مقال رأي

ما هو الفخ الذي نصبته واشنطن لموسكو وطهران في أفغانستان؟

ما هو الفخ الذي نصبته واشنطن لموسكو وطهران في أفغانستان؟

التمهيد للانسحاب

قبل عشر سنوات، أعلن الرئيس الأسبق باراك أوباما وتحديداً في2011، عن نيّة واشنطن في الانسحاب من أفغانستان، قائلاً إنَّ “طالبان لم تكن العدو” ..! وباشر بايدن بخطة الانسحاب بشكل كامل تنفيذاً للخطة التي وضعها سلفه دونالد ترامب، وتم ذلك من خلال محادثات جرت في الدوحة بين الحكومة الأفغانية وطالبان، خلال السنتين الأخيرتين، وبإشرافٍ أمريكي وبعيداً عن الأضواء.

أفغانستان
ما هو الفخ الذي نصبته واشنطن لموسكو وطهران في أفغانستان!؟

وجاء التدخل العسكري الأمريكي في هذا البلد بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ويبدو أن واشنطن ارتكبت خطأً جسيماً لأنها فشلت وعلى مرأى ومسمع العالم في محاولاتها “لإعادة بناء دمقرطة أفغانستان ومن بعدها العراق، بالإضافة إلى بناء البنية التحتية لهذا البلد.

ففي العام 2010، أجريت العديد من الدراسات لكيفية إعادة بناء أفغَانستان، وقدرت الإدارة الموارد المعدنية في واشنطن حينها بقيمة 908 مليار دولار، بينما كانت تقديرات الحكومة الأفغانية 3 تريليون دولار، وفق ما ذكرت شبكة “nbcnews” في احد تقاريرها الإخبارية، في حين كشف المسح الجوي أن أفغَانستان تمتلك 60 مليون طن من النحاس و 2.2 مليار طن من خام الحديد، و 1.4 مليون طن من العناصر الأرضية النادرة مثل اللانثانم والسيزيوم، النيوديميوم، الألومنيوم، الذهب، الفضة، الزنك، الزئبق والليثيوم ورغم ذلك لم يتم استثمار هذه الموارد لصالح الشعب الأفغاني و أدارت كل من واشنطن ولندن ظهرهما لهذا الشعب المتعطش للحرية وتركوهم يواجهون مصيرهم في حقبة دموية جديدة مع حكم طالبان، رغم أن هذه الحركة تحاول طمئنة الجميع من خلال شعارات وضمانات وهمية يقدمونها للأهالي للمناورة ريثما يتم تثبيت حكمهم على أفغانستان بشكل كامل، مع العلم أنهم يؤكدون بأن أفغانستان لن تكون ديمقراطية!؟.

هل انسحبت واشنطن بالفعل من أفغانستان؟

يبدو أن اعتقادي مخالف للجميع المراقبين الذين يعتقدون أن واشنطن غادرت كابول مهزومة، وهذا كلام غير منطقي وبعيد عن الواقع، فبعد 20 عاماً من التدخل العسكري في أفغانستان وصرف 180 مليار دولار، ومقتل 2300 جندي وجُرح أكثر من 20 ألفاً آخرين، إلى جانب مقتل أكثر من 450 بريطانياً والمئات من الجنسيات الأخرى، لن تسلم واشنطن هذا البلد ذو الموقع الاستراتيجي في جنوب شرق آسيا على طبق من ذهب إلى تنظيم (متطرف) مدعوم من (إسلام آباد) لنشر السواد والتطرف في ربوع الأرض وجرّ المنطقة نحو الفوضى الخلاقة، لكن الاعتقاد السائد هو أن نظام الحكم انتقل من حكومة علنية (شرعية) تابعة لها إلى سلطة أمنية تحت اسم (طالبان)، تمّت هندستها وبرمجتها على يد أجهزة استخباراتها بشكل دقيق ومتوازن والهدف هو لتحضير طبخة على نار هادئة لكل من طهران وموسكو داخل هذا المستنقع المحضر له بشكل مدروس وجيد.

تفاصيل الطبخة:

الأميركيّون ربّما نجحوا، إبّان الحرب بين “المجاهدين” وموسكو قبل 40 عاماً، في تحويل أفغانستان إلى “فيتنام الاتّحاد السوفياتيّ”، لكنّها قد تدفع مع عودة طالبان إلى الحكم، أثماناً تعادل الأثمان التي تقاضتها من جرّاء إطاحتهم بها، لإن هناك مخاوف من دخول ( إسلام آباد) على خط المواجهة، أمّا روسيا التي كانت تُفرحها مصاعب واشنطن في كابول خلال عشرون عاماً الماضية، فقد تأتيها من آسيا الوسطى لعنة أفغانيّة جديدة.

قبل انسحاب واشنطن مع حلفاءها من أفغانستان، قامت ببرمجة حركة طالبان وفق مصالحها بشكل جيد واتفقت معها على الخطوط العريضة حول كيفية إدارة هذا البلد ما بعد الانسحاب، فتغلغل طهران في الشرق الأوسط وخاصةً بعد الأحداث الأخيرة في جنوب لبنان كان بمثابة جرس إنذار لها، والهيمنة على القرار السياسي في بغداد كل ذلك وضع واشنطن في موقفٍ لا تحسد عليه، فدفعتها إلى إعادة ترتيب أوراقها من جديد في المنطقة فنقلت الكرة مع طهران إلى الملعب الأفغاني وستكون حركة الطالبان هي كبش الفداء.

بينما موسكو هي الأخرى، طوقت تركيا وأوروبا (دول الناتو) بحزامٍ ناري من خلال صواريخها بعيدة المدى، فبدأت تتجاوز الخطوط الحمر وخاصةً على حدود أوكرانيا وداخل ليبيا وسوريا، ولهذا السبب كان اللجوء إلى حركة طالبان لإعادة تجربة “الاتحاد السوفيتي” مع بوتين أمر لا مفر منه، أما بكين فهي وفي ظل صمت أوروبي، بدأت تهدد واشنطن في كل بقعة من العالم فتمددها التكنولوجي في شرق آسيا والشرق الأوسط وضعت واشنطن في موقف ضعيف وخسرت الكثير من أوراقها وهيبتها في العالم لا سيما بعد رفع الكرت الأحمر في وجه واشنطن داخل مجلس الأمن، علاوةً على ذلك فقد فقدت ثقة شعوب المنطقة بسبب سياساتها الخاطئة في الشرق الأوسط ولاشك أن البلدان (تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان وروسيا والصين والهند وباكستان وإيران وأخيراً تركيا) ستتأثر بالأزمة الأفغانية، لأن الفراغ الجيوسياسي الذي تركته واشنطن في المنطقة ستدفعها نحو الفوضى الخلاقة لوضع حد للتمدد الروسي في المياه الدافئة والصيني في شرق آسيا والإيراني في الشرق الأوسط.

الخلاصة: واشنطن رتبت أوراقها مع حركة طالبان بشكل مدروس وجيد وسلمتهم البلد مع مواردها الطبيعية بشكل كامل مقابل ذلك أن تقوم هذه الحركة بإزعاج طهران وموسكو وإسلام آباد من خلال خطة متفق عليها مسبقاً، فحركة طالبان اليوم ليست حركة طالبان قبل عشرون عاماً، وقد حوّلتها واشنطن من خلال حنكتها السياسية إلى أفعى سامة سترمي على كل طرف يرفض أجندتها ويحاول اللعب بالتوازنات القائمة منذ الحرب العالمية الثانية.

بالمحصلة: أفغانستان ذاهبة نحو الفوضى الخلاقة وهذا لا محال، وتركيا ستجد نفسها أمام هجرة مليونية، وباكستان الحليف القوي لطالبان ستدعمها بمعلومات استخبارية ومعدات عسكرية متوسطة، أما طهران وموسكو فعليهما الانتظار على صفيح ساخن الكثير من المصاعب والتحديات والكوارث خلال الفترة المقبلة التي طُبخ لهما على نار هادئة في الدوحة.

بقلم الكاتب والسياسي: علي تمي 
المتحدث باسم تيار المستقبل الكردي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى