مقال رأي

ما هو الثمن الذي قبضته تل أبيب وعمّان مقابل التخلي عن درعا!؟

ترتيبات الصفقة

طالب الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال استقباله العاهل الأردني عبد الله الثاني في البيت الأبيض، 17 أغسطس/آب الماضي، “بتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين”، شاكراً إيّاه على علاقته الدائمة و الاستراتيجية مع الولايات المتحدة على مرّ السنين، قائلاً: “لطالما كنتم إلى جانبنا، وستجدوننا دوماً إلى جانب الأردن”.

قالب مقال رأي 3
ما هو الثمن الذي قبضته تل أبيب وعمّان مقابل التخلي عن درعا!؟

العاهل الأردني دعا للانضمام إلى فريق عمل يجمع الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن ودولاً أخرى، من أجل الاتفاق على خارطة طريق لحل الملف السوري بما يضمن “استعادة السيادة والوحدة السورية”، وأكد أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، سيبقى لأمد طويل، داعياً إلى حوار منسق مع السلطات في دمشق.

العاهل الأردني، باعتباره أول زعيم عربي التقى بايدن في البيت الأبيض للحصول على ضوء أخضر أمريكي حول تمرير ملف النفط المصري ولهذا السبب لم يلقَ نداء عشائر درعا إلى العاهل الأردني آذاناً صاغية، حيث يعتبره المسؤولون الأمريكيون زعيماً معتدلاً وعملياً يستطيع أن يلعب دور الوساطة في كافة القضايا في الشرق الأوسط ويستحق المكافأة

وبحسب المراقبون، مهدت تل أبيب ورتبت لزيارة العاهل الأردني إلى واشنطن للاتفاق على ملفات تتعلق بنقل الغاز من مصر إلى الأردن عبر مدينة درعا السورية مقابل التخلي عن هذه المدينة والحراك الشعبي القائم فيه ضد النظام السوري.

ما مصلحة تل أبيب من استبعاد عمان عن الصراع القائم على درعا؟

الروس يطلبون أهالي درعا بضرورة إنهاء هذا الملف، إما تسوية بضمانة روسية أو معركة بقيادة روسية، وكان اجتماع اليوم بحضور ضباط اللجنة الأمنية، حيث أعطى الروس مهلة أخيرة للحلّ السلمي، ووقف لإطلاق النار حتى الساعة العاشرة من صباح يوم الغد الإثنين، في حال لم يتم تنفيذ المطالب بتثبيت نقاط عسكرية داخل درعا البلد وتسليم الأسلحة والبدء بالتسوية، فسيتم البدء بالحرب على المنطقة وتهجير أهلها بالكامل إلى إدلب كتحصيل حاصل بسبب عدم تجاوب أنقرة وعمان مع مطالب الأهالي هناك.

المستنتج أن الروس ينطلقون هذه المرة من المركز القوة وهذا إن دلَّ إنما يدل على حصول موسكو على ضوء أخضر من تل أبيب واستبعاد عمان من الصراع في درعا مقابل تمرير النفط المصري إلى هذا البلد.

واشنطن بدورها ليست لها مشكلة مع النظام السوري بالسيطرة على درعا بالكامل كونه تخلى عن منطقة شرق الفرات، التي تعتبر منطقة سلة الغذاء السوري ومركزاً لحقول النفط ومنبعاً للمياه والينابيع، يبدو واشنطن وبرغبة إسرائيلية أخذت حصتها من الكعكة، وهنا يلتقي مصالحهما داخل شرق الفرات وتحقق إلى حد بعيد، لأن الأخيرة حصلت على ضمانات من النظام بعدم الهجوم على هذه المنطقة و بعدم السماح لطهران بالعبور إلى الجنوب السوري من خلال شرق الفرات، أما موسكو فعلى ما يبدو فأنها على علم بأن وجود فئة معارضة داخل درعا تشكل خطراً محتملاً وتهديداً حقيقياً على دمشق والنظام القائم هناك. أما طهران فتحاول من خلال القضاء على ما تبقى من المعارضة داخل هذه المنطقة لتقرب أكثر فأكثر من حدود الجولان ولتتفرغ لفتح صراع جديد مع تل أبيب انطلاقاً من هذه المنطقة، بينما أنقرة فقد أخذت دور المتفرج لأن لديها أولويات أخرى وتفاهمات مع موسكو وخاصةً في إدلب وشرق الفرات.

الخلاصة: ملف درعا حسم لصالح النظام والروس بعد تخلي الأردن عن هذا الملف بشكل كامل، وجاءت قمة بغداد الأخيرة بقيادة باريس لتؤكد على هذا الموضوع والتفاعل معه كان إيجابياً، بينما تل أبيب وواشنطن حصلت على ضمانات من النظام وموسكو بالبقاء الأمريكي العسكري الطويل الأمد في شرق الفرات مقابل التخلي عن درعا وبقاء الأسد ولو لفترة معينة ريثما يتم استنزافه بشكل كامل، تاركين آهالي درعا في مواجهة صواريخ النظام المعروفة بالفيل، ومحاولاً إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

النظام يعتبر اليوم ملف الحسم في درعا حالة معنوية له، لأنها أول منطقة انطلقت منها شرارة الثورة السورية وبالتالي الإعلان عن الانتصار على الشعب السوري من هذه المدينة باتت ضرورة حتمية له.

بالمحصلة، البازارات التي تتم داخل سوريا أكبر من طموحات الشعب السوري نحو الحرية والعدالة، فتخلي النظام السوري عن مناطق متعددة لصالح الأتراك وواشنطن وموسكو في ظل الصمت العربي مُريب للمحافظة على العاصمة دمشق تحت سيطرته ما هو إلا التحضير للتنقل إلى الخطة ( ب) التي تتضمن العمل على إعادة الأمن والاستقرار إلى مناطقه ولتأسيس بنية اقتصادية جديدة بهدف تطويق المجاعة وفقدان المواد الغذائية الأساسية داخل سوريا ولمنع نظامه من الانهيار، وهنا وبعد الخوض في البازارات التي جرت بين الدول المعنية بالشأن السوري فإن حسم ملف درعا (عسكرياً ) بات مسألة وقت فقط، لأن هذه المنطقة كانت تعتبر منطقة نفوذ تل أبيب وعمان، فالأولى قبضت الثمن وهو شرق الفرات والثانية مقابل تمرير النفط المصري عبر درعا إلى الأردن، ولهذا السبب يمكننا القول إنه (ومع الأسف ) فإن درعا تم بيعها دولياً وإقليمياً وبأرخص الأسعار.

بقلم الكاتب السياسي والمتحدث باسم تيار المستقبل الكردي في سوريا: علي تمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى