تشهد بنين منذ فجر الأحد حالة توتر غير مسبوقة، بعد تقارير إعلامية محلية تحدثت عن محاولة انقلاب في العاصمة كوتونو. ووفق المصادر، تعرّض منزل الرئيس باتريس تالون في حي لو غيزو لهجوم نفذته مجموعة من الجنود بقيادة المقدم باسكال تيغري. وبعد ساعات من الاضطراب، ظهر تيغري على شاشة التلفزيون الوطني معلناً سيطرته عليه، ومقدّماً نفسه بصفته "رئيس اللجنة العسكرية لإعادة بناء البلاد".
وتشير المعلومات الأولية إلى أن الوضع لا يزال متقلباً للغاية، مع رصد تحركات عسكرية في عدة مواقع استراتيجية داخل العاصمة، ما يعكس احتمال توسع المواجهات أو دخول وحدات أخرى على خط الأحداث، ولم يصدر أي تعليق رسمي من الرئاسة أو الحكومة، بينما تتابع وسائل الإعلام المحلية التطورات بحذر شديد.
الانقلابات في إفريقيا… موجة متصاعدة خلال السنوات الأخيرة
شهدت القارة الإفريقية خلال الأعوام الخمسة الماضية عودة قوية للانقلابات العسكرية، في مشهد يعيد إلى الأذهان حقبة الثمانينيات والتسعينيات، وقد تركزت هذه الانقلابات بشكل خاص في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، حيث تتداخل الأزمات الأمنية مع التوترات السياسية والاقتصادية.
ومن أبرز الانقلابات الأخيرة:
النيجر – يوليو 2023
أطاح الحرس الرئاسي بالرئيس محمد بازوم، في انقلاب قاده الجنرال عبد الرحمن تشياني، وسط تدهور أمني وتوترات مع فرنسا.
بوركينا فاسو – 2022 (مرتان)
شهدت البلاد انقلابين خلال عام واحد، الأول بقيادة بول هنري داميبا، والثاني بقيادة إبراهيم تراوري، في ظل تصاعد هجمات الجماعات المسلحة.
مالي – 2020 و2021
أطاح العسكريون بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، ثم نفذوا انقلاباً ثانياً ضد الحكومة الانتقالية، ما أدى إلى قطيعة مع فرنسا وتقارب مع روسيا.
غينيا – 2021
أطاح العقيد مامادي دومبويا بالرئيس ألفا كوندي، بعد احتجاجات واسعة على تعديل الدستور.
الغابون – 2023
أعلن الجيش إنهاء حكم علي بونغو بعد انتخابات مثيرة للجدل، في انقلاب اعتبره العسكريون “تصحيحاً للمسار”.
هذه الموجة المتصاعدة أثارت مخاوف إقليمية ودولية، خصوصاً مع تراجع نفوذ القوى الغربية وصعود أدوار جديدة لروسيا والصين في المنطقة.
بنين… من دولة الانقلابات إلى “نموذج للاستقرار” قبل عودة التوتر
تُعد بنين واحدة من الدول الإفريقية التي عرفت تاريخاً طويلاً من الانقلابات العسكرية خلال القرن العشرين، قبل أن تتحول في التسعينيات إلى نموذج ديمقراطي مستقر في غرب إفريقيا.
مرحلة الانقلابات (1960–1990)
بعد استقلالها عن فرنسا عام 1960، شهدت بنين التي كانت تُعرف باسم داهومي سلسلة من الانقلابات العسكرية، بلغ عددها أكثر من 10 انقلابات ومحاولات انقلاب خلال ثلاثة عقود.
وكان أبرز قادتها العسكريين الرئيس ماتيو كيريكو الذي حكم البلاد لفترات طويلة، أولاً كقائد عسكري ثم كرئيس مدني بعد التحول الديمقراطي.
التحول الديمقراطي (1991)
في عام 1991، أجرت بنين واحدة من أولى الانتخابات التعددية الحرة في إفريقيا، لتبدأ مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي، وتصبح نموذجاً يحتذى به في المنطقة.
عهد باتريس تالون (2016–الآن)
وصل رجل الأعمال باتريس تالون إلى السلطة عام 2016، وقدم نفسه كإصلاحي اقتصادي.
لكن ولايته شهدت توتراً سياسياً متزايداً، خصوصاً بعد تعديل قوانين الانتخابات، والتضييق على المعارضة، واعتقال شخصيات سياسية بارزة، واتهامات بتراجع الحريات.
ورغم ذلك، حافظت بنين على صورة دولة مستقرة نسبياً مقارنة بجيرانها، إلى أن جاءت أحداث اليوم التي تعيد البلاد إلى دائرة عدم اليقين.