بعد 9 أشهر بدون جاذبية.. تأثيرات “خطيرة” على أجسام “الرواد العالقين” في الفضاء
كشفت العديد من الدراسات أن قضاء فترات طويلة في محطة الفضاء الدولية يشكل تحديات صحية كبيرة على رواد الفضاء، سواء أثناء المهمات أو بعد عودتهم إلى الأرض.
ومن المقرر أن تنطلق بعثة “كرو 10” (Crew-10)، التي تنظمها “ناسا” و”سبيس إكس”، اليوم الجمعة في تمام الساعة 11:03 مساءً بتوقيت غرينتش، حاملةً أربعة رواد إلى محطة الفضاء الدولية.
وسيتولى الطاقم الجديد مهام المحطة خلفًا للرائدين باري بوتش ويلمور وسوني ويليامز، اللذين كان من المفترض أن يقضيا ثمانية أيام فقط في الفضاء، لكن إقامتهما امتدت بشكل غير متوقع إلى تسعة أشهر.
ورغم أن هذه ليست أطول فترة يمضيها إنسان في الفضاء—إذ يحمل الروسيان أوليغ كونونينكو ونيكولاي تشوب الرقم القياسي بالبقاء 374 يومًا—إلا أن معظم الرحلات الفضائية المطولة لا تتجاوز ستة أشهر، مما يثير التساؤلات حول تأثير البقاء المطول في الفضاء على جسم الإنسان وعقله.
آثار انعدام الجاذبية على الجسم
يؤدي غياب الجاذبية إلى فقدان تدريجي لكثافة العظام لا يمكن عكسه، إلى جانب ضمور في عضلات الجسم، بما في ذلك عضلات القلب التي تعمل بمجهود أقل بسبب غياب المقاومة الجاذبية.
كما تتغير حركة الدم في الجسم، مما قد يؤدي إلى انخفاض حجمه وحدوث تجلطات دموية في بعض الحالات.
وتؤثر هذه التغيرات أيضًا على توزيع السوائل في الجسم، حيث تتراكم في منطقة الرأس، ما يمنح رواد الفضاء شعورًا يشبه الإصابة بنزلة برد دائمة، وفقًا لعالم الفيزياء الفلكية آلان دافي من جامعة سوينبورن.
كما أن حاسة الشم لديهم تتضاءل، وهو أمر قد يكون مفيدًا نظرًا للروائح غير المستحبة التي تراكمت في المحطة الفضائية على مدار عقدين من الزمن.
عند عودتهم إلى الأرض، قد يعاني رواد الفضاء من صعوبات في المشي، والدوار المتكرر، وضعف الرؤية. وأوضح دافي أن التغيرات في توزيع السوائل تؤدي إلى تغيير شكل مقلة العين، مما يسبب مشكلات بصرية قد تستمر مدى الحياة، ولهذا يرتدي العديد من رواد الفضاء نظارات أثناء وجودهم في المحطة الفضائية.
التأثيرات العصبية والدماغية
يقول مينغ لو، أستاذ الأشعة وعلوم الأعصاب في جامعة موناش، إن بيئة انعدام الجاذبية تتسبب في تجمع الدم والسوائل في الدماغ، مما قد يؤثر على وظائفه. وتسعى “ناسا” و”سبيس إكس” إلى تطوير أجهزة طرد مركزي تساعد في إعادة توزيع السوائل داخل أجسام رواد الفضاء أثناء نومهم.
بعد العودة إلى الأرض، يخضع رواد الفضاء لبرنامج إعادة تأهيل مكثف يشبه العلاج الطبيعي المخصص للمرضى الذين يتعافون من الغيبوبة، وفقًا لدافي.
التحديات النفسية والإجهاد البدني
يؤكد براد تاكر، عالم الفيزياء الفلكية في الجامعة الوطنية الأسترالية، أن العودة إلى الأرض تمثل ضغطًا نفسيًا كبيرًا على رواد الفضاء، مما قد يزيد من احتمالية تعرضهم للقلق والاكتئاب. ولهذا يعمل الفريق الطبي على إيجاد توازن بين إعادة تأهيلهم دون إرهاقهم.
وأشار دافي إلى أن دراسة هذه التأثيرات قد تساعد في تحسين أساليب علاج المرضى على الأرض الذين يقضون فترات طويلة في المستشفيات، حيث إن تأثير العيش في بيئة خالية من الجاذبية يشبه تأثير البقاء طريح الفراش لفترات ممتدة. ولأن معظم الدراسات السابقة ركزت على بعثات فضائية تستمر ستة أشهر، فإن التجربة الفريدة لوليمور وويليامز ستوفر معلومات قيمة للعلماء والأطباء.
تأثيرات غير متوقعة
من الظواهر الغريبة التي يواجهها رواد الفضاء، وفقًا لدافي، أن بشرتهم تصبح أكثر حساسية بعد العودة إلى الأرض، إذ يشعر البعض وكأن ملابسهم خشنة مثل ورق الصنفرة بسبب تغير طبيعة الجلد في بيئة الفضاء.
مخاطر الإشعاع الفضائي
من أخطر التحديات التي تواجه رواد الفضاء خلال المهمات الطويلة هو التعرض لمستويات عالية من الإشعاع، مما يزيد من خطر الإصابة بالسرطانات، بما في ذلك الأنواع النادرة منها.
ويوفر الغلاف الجوي للأرض والمجال المغناطيسي حماية طبيعية من الإشعاع الفضائي، لكن في الفضاء، يواجه رواد الفضاء مصادر إشعاعية مختلفة، مثل الجسيمات المشحونة المحاصرة في المجال المغناطيسي للأرض، والجسيمات الشمسية النشطة، والأشعة الكونية القادمة من أعماق الفضاء، بحسب وكالة “ناسا”.
التأثيرات النفسية والوجدانية
إضافةً إلى المشكلات الجسدية، يعاني بعض رواد الفضاء من ظاهرة تُعرف باسم “تأثير النظرة العامة”، وهو تحول إدراكي في الوعي يحدث أثناء رؤية الأرض من الفضاء، مما يمنحهم إحساسًا عميقًا بهشاشة الكوكب ويدفع بعضهم إلى إعادة التفكير في نظرتهم للحياة على الأرض.
بالنظر إلى جميع هذه التحديات، فإن دراسة تجارب رواد الفضاء العائدين بعد فترات طويلة ستساعد في تحسين التخطيط للبعثات المستقبلية، خاصة مع تطلع الإنسان لاستكشاف القمر والمريخ في العقود القادمة.
