حورات خاصة

انفجار عكار يفتح جرح مرفأ بيروت.. ملابسات الفاجعة وروايات الأهالي تكشف ما جرى

استفاق اللبنانيون على كارثةٍ جديدة وكأنها جاءت لتسدّ نقصاً ما في سلسلة مآسيهم التي لا تعدُّ ولا تحصى، فلم يمضِ 24 ساعةً على إطلاقهم الأهازيج بعد قرار الجيش مصادرة كميات المحروقات المهرّبة والمخزنة بطريقةٍ غير شرعية، حتّى انقلبت الآية وتحوّلت أفراحهم إلى حزنٍ مطبقٍ عمّقته صدمتهم بتلقي نبأ انفجار عكار شمالي البلاد.

مرّ عامٌ كاملٌ على انفجار مرفأ بيروت الذي لا زالت صوره القاسية حاضرةً في أذهان اللبنانيين، حتّى عاد أغسطس “الأسود” مجدداً ووقع انفجار بلدة التليل (التلال) بعكار مخلّفاً قتلى وجرحى وحالة غضبٍ عارمة.

 

وعلى اختلاف القراءات للمشهد، هناك اجماعٌ على أنّ الطبقة الحاكمة في البلاد هي المسؤول الأول عن الكارثة، والتي كما كان متوقعاً اتخذت منها بوابةً جديدةً لتصفية الحسابات السياسية بين تياراتها المتناحرة، بهدف تجييش الشارع وكسب تأييده مقابل تأليبه ضدّ الخصوم، وهذا ما جسّدته المشاهد القادمة من عكار أو بيروت، إذ باتت منازل السياسيين والنواب هدفاً مستباحاً للتنفيس عن حالة الغضب والاحتقان.

وفي خضمّ كل ما سبق، تتزاحم الأسئلة حول طبيعة الكارثة التي وقعت هل هو حادثٌ عرضي أمّ أنّه مدبرٌ لتحقيق مكاسب معينة، وهل سيسير التحقيق المتعلّق بهذا الانفجار على نهج التحقيقات في الكوارث والجرائم التي شهدتها البلاد خلال العامين الماضيين، وكيف سينعكس ما حصل على مسار تشكيل الحكومة المتعثّر أصلاً.

وفي محاولةٍ من وكالة “ستيب” الإخبارية، الإجابة على ما تقدّم من أسئلة، حاورت مجموعة محللين وكتاباً وحقوقيين لبنانيين، وهم كل من المنسق العام للمنتديات في لبنان، نبيل الحلبي، والكاتب والصحفي، فادي عاكوم، والحقوقي، طارق شندب.

الانفجار بفعل فاعل أم أنه حادثة “قضاء وقدر”

يرجّح المنسق العام للمنتديات في لبنان، نبيل الحلبي أنّ “ما حدث في عكّار ليس فعلاً مقصوداً، وهذا لا يعني أنه لا توجد جريمة، لأنّ من خزّن الوقود بالأماكن السكنية بهدف تهريبها لسوريا مجرم ويجب أن يعاقب، كما أنّ سكوت السلطة عن هؤلاء النافذين هو تواطؤ مع المجرم”، مشدداً على أنّ ما حدث في عكار بتاريخ الـ 15 آب/ أغسطس الحالي يشبه ما حصل في مرفأ بيروت في ٤ آب العام الماضي.

ويذهب كلُّ من الحقوقي اللبناني، طارق شندب، والكاتب الصحفي، فادي عاكوم، إلى ترجيح أن تكون الحادثة بفعل فاعل عن طريق إطلاق الرصاص بشكل مباشر على صهريج البنزين الذي انفجر، وهو ما أكدته شهادات شهود عيان.

من يمسك بملف التهريب بالمنطقة وهل ستتخذ خطوات رادعة

يرى المنسق العام للمنتديات في لبنان، نبيل الحلبي، أنّ المسؤولية الكبرى فيما يتعلّق بعمليات التهريب سواءً للمحروقات أو مختلف المواد الأساسية المدعومة من جيوب اللبنانيين تقع على عاتق شخصيّاتٍ متنفذة في الشمال وقريبة من تياري “الوطني الحر” و”المستقبل”، وعصابات التهريب في بعلبك والهرمل الخاضعة لسلطة ميليشيا “حزب الله”.

عمليات التهريب تتم بضوء أخضر من الجيش والأمن

ويلفت الحلبي إلى أنّ عمليات التهريب التي تمارسها العصابات في جميع المناطق آنفة الذكر تتم دون أيّ مضايقاتٍ من الأجهزة الأمنية أو الجيش اللبناني، مشيراً إلى أنّ الدولة العميقة في لبنان فاسدة وشريكة للنظام السوري عبر تقديمها كافة أشكال الدعم له، ومنها المساندة الاقتصادية على حساب الأمن الاجتماعي للمواطن اللبناني.

أمّا عن الخطوات المتوقع اتخاذها، يلفت الحلبي إلى أنّ جريمة عكار المروعة ستفرض تحرّكاً حكومياً تحت ضغطٍ من الأهالي، لكن هذا التحرك سيبقى استعراضياً إن لم تتم محاسبة كارتلات التهريب والمحروقات في المنطقة، مستبعداً حدوث هذا الأمر لأنّ هؤلاء ليسوا منفصلين عن السلطة والحكم.

ويرجع الحلبي أسباب عجز الجيش اللبناني عن وقف التهريب، لكون من يرعى عمليات التهريب ميليشيا “حزب الله” التي لا يزال ينسق معها على الرغم من إطلاق مسؤولين كبار في الحزب تصريحاتٍ علنية تحذر من التعرّض لقوافل التهريب، وعلى رأسهم ، صادق النابلسي، الذي اعتبر أعمال التهريب إلى سوريا “مقاومة”.

ويتابع: “وبالتالي طالما بقيت معادلة “جيش وشعب ومقاومة” تحكم عمل المؤسسات الأمنية والعسكرية فلا يمكن تصوّر وقف الجيش لأعمال التهريب والصدام مع أحد أجنحة حزب الله الاقتصادية، الأمر الذي دفع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، إلى رفع الدعم عن المحروقات وبالتالي رفع سعر صفيحة المحروقات حتى تتوقف عمليات تهريبها تهريبها الى سوريا”.

السجال السياسي وتقاذف الاتهامات

أمّا فيما يتعلّق بالسجال الحاصل بين “تيار المستقبل” وتيار “الوطني الحر” وتقاذف المسؤوليات حول انفجار عكار وغيرها من الاتهامات، اعتبر “الحلبي” أنّها لا تغدو كونها تصفية حساباتٍ بين الفريقين اللذين اختلفا على محاصصة المقاعد الوزارية، لكنهما في الواقع شركاء في “البزنس السياسي” الذي نهب الخزينة العامة وأفقر اللبنانيين.

وحول المهلة التي منحها أهالي ضحايا الانفجار للنواب والمسؤولين بالاستقالة، يستبعد “الحلبي” أن يقدّم نواب عكار استقالتهم، فهم يتبعون لتياراتٍ سياسية لم يهزها ثالث انفجار في التاريخ (انفجار مرفأ بيروت)، بل ذهبت تكتلاتهم النيابية إلى منع رفع الحصانة عن المستدعى ضدهم للتحقيق، بهدف إعاقة سير العدالة ومنع المحاسبة، معبراً عن خشيته من أن يلحق أهالي ضحايا انفجار عكار بضحايا انفجار مرفأ بيروت، ويبقوا صوتاً في الشارع لا يلقى آذاناً صاغيةً من المسؤولين”.

وتعليقاً منه على احتمالية تكرار السيناريو في انفجار عكار كما مرفأ بيروت، يشدد الحلبي على أنّه ورغم التعطيل القضائي الواضح إلا أنّ معظم اللبنانيين يلتفّون حول قرارات القاضي، طارق بيطار، ليس لشخصه بل من أجل الوصول إلى الحقيقة، لافتاً إلى أنّ الكرة باتت بملعب القضاء وهو من سيقرر إذا كان سيبقى ثابتاً على موقفه في استدعاء المشتبه بهم والتحقيق معهم وعدم الخضوع لمنظومة الفساد والميليشيات التي تسيطر على الحكم في لبنان.

بدوره، يعتبر الكاتب والصحفي اللبناني، فادي عاكوم، أنّ ما حدث في عكار كارثة كبرى، مشيراً إلى أنّه سيكون لها ردود عنيفة في الشارع اللبناني وربما ستصل ارتداداتها إلى المسار السياسي المتعلّق بتشكيل الحكومة لناحية رفض الشارع للطبقة السياسية وهو ما جسّدته ردة الفعل والتحرّكات الأولية الغاضبة التي طالت منازل بعض النواب خصوصاً نواب الشمال حتّى أولئك القاطنين في بيروت.

ويشير الكاتب الصحفي إلى أنّ الحادث يبدو بأنّه “وقع بفعل فاعل لكن بطريقةٍ غير منظمة، مرجحاً أن يكون بعض المهربين المتورطين في تخزين هذه الكميات من المحروقات أو تهريبها إلى الداخل السوري هم من كانوا وراء هذا الانفجار”.

ويلفت “عاكوم” إلى أنّ “المسؤول الأول عن عمليات التهريب من لبنان إلى سوريا هو ميليشيا “حزب الله” وذلك بالتعاون والتنسيق مع بعض تجار السوق السوداء والسياسيين الذين يؤمنون الحماية السياسية والغطاء الأمني لهؤلاء التجار الذين ينقسمون إلى قسمين، فمنهم من يعمل على مدّ الحزب بالقدر الأكبر من المحروقات المدعومة ومنهم من ينقل هذه المواد عبر الحدود إلى سوريا”.

ويعتبر الكاتب اللبناني أنّ “الدولة اللبنانية فشلت في التهدئة لأنها فقد زمام الأمور بشكل نهائي في البلاد وهذا ما تدل عليه تحركات الجيش اللبناني في الشارع للحيلولة دون وقوع إصابات بين صفوف المدنيين الغاضبين”.

قرار رفع الدعم “قرار متعمّد” في هذا التوقيت

ويشدد على أنّ قرار رفع الدعم “قرار متعمّد” في هذا التوقيت حتّى لا يتمّ حرق أوراق الحكومة الجديدة التي قد يشكّلها “نجيب ميقاتي” كون مسألة رفع الدعم من الشروط الأساسية للنبك الدولي، إذ لا توجد السيولة المالية الكافية لاستكمال هذا الدعم بأي وسيلة كانت، خاصةً وأنّ أموال المودعين اللبنانيين في المصارف شارفت على النفاذ”.

ويؤكد عاكوم على أنّه “رغم مشاهد الغضب العارمة القادمة من الشمال لكنه يعتقد أنّ الأمور في سياقها العام تتجه إلى التهدئة بسبب خصوصية المنطقة، مستبعداً انفلات الأمور أكثر، فما تمّت مشاهدته يعتبر ردّة فعل طبيعية على ما جرى”.

أما فيما يتعلّق بنتائج التحقيق حول الانفجار والجهات التي تقف وراءه، يستبعد ” كشف الكثير من المعطيات عدا التي تمّ الكشف عنها أصلاً منذ الساعات الأولى، فقد تمّ التعرّف على صاحب الخزانات وصاحب الأرض، مرجّحاً بأن يكونا كبش محرقة إذ سيتم توجيه أصابع الاتهام لهما، خصوصاً وأنّ مالك خزّانات الوقود وجّهت له اتهاماتٌ سابقة بتهريب الوقود من لبنان إلى سوريا، أمّا من يقف خلفه ويؤمن له الغطاء السياسي سيظل بدائرة الظل ولن يتمّ الكشف عن هويته على الإطلاق”.

ويرى الحقوقي والباحث اللبناني، طارق شندب، أنّ “الانفجار في عكّار “حادثة مفتعلة” لافتاً إلى أنّ التحقيقات حولها لن تكون ذات جدوى وانفجار مرفأ بيروت أكبر دليل على ذلك، مشيراً إلى أنّ النيابة العامّة لا تزال تمنح الحصانات كالتي حصل عليها مدير الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، وهو أحد أبرز المتهمين في انفجار المرفأ، إذ أنّ هناك تواطئً بين السلطة والقضاء لمنع كشف الحقيقة وهو سيناريو سينسحب غالباً على ما جرى في عكّار”.

ويضيف، شندب، أنّ “السلطات في لبنان غير جادّة في مسألة ضبط الحدود، لأنّها لو أرادت ضبطها لفعلت ذلك منذ زمن، مشيراً إلى أنّ عمليات تهريب المشتقات النفطية مستمرّة منذ بداية الثورة السورية، مستذكراً حادثة إطلاق النّار من قبل الجيش على المواطنين في “مجدل عنبر”، وذلك بعد قطع الأهالي الطرقات على شاحنات التهريب، إلا أنّ أحداً لم يحرّك ساكناً عقب الحادثة لأنّ حزب الله يؤمن ويسهل عمليات التهريب”.

وفي معرض تعليقه على قرار حاكم مصرف لبنان الأخير حول المحروقات، يرى فيه “بروباغندا إعلامية، فالجيش وعد بتأمين المادة ومصادرة المحروقات المهرّبة”، لكنّه شدد على أنّ “مكان الجيش هو على الحدود لضبط عمليات التهريب وليس مداهمة المستودعات، وبالتالي فإنّ هذا قرار رفع الدعم عن المحروقات لا يعدو كونه مهاترةً إعلامية هدفها تحقيق مصالح سياسية”.

وحول انعكاسات الأحداث على مسار تشكيل الحكومة، يشير شندب، إلى أنّ “مسألة تشكيل الحكومة عبارة عن تجاذبات كبرى خلقها رئيس الجمهورية، ميشال عون، بهدف القضاء على كافة أنواع المشاركة السياسية والدستورية”، منوهاً إلى أنّ المجتمع الدولي قد حسم أمره بعدم مدّ يد المساعدة للحكومة لإدراكه أنّ كل الأطراف السياسية في لبنان تدور في فُلك الفساد، بعد أن سرقوا المساعدات التي منحها للبنانيين بعد نكبة انفجار بيروت، وسرقوا قبلها أموال الشعب وخزينة الدولة.

أهالي الضحايا يروون “قصتهم” ويعلنون مطلبهم الوحيد

يُشار إلى أنّ محاولة الحصول كميةٍ من مادة البنزين التي كان قد صادرها الجيش اللبناني من إحدى مخازن التهريب، كانت سبباً في تجمّع عددٍ من المواطنين في بلدة التليل قبل أن ينفجر فيهم “خزان الوقود” ويوقع 28 قتيلاً وأكثر من 80 جريحاً، بين مدنيين وعسكريين.

وتدور ملابسات الفاجعة، حول روايتين تناقلها أهالي المنطقة، ونقلتها عنهم وسائل إعلامٍ توافدت إلى مكان الانفجار، حيث تشير الأولى إلى أنّ أحد المتواجدين رمى فتيلاً مشتعلاً عقب مناوشاتٍ وقعت بينهم، فيما تذهب الرواية الثانية إلى أنّ أحد المهرّبين أطلق رصاصةً بشكلٍ مباشر على الصهريج ما أدى إلى انفجاره.

وعلى الرغم من اختلاف الروايات، مع مواصلة الجيش اللبناني تحقيقاته في محاولةٍ منه لجمع المزيد من الأدلة، إلا أنّ حالة الغضب الشعبي لا تزال هي السائدة وتزداد معها المخاوف من خروج الأمور عن السيطرة، خاصّة وأنّ أهالي الضحايا وضعوا السياسيين والنواب أمام خيارٍ وحيد هو “الاستقالة”.

انفجار عكار يفتح جرح مرفأ بيروت.. ملابسات الفاجعة وروايات الأهالي تكشف ما جرى
انفجار عكار يفتح جرح مرفأ بيروت.. ملابسات الفاجعة وروايات الأهالي تكشف ما جرى

حسن نصر الله يصب الزيت على النّار في أول تعليق له بعد انفجار عكار

بالفيديو|| ميشال حايك قبل عدة أشهر يتنبأ بانفجار عكار ويقول هذه الكلمات

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى