسمية تحت مُسمى (عيد الأم)، علماً أن سوريا كانت تحتفل بعيد الأم يوم 13 أيار من كل عام”.

عيد نوروز
صورة متداولة للشاب الكوردي سليمان محمد أمين آدي الذي قُتِلَ على يد النظام السوري سنة 1986
عيد نوروز
طابع الاحتفال بعيد الأم في سوريا في يوم 13 أيار وتمّ تغييره لـ21 آذار

ويُضيف: “ورغم ذلك استمرت الأجهزة الأمنية بمضايقة الكورد، ففي عام 2008 قتلت تلك الأجهزة ثلاثة شبّان في مدينة القامشلي عشية نوروز، وعادت وأطلقت النار في عام 2010 على المحتفلين بعيد نوروز في الرقة، ما نجم عنه حينذاك قتلى وجرحى واعتقالات وتهم عدّة طالت عدد من القيادات والأفراد الكورد”.

عيد نوروز
صورة متداولة للمظاهرة الاحتجاجية التي قام بها شبّان كورد عام 1986 أمام القصر الجمهوري بدمشق
¶ كيف يحتفل كورد تركيا (bakurê kurdistanê) بعيد نوروز؟

يقول الفنان الكوردي الشهير، برادر لوكالة ستيب الإخبارية: “كما أتذكر حتى في التسعينيات كان عيد نوروز ممنوعاً في شمال كوردستان (يقصد بها المناطق ذات الغالبية الكوردية بتركيا). في الثمانينات لو تمكنا من إشعال النيران خلسةً على أحد الجبال كان يُعتبر ذلك نجاحاً بالنسبة لنا”.

عيد نوروز
صورة للفنان الكوردي الشهير برادر

ويُضيف: “في مدينة ميردين كنا نقوم قبل ثلاثة أيام من العيد بجمع إطار السيارات وأخذها إلى قمة أحد الجبال وإشعالها ليلة عيد نوروز، كما كنا ندبك ونرقص حول النار، ونقول ليرى السيد جكرخوين (شاعر كوردي مشهور) النار ويفرح. وفي بعض الأحيان كانت السلطات تسمع بما قمنا به ما يجبرنا على الفرار من المكان”.

عيد نوروز

ويتابع: “بعد عام 2000 لم يعد الاحتفال بعيد نوروز ممنوعاً في الشمال. في الساحات الكبيرة كان يتم الاحتفال بعيد نوروز بشكل كبير، ويشارك فيه عشرات الفنانين وآلاف المواطنين الكورد”.

وحول مدى تأثير الثقافة التركية بعيد نوروز، أكّد برادر: “ثقافة نوروز أكبر من ثقافة تركيا، لذلك لا يوجد تأثير للترك على نوروز”.

¶ كيف يحتفل كورد إيران (Rojhilatê Kurdistanê) بعيد نوروز؟

بين كورد إيران، لا تزال طقوس النوروز تُقام بطريقة تقليدية وأصيلة، يقول الباحث والكاتب الكوردي الإيراني، عزيز نعمتي، لوكالة ستيب الإخبارية: “في مساء يوم الأربعاء الأخير من العام الفائت أو الأربعاء الأول من العام الجديد، يحتفل الناس بالعام الجديد بإشعال النيران. نعم هكذا كانت الطقوس حيث كان الناس في القرى والمدن يخرجون إلى خارج قراهم ومدنهم ليشعلوا النيران في الجبال والتلال”.

أما في الوقت الحاضر يشعل الناس النيران أمام بيوتهم، حيث يقفز الشباب والبنات فوق النار، في اعتقادٍ سائد بينهم هو أنهم بفعل ذلك يخرجون العلل والأمراض الروحية والجسدية من أجسادهم، وبأن العطش ولون النار الأحمر سوف يقوي ويشفي أرواحهم وأجسادهم في العام الجديد، بحسب نعمتي.

عيد نوروز
صورة تظهر شاباً كوردياً وهو يقفز فوق النار لأداء طقوس عيد نوروز

وفي اليوم الأول من تغيير السنة وقدوم نوروز، توضع سفرة في كل بيت وترتب على المائدة الأشياء الآتية: 1- القرآن 2- مرآة 3- بعض الشموع (ترمز إلى النور) 4- بعض الأطعمة مثل الثوم وزبيب وسمسم وبعض الأشياء الأخرى. كانوا يعتقدون أن وضع هذه الأطعمة على المائدة تحميهم من الأمراض 5- الخضار التي كانت تُعد قبل أيام قليلة من نوروز 6- وتوضع في الوقت الحالي سمكة في وعاء من الماء على الطاولة أيضاً.

636887559486076559

¶ طقوس نوروز كورد إيران الغريبة

يُقال إنَّ فلسفة الطقوس تعود إلى الديانة الزرادشتية، أي في يوم الأربعاء الأخير من العام القديم يتلو الناس أرواح موتاهم بإشعال النار، والتي تُسمى أو يُشار إليها في الأفستا باسم (Firoher / fer hower). ذلك الأربعاء معروف بين كورد إيران باسم (Kulekçarşemî)، وفقاً لنعمتي.

ولعلَّ من أغرب طقوس نوروز بين كورد إيران، هو أن الشاب الذي يملك حبيبة أو خطيبة، فإن حبيبته أو خطيبته تربط خصرها بحزام أو حبل، وتقول له “تعال أنا لك، خذني لنفسك”.

ومن الطقوس أيضاً، يزرع الكورد قبل أيام قليلة من نوروز القمح في وعاء، وعندما يأتي نوروز ينمو القمح متحولاً إلى نبتة خضراء اللون ويبقى في الوعاء حتى اليوم الثالث عشر بعد نوروز. في اليوم الثالث عشر بالتحديد يذهب الناس إلى البراري والجبال ويأخذون القمح الأخضر معهم ويسلمونه للطبيعة، وبعد ذلك يخرج الناس من القرى والبلدات لطرد الأرواح الشريرة وسيئات العام الفائت من أجسادهم.

يُشير نعمتي إلى أن الناس قبل عيد نوروز كانوا ينظفون منازلهم ولا زالت هذه الطقوس مستمرة حتى الآن، وخلال العيد كانت طقوس التنكر “Kose” سارية، وحتى الآن لا تزال تمارس في بعض مدن سوران.

في طقوس التنكر والمزاح كان يقوم شخص بارتداء قناع ويذهب بين الناس بطريقة متنكرة ساخرة، وكان يخبرهم بطريقةٍ مازحة عن عدد الأفعال السيئة التي قاموا بها في العام الماضي ويطلب منهم ألا يعيدوا تلك الأفعال.

كما أن هناك طقوس تُسمى “أمير نوروز”، وكان ينتشر بين كورد السوران بشكل أكبر من باقي المناطق، وفقًا لهذه الصورة كان أهالي كل منطقة أو قرية يختارون حاكمًا خلال فترة عيد نوروز، وكان الأمير يشكل حكومته ويختار وزيرين: الأيسر الذي ارتكب أعمالًا سيئة، والأيمن الذي ارتكب أعمالًا جيدة، وكان في الحكومة رئيس الخفر يقوم بمكافئة أولئك الذين فعلوا الحسنات في العام الماضي ومن فعل السيئات يتمّ معاقبتهم.

¶ كيف انتشر عيد نوروز عبر القارات؟

يقول الباحث التاريخي، مهدي كاكەيي، إنَّ جذور عيد نوروز ممتدة في عُمق التاريخ، حيث كان أسلاف الكورد الگوتيون والسومريون، الإيلاميون، الميتانيون، الكاشيون، اللولوبيون، الميديون، الساسانيون وغيرهم، يحتفلون بِزوال الشتاء البارد المظلِم وقدوم فصل الربيع الدافئ والممتلئ بالحياة.

ويُضيف “هكذا تواصل الاحتفاء بِقدوم الربيع، حيث المناخ المعتدل والشمس المشرقة والطبيعة الخضراء وموسم البِذار والزرع والخير في منطقة غربي آسيا، التي تفاعل سكانها مع البعض وتوحدّت عقائدهم وأساطيرهم وثقافاتهم وطقوسهم ومناسباتهم وأعيادهم من خلال صلة الجوار والحروب والاحتلال و الهجرات. على سبيل المثال كانت الإمبراطورية الميدية والساسانية تحكمان معظم منطقة غربي آسيا وبذلك توحدت أعيادهم وثقافاتهم”.

هكذا انتشر عيد نوروز في منطقة غربي آسيا إلى بلدان العالم في الوقت الحاضر من خلال الثورة المعلوماتية والتكنولوجية التي أحدثها الإنسان المعاصر وهجرة الملايين من الكورد والفُرس وغيرهم إلى مختلف بقاع العالم، فنقلوا معهم عيد نوروز إلى الدول التي هاجروا إليها واستقروا فيها، حتى أن احتفالات عيد نوروز وصلت إلى القارة الأفريقية، مثل مصر وتنزانيا بالإضافة إلى الدول الأوروبية ودول أمريكا الشمالية وأستراليا وغيرها من دول العالم.

¶ الشعوب التي تحتفل بعيد نوروز (أو عيد الربيع) عدا الكورد

∆ إيران

تعطل المؤسسات الحكومية بعيد نوروز، وتحمل احتفالات هذا العيد في إيران بعد تسلم السلطة من قِبل رجال الدين الشيعة، طابعاً دينياً إسلامياً يتمثل في الدعاء (يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن حال)؛ كما يتمثل في وضع نسخة من القرآن في صدر سفرة تُسمى (هَفت سين) أي (السينات السبع ذكرنا مكوناتها في الفقرة السابقة). 

∆ لبنان

أخذ عيد نوروز في لبنان خلال السنوات الأخيرة رواجاً واسعاً، حيث يهتم كورد لبنان بهذه الاحتفالات اهتماماً كبيراً، ويعتبرون هذا العيد عيداً وطنياً عظيماً للشعب الكوردي، فيشعلون نيران نوروز ويقيمون الاحتفالات والدبكات الكوردية والأغاني.

∆ أفغانستان

لنوروز مكانة خاصة عند جميع الأفغان في منطقتي (بلخ) و(مزار شريف) على وجه التحديد. يحتفلون به بنفس العظمة والجلال الذي كانوا يحتفلون به في الماضي، ومع حلول الأيام الأولى للسنة الجديدة تُغطى أسطح المباني والأبواب والنوافذ في سهول بلخ بالزهور الحمراء، ويستقبلونه بتنظيف البيوت كما يقيمون سباقات مثل ترويض الماعز والإبل وركوب الجِمال، وينظمون مسابقات للمصارعة المحلية التي يمارسها الأهالي في تلك المنطقة.

∆ جمهورية آذربيجان

في عهد الاتحاد السوفيتي السابق كان الاحتفال بِعيد نوروز محفوفاً بالمخاطر، لذلك كان الأذريون يحيون هذا العيد آنذاك في إطار الأسرة داخل بيوتهم، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق واستقلال جمهورية أذربيجان في عام 1991، خرجت احتفالات نوروز من البيوت ومن التجمعات الصغيرة إلى الشوارع وأصبح الاحتفال بعيد نوروز رسمياً.

يبدأ الأذريون استعداداتهم لاستقبال العيد قبل بضعة أسابيع من موعد حلوله، ويمارسون العيد من الألعاب الرياضية كطقوس خلالها. من الأطعمة التي يضعها الأذريون على المائدة هي سمنو (نوع من الحلويات التي تحضر من الحنطة الخضراء)، وهناك اعتقاد سائد هو أنه إذا أكلت المرأة التي لا تنجب من هذه الحلوة يوم نوروز، سترزق بِولد.

∆ طاجيكستان

يُعرَف (نوروز) في طاجيكستان باسم “خيديرايام”. من التقاليد الخاصة بهذا العيد تنظيف البيت قبل أيام من حلوله؛ ويستقبلون صباح أول أيام العيد بوجبة فطور تشتمل على أنواع الحلويات، وذلك أملاً في أن يتمتعوا بعمر مليء بالحلاوة والفرح حتى آخره.

من طقوس نوروز في طاجيكستان هو إجراء مباراة “بزكشي”، حيث توضع عنزة وسط ساحة ويجتمع حولها الناس فيتم تقديم الهدايا لِمن يدور حول العنزة دون توقف، وتعد هذه المباراة تراث عظيم ورمز الشجاعة والبسالة.

∆ تركمانستان

عيد نوروز في تركمانستان هو احتفال المزارعين، حيث يقيمون احتفالات كبيرة بمناسبة حلول هذا العيد. كان أجداد الشعب التركمانستاني يعتبرون عيد نوزوز رمز الحياة الجديدة والبركة واليُمن والرحمة والسعادة والرفاهية ولذة العيش.

∆ أوزبكستان

كانت السلطات السوفيتية في الماضي تمنع الاحتفال بهذا العيد بذريعة كونه من الأعياد الدينية، لذلك كان الناس يتوجهون بعيداً عن مراكز المدن من أجل ممارسة طقوس هذا العيد، بعيداً عن أنظار السلطات الأمنية السوفيتية، نتيجةً لذلك أطلقت تسمية نوروز على المناطق النائية التي كان يقصدها المواطنون الأوزبكيين في العيد مثل (نوروز بولاق) و(نوروز ساي) و(نوروز تبه) وغيرها من المناطق.

بعد استقلال أوزبكستان، في شهر آذار عام 1989، تم إعلان يوم نوروز يوم احتفال وطني وتقرر أن يكون عطلة رسمية.

∆ باكستان

الباكستانيون يستقبلون عيد نوروز بتنظيف منازلهم، وارتداء الملابس الجديدة، والتزاور فيما بينهم، بين الأقارب والأصدقاء والمعارف، ويعملون على إصلاح ذات البين بين المتخاصمين ومصالحتهم ويسعون إلى إدخال السرور والفرح في نفوس الآخرين ابتهاجاً بالعيد.

∆ جمهورية قرغيزستان

يعتبر عيد نوروز من الأعياد المقدسة لدى القرغيزيين حيث يقيمون مراسم العيد والاحتفال بكل أبّهة وجلال يفوق باقي احتفالاتهم الوطنية والدينية.

∆ كازاخستان

يعتبر الكازاخستانيون نوروز عيداً للاعتدال الربيعي فمن معتقداتهم التي يؤمنون بها أن الكواكب تصل إلى النقطة التي بدأت منها وتتجدد في كل مكان؛ كما يؤمنون بأن نوروز هو اليوم الذي تذوب فيه (الصخور الزرقاء) بمدينة (سمرقند).

في ليلة نوروز تقوم كل عائلة بإضاءة شمعتين على سطح بيتها، وفي يوم العيد يقوم الشاب الكازاخستاني بتسريج فَرَس جامحة وتعليق دُمية من صنع يده مع جرس في عنقها وتحريرها في البرية عند الساعة الثالثة صباحاً، حيث يقوم بإيقاظ الناس بهذه الطريقة. ترمز الدُمية إلى العام الجديد الذي يعلن عن قدومه مرتطياً الفرس.

∆ مصر

نوروز هو من أشهر أعياد المصريين، وتمّ اقتباس هذا العيد من بلاد آريانا القديمة وسُمّي (نوروز القبطي). يُقام هذا العيد بنفس الاسم والسنن والتقاليد في مصر.

∆ ألبانيا

يُقام في ألبانيا سنوياً مهرجان يُسمى “سلطان نيروز” وهو احتفال وطني رائع ومهيب.

∆ زنجبار (تنزانيا)

يحتفل الزنجباريون أيضاً بِعيد نوروز ويرجع سبب ذلك إلى هجرة أعداد كبيرة من أهالي شيراز في القرون الماضية إلى زنجبار الواقعة على الساحل الشرقي للقارة الأفريقية، والذين نقلوا معهم ونشروا تقاليد ومراسيم عيد نوروز في تلك المنطقة. يُطلق على عيد نوروز في زنجبار اسم (نوروزي) وهو لا يزال يعد من المناسبات التي يحتفل بها أهالي زنجبار.

إعداد: سامية لاوند

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى