يتصدر ملف "حصر السلاح بيد الدولة"، في العراق، وهو التعبير الذي تم اصطلاحه حكومياً وسياسياً، للإشارة إلى قضية سلاح الفصائل العراقية المسلحة، ومسألة انتفاء الحاجة له، وضرورة سيطرة الدولة العراقية عليه.
غير أن أسئلة كثيرة ما زالت من دون إجابة مباشرة من المعنيين بموضوع السلاح، أو على الأقل من غير المفهوم كيف سيتم التعامل مع هذا السلاح.
في العراق يتوزع أكثر من 70 فصيلاً وجماعة مسلحة، تحمل عناوين وأسماء مختلفة، بقوام عسكري يبلغ أكثر من 215 ألف عنصر. وتمتلك هذه الفصائل العراقية مقرات ومعسكرات ثابتة ومستقلة. غير أنه في العام 2019، توقف منحها أرقاماً وتصنيفات ألوية عسكرية داخل "هيئة الحشد الشعبي"، إلا أنه من ناحية عملية، فإن كل فصيل مسلح قائم بذاته، وبوجوده وانتشاره، من دون أن يختلط بفصيل أو جماعة أخرى.
وأعلنت عدة فصائل عراقية، خلال اليومين الماضيين، أنها تؤيد خطوة تسليم سلاحها، ضمن مبدأ حصر القرار العسكري والأمني بيد الحكومة العراقية، في تطور لافت لخطاب تلك الفصائل العراقية لكن من دون أن تشرح أو توضح معنى حصر السلاح بيد الدولة. فقد صدرت عدة تعليقات لاحقة عن جماعات "أنصار الله الأوفياء" و"كتائب الإمام علي" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب سيد الشهداء"، اعتبرت فيها أن "الحشد الشعبي" مؤسسة حكومية رسمية، في تلميح إلى أن سلاحها، بحسب قرار الانفتاح على مبدأ حصر السلاح، سيكون داخل مؤسسة "الحشد" ولن يذهب بعيداً عنها. علماً أن فصائل أخرى عارضت هذه الخطوة من الأساس، أهمها "كتائب حزب الله" و"النجباء"، وهما من أبرز الفصائل الحليفة لإيران.
وتتركز بعض الأسئلة المطروحة حالياً، حول الفارق الهش بين بنية الفصائل العراقية المسلحة من جهة وألوية الحشد الشعبي من جهة ثانية، إذ لا يبدو أن هناك حداً فاصلاً بينهما كون الفصائل العراقية هي البنية الأساسية للحشد الشعبي الذي تمثل ألويته مجاميع الفصائل العراقية، عدا عن المديريات التي تقدم خدمات إعلامية وأخرى هندسية. كما تُثار الأسئلة حول نوعية الأسلحة التي ستُسلم للدولة، والجدول الزمني والضمانات في كون أن الأسلحة التي ستسلم للدولة هي كل أسلحة الفصائل، وهل تحتفظ بعض الفصائل ببعض الأسلحة؟ فضلاً عن جدية التزام الفصائل فعلاً في توجهاتها الأخيرة التي ظهر منها "دعم الدولة".
ومصطلح الفصائل المسلحة في العراق يقصد به عملياً التفريق بين "الحشد الشعبي"، الذي يضم نحو 70 تشكيلاً مسلحاً من جهة، وبين الجماعات التي تُقدّم نفسها باعتبارها "مقاومة إسلامية"، وأبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"الطفوف" و"البدلاء" و"الأوفياء" و"سيد الشهداء" و"الإمام علي" و"عصائب أهل الحق". لكن في الواقع تمتلك هذه الجماعات تحديداً وجوداً ونفوذاً داخل "الحشد الشعبي" نفسه، يُقدّره مراقبون عراقيون بأنه يشكل أكثر من 60% منه، وتسيطر على المناصب القيادية فيه.
في المقابل، فإن حضور فصائل عراقية مرتبطة بالعتبات الدينية في العراق، وتُعرف باسم "حشد العتبات"، إلى جانب وحدات مرتبطة بزعيم التيار الوطني (التيار الصدري سابقاً)، مقتدى الصدر، وأخرى بعشائر عربية سنية، تكاد تقوم جميعها بدور ثانوي أمام الفصائل الموالية لإيران.
وسبق أن أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، العمل على إدماج الفصائل العراقية المسلحة ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية، فيما أعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، خلال مقابلة صحافية في وقت سابق، عن أن بلاده بدأت حواراً مع الفصائل يهدف إلى إقناعها بالتخلي عن السلاح والاندماج بقوات الأمن النظامية. إلا أن الواقع لم يشهد أياً من تحركات الحكومة، بل ساءت العلاقة كثيراً بين السوداني و"كتائب حزب الله"، بعد اشتباكات مسلحة وقعت ببغداد، في يوليو/تموز الماضي.