حورات خاصة

حوار خاص: تداعيات خطاب الكراهية ضد الإسلام في فرنسا وكيف ستستغله الجماعات المتطرفة

أثارت قضية مقتل أستاذ التاريخ الفرنسي، صامويل باتي، في 16 من الشهر الجاري، على يد تلميذه المسلم، وتصريحات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، و خطاب الكراهية ضد الإسلام على إثرها، موجات من الغضب في العالم الإسلامي، وحملات لمقاطعة البضائع الفرنسية رداً على الإجراءات المشددة ضد المسلمين في فرنسا.

خطاب الكراهية ضد الإسلام في أوروبا

على الرغم من أن الدين الإسلامي يعتبر من أكثر الأديان انتشاراً في أوروبا، إلا أن دولاً علمانية على رأسها فرنسا تحاول تخويف المجتمعات الأوربية من “التطرف الإسلامي”، وعادةً ما تحارب أي تقرّب أو إظهار للمعتقدات الإسلامية.

وكان ماكرون قد أثار الجدل مؤخراً بتصريحاته عن الدين الإسلامي، حين ذكر بأحد مؤتمراته بأن “الإسلام دين يعيش في أزمة”، ثم عاد ووصف جريمة قتل الأستاذ الفرنسي بأنها نتاج “الإرهاب الإسلامي”.

وللحديث عن تداعيات الاستفزازات الفرنسية للمسلمين، وإمكانية استغلالها من قبل جماعات متطرفة قد تسعى لكسب المزيد من الولاء وتوسيع القاعدة الجماهيرية في أوروبا، أجرت وكالة ستيب الإخبارية حديثاً مع الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، محمد البلقاسي، والذي فنّد لنا تداعيات الحديث الفرنسي ضد الإسلام وخطورته.

الجماعات المتطرفة ستستغل حديث الكراهية

ويقول “البلقاسي”: “كل جماعات العنف والإرهاب تنتظر أي حادث حتى تظهر على السطح ويكون لها ردود فعل لجذب أفراد جدد إلى تلك الجماعات، وهذا ما حدث في الحادث الأخير، فإن داعش أعلنت مسؤوليتها عن الحادث وباركته، وهذا يجعل الشباب المتحمس يقترب بصورة أو بأخرى بهذه الجماعات، ويجعل إقناع هذه الفئة بأن هذه الجماعات ليست هي الحل أو الطريق لنصرة الإسلام أو المسلمين أمر صعب على المصلحين، ويجعل المنتمين لهذه الجماعات حتى لو كان إنتماء عاطفي ليس تنظيمياً يزداد يوماً بعد يوم”.

ويضيف: “المسألة أن لكل فعل رد فعل، فرنسا من أكثر البلدان الأوروبية من حيث تواجد المسلمين، إلا أنها تعلنها صريحة أنها لا تقبل أي صورة من صور التميز الديني، حتى أنها أكثر دولة تضع المسلمين تحت المراقبة ففي 2017 أعلنت الاستخبارات الفرنسية أن هناك 18 ألف شخص مدرج على قوائم المراقبة”.

ويتابع: “مع زيادة انضمام أعداد من فرنسا لدى داعش وعودة البعض والمشاكل التي تزامنت مع هذه العودة، حيث أعلنت في أغسطس 2017 عودة 271 فرنسي من مناطق القتال في العراق وسوريا، زادت مع هذه العودة حدة التعامل، بين الدولة، وبين مجموعات الإسلاميين هناك، والمشكلة تكمن في الجمع بين المسلم الملتزم بدينه البعيد عن الإرهاب، والمسلم المنتمي لأحد جماعات العنف”.

فرنسا لا تفرق بين الإرهاب والإسلام

ويتساءل “في الاتجاه الآخر هل الدولة الفرنسية تتعامل بتفريق بين هذا وذاك، الإجابة لا بل تهاجم كل ما هو إسلامي، بل تهاجم نبي الإسلام، وكان على الرئيس الفرنسي تفويت الفرصة وإعلان رفضه لهذا الأمر من البداية”.

أما عن الخطاب واللهجة الفرنسية فيقول: “خطاب الرئيس الفرنسي أكثر تطرفاً من الجماعات المتطرفة، وهذا ليس جديد على فرنسا، ففرنسا هي من قتلت المسلمين في الجزائر، ولا زالت تحتفظ بجماجمهم في متحف الإنسان، وهي من قتلت المسلمين في مالي”.

ويضيف: “خطاب الرئيس الفرنسي إن دل يدل على أنه يريد أن يفرض أمور جديدة للحد من انتشار الإسلام في بلاده، وهذا بدأه في إبريل 2018 عندما بدأ في المحاور الجديدة لقانون مكافحة الإرهاب والتي كان من أهمها وضع إطارات قانونية جديدة لتأسيس الهيئات التمثيلية للمسلمين”.

الجماعات الجهادية تتربص

وحول أن الجماعات الجهادية ستستغل خطاب العداء ضد الإسلام لبناء قاعدة وجماهيرية لها في العديد من البلاد مستغلة الخطابات والشعارات الرنانة، يؤكد “البلقاسي” أنّها تبدأ ببناء قاعدة جديدة مع كل حادث، فإن هذه الحوادث هي الحافز والعامل الأول لتهييج العاطفة والتي يقابلها رد فعل ضعيف من الدول.

ويشير إلى أن صاحب هذه العاطفة لا يجد إلا الانضمام إلى هذه الجماعات، ويعتبر الإحباط والشعور بالدونية واضطهاد الإسلام والمسلمين هو بوابة الانضمام للجماعات الإرهابية، فهذه الجماعات تربط بين هذا الحادث وبين أنه لا مخرج من هذا الذل إلا بالجهاد والقتال، فيبدأ من يبحث عن نصرة للإسلام في الانضمام، أو على أقل تقدير استحسان ما تقوم به من أعمال، حسب وصفه.

الخطاب الإسلامي لم يرقى لمستوى الرد

ويلفت الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة إلى أن حملات الغضب الشعبية لا ترقي للمستوى المطلوب، وهذا له أسبابه أهمها أن غالب الدول العربية والإسلامية الآن عندها مشاكلها الخاصة التي تشغلها عن غيرها، كـ الاهتمام بتوفير الاحتياجات الأساسية، مع الحروب المنتشرة في العديد من الدول، مع خوف الأنظمة والشعوب أن تتحول هذه الفاعليات وأن يتغير اتجاهها من نصرة للنبي أو الاعتراض على فرنسا إلى أمور أخرى.

وحول المؤسسات الإسلامية وتشتتها بالرأي يقول: “المسلمين والمؤسسات الرئيسية بدأت من عشر سنوات تصفية الحسابات الشخصية بينهم وبين البعض، فلم تعد هناك مؤسسة متفق عليها لدى المسلمين”.

ويتابع: “كان أحد أهداف جماعات الإرهاب إسقاط هيبة هذه المؤسسات، وإسقاط هيبة علماء الدين، كما كان هدف للتيار العلماني من أعوام، إلا أن الإسلاميين أسقطوا رموز التيار الإسلامي بصورة لم يستطع العلمانيون فعلها، فأصبح الهدف الآن بين التيارات والمؤسسات الإسلامية هو إسقاط كل منهم للآخر، أكثر من السعي للاهتامام بقضايا المسلمين، ومن بقي من هذه المؤسسات والرموز، فتأثيره محدود لما طاله من تشويه”.

اقرأ أيضاً: بالفيديو || حملات ومظاهرات وإحراق علم فرنسا بعدة دول عربية تنديداً بالإساءة للنبي محمد

إجراءات فرنسية مبالغ فيها

وللمزيد من البحث في تداعيات الأمر الخطير الذي قد يقود لمواجهات وموجات عنف بين المسلمين وأحزاب متشددة من باقي الأديان في أوروبا، التقينا، علي بكر، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية.

ويقول “بكر”: “من الصعب القول إن فرنسا اتخذت موقفاً عدائياً ضد الإسلام بشكل عام، لكنها اتخذت عدد من الإجراءات التي تعتقد أنها في صالحها ويمكن أن تحد من خطر الإرهاب عليها، رغم أنها مبالغ فيها”.

التنظيمات المتطرفة تقتات على خطاب الكراهية ضد الإسلام

وأشار إلى أن التنظيمات المتطرفة ستستغل هذه الإجراءات في الحشد والتأييد والاستقطاب لخلق قاعدة لها، لا سيما أنها تقتات على مثل هذه الأمور، وتفسرها بأنها حرب ضد الإسلام والمسلمين، وحرب صليبية.

ويضيف: “هذا ما يمكن أن يكون له تداعيات خلال الفترة القادمة، قد تساهم في المزيد من الهجمات الإرهابية خلال الفترة القادمة، وتشجع ما يعرف باسم “الذئاب المنفردة”، وهو ما قد يكون له ارتدادات عكسية”.

مقتل أستاذ التاريخ الفرنسي

ويعتقد الباحث “علي بكر” أن مقتل أستاذ التاريخ الفرنسي كان نتيجة دوافع متطرفة، حيث يرى أنه كان من الممكن الرد عليه بطرق سلمية دون القبول باللجوء إلى القتل تحت أي ظرف كان.

ويلفت إلى أن الدول والمؤسسات الإسلامية كلٍ منها ترد على الحديث الفرنسي بالشكل الذي تراه مناسباً، مع الإجماع بينها على عدم قبول الإساءة للنبي أو للإسلام بأي شكلٍ كان.

ويؤكد “بكر” إلى أن الخطوات الفرنسية ستساهم في تصعيد خطاب الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، وهو ما سينعكس على أوضاع المسلمين في الدول الأوربية وليس في فرنسا، وما يخشاه الجميع هو حدوث ردات فعل مضادة قد تؤجج العنف.

وختم الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، محذراً بأن الجماعات المتطرفة ستستغل الموقف وستحاول كسب الجماعات الإسلامية في أوروبا، بحجة أن الإسلام في أوروبا يتعرض لحرب صليبية، وأنها ستحاول تعزيز تواجدها بين صفوف الشباب المسلم بأوروبا، منوهاً أن الأمر بحاجة للالتفاف والاصطفاف لوقوف بوجه هذه الجماعات سواءاً كانت إخوانية أو سلفية.

تجارب سابقة بالكراهية والعنف

يشار إلى أنه سبق لفرنسا ودول أوربية أخرى أن عاشت ذات التجربة بعد خطابات عدائية ضد الإسلام تسببت بموجات عنف وكراهية، حيث تعرض مبنى مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية عام 2015 لهجوم قتل فيه موظفون فيها، بعد نشرها لرسوم كاريكاتورية تسيء للنبي “محمد”، بينما كانت الدنمارك والسويد قد سمحت لأحزاب يمينية متطرفة بحرق نسخة من القرآن على الملأ وبحماية السلطات فيها، مما أثار موجات من الغضب الإسلامي عليها.

وعلى الرغم من إدانة الدول الإسلامية والعربية بشتى طوائفها للإساءة إلى الدين الإسلامي، إلا أن دولاً ومن بينها فرنسا لا تزال تتصوّر أن الإسلام دين عنف وقتل وإرهاب لا يخلف سوى جماعات متطرفة مثل “داعش والقاعدة” وغيرها، على الرغم من أن البلاد الإسلامية كانت من أكبر المتضررين من هذه الجماعات المتطرفة التي خلقتها ظروف الحرب التي قادتها تلك الدول الأوربية وغيرها.

اقرأ أيضاً : طالب “ينحر” معلمه في فرنسا بعد سخريته من النبي محمد بعرض رسوم كاريكاتورية وماكرون يعلّق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى