بيتكوين: 114,619.51 الدولار/ليرة تركية: 40.99 الدولار/ليرة سورية: 12,887.05 الدولار/دينار جزائري: 129.91 الدولار/جنيه مصري: 48.49 الدولار/ريال سعودي: 3.75
قصص الأخبار
سوريا
سوريا
مصر
مصر
ليبيا
ليبيا
لبنان
لبنان
المغرب
المغرب
الكويت
الكويت
العراق
العراق
السودان
السودان
الاردن
الاردن
السعودية
السعودية
الامارات
الامارات
فلسطين
فلسطين
حوارات خاصة اخبار سوريا اقتصاد ومال

طباعة عملة سورية جديدة وحذف أصفار.. شروط لنجاح الخطوة وتحذير من "الشركة الروسية"

طباعة عملة سورية جديدة وحذف أصفار.. شروط لنجاح الخطوة وتحذير من "الشركة الروسية"

تعود قضية إعادة تقييم وطباعة عملة سورية جديدة إلى الواجهة مجدداً مع تزايد الحديث عن خطة حكومية لحذف صفرين من الليرة وإصدار أوراق نقدية جديدة، في محاولة لاحتواء التدهور التاريخي الذي ضرب قيمة العملة خلال سنوات الحرب والعقوبات. وترافق الإعلان عن هذه الخطوة مع جدل واسع حول الجهة التي ستتولى الطباعة، بعد حديث أن الشركة الروسية «Goznak» ستكون المزود الرئيسي، وهي ذاتها المتهمة بالتورط في ملفات فساد وطباعة عملة مزيفة لصالح شرق ليبيا قبل سنوات.

هذا التطور أثار أسئلة حساسة حول مستقبل الليرة، والتداعيات الاقتصادية والاجتماعية، ومدى إمكانية نجاح العملية في ظل تجربة سوريا المريرة مع انهيار القوة الشرائية وغياب الثقة بالسياسات النقدية.

عملة سورية جديدة.. دوافع وحسابات

بحسب مصادر نقلتها وكالة رويترز، تستعد الحكومة السورية لإطلاق الإصدار النقدي الجديد في 8 ديسمبر 2025، على أن تظل الأوراق القديمة قيد التداول حتى نهاية ديسمبر 2026. وستقوم الخطوة على حذف صفرين من العملة الحالية، بحيث يتحول مثلًا سعر صرف الدولار من نحو 11,000 ليرة إلى 110 ليرة جديدة، وهو إجراء تقني يُراد منه تقليص حجم الأرقام المتداولة وتسهيل العمليات المحاسبية.

ويعلّق الدكتور عماد الدين المصبح، الخبير الاقتصادي، خلال حديث مع وكالة ستيب نيوز، قائلاً: “حذف الأصفار خطوة صحيحة وصحية لكنها غير كافية لوحدها، ولا تحقق المعجزة الاقتصادية. النجاح مرهون بالاستقرار السياسي والاقتصادي الشامل، ودمج كامل الثروة الوطنية بالاقتصاد السوري.”

ويضيف: “حذف الأصفار ليس علاجًا للتضخم، وإنما إجراء تقني يساعد في تبسيط التعاملات وتنظيم السيولة، شريطة أن يتم بعد الوصول إلى استقرار نسبي في مؤشرات الاقتصاد الكلي.”

ويتابع: " حالياً هناك نوع من الاستقرار بسعر الصرف خلال الأشهر التسعة الماضية وانخفاض في أسعار بعض السلع، ما يعتبر خطوة إيجابية، لكن نجاح هذه العملية يحتاج إلى استمرار الاستقرار السياسي والاقتصادي".

البنك المركزي السوري: تأكيد وتردد

أوضح مصرف سوريا المركزي أن عملية طباعة الأوراق النقدية مستمرة بالفعل عبر عقد قائم مع روسيا، لكنه شدد على أن قرار إصدار العملة الجديدة لا يزال قيد الدراسة ولم يُعتمد رسمياً بعد.

وقال عبد القادر حصرية حاكم مصرف سوريا المركزي، خلال حديث لوسائل إعلام، إن الأمر قيد الدراسة ولم يؤكد اختيار الشركة الروسية بعد، مع الحديث عن شركات أخرى أيضاً مهتمة بهذا الملف.

وهذا التردد يعكس حجم الضغوط والجدل الدائر بين خيارات الطباعة، من روسيا إلى الإمارات وألمانيا، وهل هذا الملف مرتبط بملفات سياسية أم هو اقتصادي بحت.

Goznak الذراع الروسية المثيرة للجدل

الشركة الروسية Goznak، المملوكة للدولة، ليست مجرد مطبعة أوراق نقدية، بل تعد أحد أدوات موسكو الناعمة في النفوذ الاقتصادي والسياسي. فهي تتولى طباعة العملات لعدد من الدول المتحالفة مع روسيا، إلا أن سمعتها تلطخت بفعل ملفات فساد وتجارب مثيرة للجدل، أبرزها القضية الليبية.

في عام 2020، كشفت تقارير أمريكية وأوروبية عن قيام Goznak بطباعة ما يزيد على مليار دولار من الدينارات الليبية لصالح السلطات في شرق ليبيا، دون تنسيق مع المصرف المركزي المعترف به في طرابلس. واعتبرت واشنطن ذلك تزويراً للعملة، ما دفعها إلى فرض عقوبات على الشركة الروسية.

وأدت طباعة العملة الليبية في روسيا إلى إغراق السوق بأوراق غير مدعومة، ساهمت في تدهور قيمة الدينار، وزادت الانقسام المالي بين شرق وغرب ليبيا. كما ربطت تقارير عدة تلك الأموال بتمويل أنشطة عسكرية لشركة فاغنر الروسية.

وقد جرى اعتراض شحنة نقدية بقيمة 1.1 مليار دولار في مالطا عام 2020، واعتُبرت وقتها فضيحة دولية، إذ اتضح أنها مطبوعة بالكامل في موسكو لحساب حكومة غير معترف بها دولياً.

الرهانات الاقتصادية والاجتماعية

تأمل الحكومة السورية أن يسهم حذف الأصفار في استعادة شيء من الثقة بالعملة وتخفيف الضغط النفسي على المواطنين عند التعامل بمبالغ هائلة من الأوراق النقدية. لكن الواقع الاقتصادي المأزوم، وغياب الإنتاج، واستمرار العقوبات الغربية، تجعل من الصعب الحديث عن تحسن فعلي.

وهنا يوضح الدكتور المصبح: “سحب العملة بحد ذاته قد يسمح مؤقتًا بحصر حجم الكتلة النقدية وتنظيمها، لكنه لا يشكّل علاجًا جذريًا للتضخم أو سعر الصرف. الأثر قد يكون محدودًا وقصير المدى ما لم يترافق مع خطوات اقتصادية أعمق مثل تعزيز الإنتاج المحلي وتخفيف العجز المالي.”

ويضيف: "الأولوية اليوم لا تكمن في حذف الأصفار بل في إعادة بناء الثقة بالليرة السورية. هذه الثقة تُستعاد عبر تعزيز الإنتاج المحلي، وإصلاح النظام الضريبي، وضبط الاستيراد وتشجيع التصدير."

ويشدد على أنه من الضروري تعزيز الإنتاج المحلي في الزراعة والصناعة وقطاع الطاقة، وإصلاح النظام الضريبي بما يحد من التهرب ويضمن عدالة التحصيل، إلى جانب ضبط حركة الاستيراد وترشيدها بما يتناسب مع حاجة السوق وتشجيع التصدير لزيادة تدفق القطع الأجنبي.

كما يشير إلى أن إعادة دمج المناطق الغنية بالموارد مثل الجزيرة السورية في الدورة الاقتصادية الوطنية سيمنح الاقتصاد قوة إضافية.

خيارات بديلة غير محسومة

رغم أن الخيار الروسي هو الأبرز حالياً، إلا أن بحث دمشق عن بدائل مع الإمارات وألمانيا يكشف عن إدراك للمخاطر، فالتعاون مع شركات طباعة غربية أو خليجية قد يوفر مصداقية أكبر لدى الشارع والمجتمع الدولي، لكن ضغوط موسكو السياسية والعسكرية، وارتباط الاقتصاد السوري لسنوات بشكل وثيق بالدعم الروسي، قد تجعل من الصعب الابتعاد عن Goznak بشكل سريع.

وحول هذه المسألة يؤكد الدكتور المصبح أنها "مسألة تقنية وقانونية بحتة".

تجارب دولية في حذف الأصفار: نجاحات وإخفاقات

ليست سوريا الدولة الأولى التي تقدم على خطوة حذف الأصفار من عملتها. فقد شهدت تجارب عديدة في العالم مزيجاً من النجاحات والإخفاقات.

تركيا (2005): نجحت أنقرة في حذف ستة أصفار من عملتها، حيث تحولت "المليون ليرة" إلى "ليرة واحدة"، وجاءت الخطوة في ظل برنامج إصلاح اقتصادي شامل ودعم قوي من صندوق النقد الدولي. النتيجة كانت إيجابية وأعادت الثقة بالليرة التركية، إذ ترافقت مع استقرار سياسي نسبي ونمو اقتصادي حقيقي.

البرازيل (الثمانينيات والتسعينيات): حذفت برازيليا الأصفار أكثر من أربع مرات خلال عقدين لمواجهة التضخم الجامح. لكن العملية لم تؤد إلى استقرار فعلي إلا عندما جرى إطلاق خطة عام 1994، والتي ارتكزت على إصلاحات إنتاجية ومالية بالتوازي مع الإصدار النقدي الجديد.

زيمبابوي (2006–2009): تعد التجربة الأكثر سلبية، إذ حذفت الحكومة 25 صفراً خلال ثلاث مراحل، لكن التضخم المفرط (الذي بلغ تريليونات في المئة) قضى على أي جدوى، وانتهى الأمر بتخلي البلاد عن عملتها المحلية واعتماد الدولار الأمريكي والراند الجنوب إفريقي.

تُظهر هذه التجارب أن حذف الأصفار لا يحمل بحد ذاته حلاً سحرياً، بل يظل أداة تقنية مرتبطة بمدى جدية الإصلاحات الاقتصادية والقدرة على ضبط العجز المالي وتحفيز الإنتاج.

وبالعودة إلى الحالة السورية، فإن الخطوة قد تعطي أثراً نفسياً وإدارياً محدوداً، لكنها ستظل عاجزة عن إحداث تحول جذري ما لم تُقرن بسياسات شاملة لإعادة بناء الاقتصاد المحلي وتعزيز ثقة المواطنين بالعملة الوطنية.

هل تستطيع الحكومة بناء الثقة الاقتصادية؟

تطرح خطة حذف الأصفار وإصدار عملة جديدة في سوريا سؤالاً مركزياً: هل تستطيع دمشق إعادة بناء الثقة بالليرة عبر خطوات تقنية شكلية، أم أن الحل يكمن في إصلاحات اقتصادية عميقة تسبق أي عملية نقدية؟

الدكتور المصبح يلخص المشهد بقوله: “التحسن الاقتصادي في سوريا لن يكون سريعًا وجذريًا، وإنما تدريجي. المؤشرات الحالية من استقرار نسبي في سعر الصرف وهدوء التضخم تعطي بعض الأمل بانفراجة قريبة، لكن التعافي الحقيقي يحتاج سنوات، وهو مرهون بالملفات السياسية والأمنية وبإعادة تنشيط القطاعات الإنتاجية.”

وبين التردد الرسمي والاعتماد على شركة روسية مثيرة للجدل، يبدو أن الإصدار الجديد قد يحمل في طياته مخاطراً أكثر من المكاسب، خاصة إذا ما تكررت تجربة ليبيا، بينما إذا جرى اعتماد شركات أكثر ثقة ومصداقية فقد تكون أكثر أمناً وتطوراً وتتجاوز هذا الخطر، إلا أنه ومن دون معالجة جوهرية لعوامل التضخم والإنتاج والعقوبات، ستظل كل الأوراق النقدية الجديدة، مهما كانت أنيقة وحديثة، مجرد أوراق لا تعكس قيمة حقيقية.

 

المقال التالي المقال السابق
0