أثارت تسريبات وتصريحات إسرائيلية حديثة بشأن إيران قلقًا متزايدًا داخل الأوساط الأمنية والعسكرية في تل أبيب، وسط تحذيرات من أن سوء التقدير أو إرسال رسائل إعلامية غير دقيقة قد يدفع طهران إلى رد فعل غير محسوب، يفتح الباب أمام مواجهة جديدة لا يرغب بها الطرفان في الوقت الراهن.
وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن وتيرة الإحاطات الإعلامية والتسريبات المتعلقة بتصاعد التوتر مع إيران مرشحة للازدياد، بالتزامن مع اقتراب اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن لاحقًا هذا الشهر.
وبحسب مسؤولين أمنيين، فإن هذه التسريبات، التي غالبًا ما تُنسب إلى “مسؤول دبلوماسي رفيع” أو “مصادر استخباراتية غربية”، لا تقتصر على محاولة تحويل الأنظار عن ملفات داخلية ضاغطة، مثل لجنة التحقيق في هجمات السابع من أكتوبر وتأخر تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بل تحمل في طياتها خطر إشعال تصعيد فعلي مع إيران.
وحذر مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي من أن التعامل غير الدقيق مع الملف الإيراني قد يشكل الشرارة الأخطر لتجدد القتال، حتى في غياب نية حقيقية لدى إسرائيل أو إيران لبدء حرب شاملة.
وأشار هؤلاء إلى أن تقديرات التهديد لدى طهران باتت تعتمد بشكل متزايد على ما يُنشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، في ظل تراجع قدرة الاستخبارات الإيرانية على العمل داخل إسرائيل، بعد إحباط عشرات محاولات التجسس منذ اندلاع الحرب.
وفي هذا السياق، حذّر مسؤول أمني رفيع من أن “إعطاء انطباع بأن رياح الحرب تهب مجددًا قد يدفع إيران إلى التفكير بضربة استباقية”، معتبرًا أن الصمت في بعض الأحيان أقل خطورة من الإغراق الإعلامي بتسريبات غير دقيقة. وأشار إلى أن تحركات رُصدت داخل إيران من قبل استخبارات غربية قد تكون رد فعل مباشر على شائعات جرى تداولها عبر قنوات إسرائيلية.
وفي ظل غياب آلية دولية فاعلة أو ترتيبات دبلوماسية لكبح طهران، تقدّر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن إيران بدأت بإعادة بناء قدراتها الصاروخية فور انتهاء المواجهة الأخيرة، بالتوازي مع استمرار تدفق التمويل والخبرات إلى حلفائها في المنطقة، من اليمن إلى لبنان.
ويرى مسؤولون عسكريون إسرائيليون أن استمرار هذا المسار قد يقود في نهاية المطاف إلى جولة قتال جديدة، رغم تأكيدهم أن إيران لم تتجاوز بعد الخط الأحمر الذي يستدعي تحركًا عسكريًا فوريًا.
وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن طهران لا تمتلك حاليًا مصلحة استراتيجية مباشرة في الرد على إسرائيل، إذ تركز على تعزيز قدراتها العسكرية والاستخباراتية، واستخلاص الدروس من المواجهة السابقة، إلى جانب دعم حلفائها، وفي مقدمتهم حزب الله والحوثيون.
ومع ذلك، لا تلغي هذه التقديرات خطر سوء الفهم، الذي قد يدفع إيران إلى تنفيذ هجوم استباقي، ما قد يفتح الباب أمام دعم أمريكي متجدد لإسرائيل في حال تعرضها لهجوم واسع.
وفي ختام التقديرات، شدد ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي على ضرورة استخلاص العبر من المواجهة السابقة مع إيران، التي جاءت في نهاية حرب طويلة ومتعددة الجبهات منذ هجمات السابع من أكتوبر، مشيرين إلى استهلاك قدرات وتقنيات خاصة كانت مخصصة لمثل هذا السيناريو.
ومع تعدد الملفات المفتوحة، من غزة إلى الحدود الشمالية وصولًا إلى إيران، يُتوقع أن تتصدر هذه القضايا جدول أعمال محادثات نتنياهو وترامب، في وقت قد يجد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه مضطرًا لتقديم تنازلات في ساحة معينة، مقابل الحصول على دعم أمريكي لتحركات أكثر تشددًا في ساحة أخرى.