لا يعني ما سأعرضه أدناه من رؤى وأفكار أني وقعت في شرك خلط الأوراق وقلب المفاهيم التي ما فتئت ماكينات إعلامية ضخمة العمل على إرسائه في ثقافتنا وحياتنا اليومية وربما إلى حد بعيد المعيشية منها لارتباط الاقتصاد بالسياسة، وخصوصاً سياسة أمريكا في الشرق الأوسط.
قراءة بالتاريخ
في آخر مشاركة لي في برنامج الاتجاه المعاكس لم يسعفني الوقت الذي كنت كمن اغتصبته، أن أوضح فكرة مفادها أن الآخر يضع سياساته لعشرات السنين وليس بصفة آنية أو مؤقتة ولا حتى "خمسية" في أحسن الحالات.
وما أردت قوله في حينه وسأوضحه الآن أني كنت قد قرأت في أواسط الثمانينيات كتاباً لكاتب أمريكي كان قد كتب قبل أكثر من ١٥٠ عام تصوراً فيه أمريكا في عصر "عولمة" قادم تتحكم فيه بمفاصل الحياة العالمية.
من يقرأ الكتاب سيما أن حاول الانفصال عن الواقع المعاش سيقول أن ما يقوله الكاتب إنما هو ضرب من ضروب الخيال، لكن مع انهيار الاتحاد السوفييتي الذي أدى إلى انهيار المنظومة الاشتراكية وتلاشي الثنائية القطبية وبروز الأحادية التي تفردت بها أمريكا ولازالت، وهي فيما أراه ماضية ولخمسين عام قادمة على الأقل.
فبالإضافة للعلاقة العضوية والجدلية بين الاقتصاد والسياسية التي يمكن أن يتم الركون إليها في انتاج قوة عسكرية مهولة وهذا ما حدث في أمريكا، و لم يحدث في سواها من دول العالم لظروف ذاتية ربما أو حتى موضوعية، أقصد أن أقول القوة العسكرية والتي تمتلكها الكثير من الدول في العالم الحالي، إن لم يكن خلفها قوة اقتصادية تمدها بعوامل البقاء والانتشار وفرض النفوذ والسيطرة لن يكون لها من المواجهة، وهذا ما حدث ولا يزال بين قطبي العالم خلال الحرب الباردة التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي.
سياسة أمريكا في الشرق الأوسط
كل ما قدمته أعلاه توطئة لأن أؤكد في أعقابه أنه لا يوجد في السياسات الأمريكية مكاناً للصدفة او الاحتمالات، وعليه نؤكد أنه لم تكن السياسات الأمريكية وخصوصاً فيما يتعلق بالشرق الأوسط وبشكل خاص المنطقة العربية في مكان فيه الحد الأدنى من الانفعال بل كان الفعل هو السيد وطبيعة النتائج والأحوال تؤكد هذا المقال.
حيث بدى بوضوح أن المنطقة رغم كل ما كانت عليه من محاولات وارتدادات إلا أنها بالمحصلة النهائية وجدت نفسها ملعباً للسياسات الأمريكية، وساحات لتنفيذ هذه السياسات.
ومن هنا كنا أكدنا أن ما سمي (ربيعاً عربياً) لم يكن فعلا شعبوياً نقياً وصرفاً، إنما كان، فعلاً خارجياً ارتكز على تباين كبير بين جماهير المنطقة وبين انظمتها، ليثبت بالمحصلة أنه أي (الربيع العربي) لم يكن أكثر من (الفوضى الخلاقة) التي اعتبرت المدخل أو (حصان طروادة) التي مرّ وسيمر من خلاله (الشرق الأوسط الكبير)، والذي يعتبر أمن وريادة (اسرائيل) في المنطقة الهدف الأوسع والأشمل فيه، سيما أننا نعرف أنه ليس لأمريكا في المنطقة من حلفاء سوى الكيان.
اقرأ أيضًا:ما بين العمالة والتجسس
وضمناً ولو بدون رغبة أو معرفة أو ارتكاب من اعتبروا وعلى مدار اربعين عام (محور مقاومة) كان أي (المحور) امتداداً لما سمي يوما (جبهة الصمود والتصدي)، ليثبت بالمحصلة وبالأرقام ورغم ما رأيناه منذ عام ١٩٨٢ إلى العام ٢٠٠٦ رغم انجازاته لم يكن هذا المحور إلا ظاهرة صوتية أكثر منها وقائع فعلية، وإن كل ما حدث لا يعدو أن يكون ردود أفعال مؤقتة لم تكن لتؤثر في مسار السياسات الأمريكية.
ليس هذا فقط، بل لي أن أقول ربما أن الأنظمة العربية التي حكمت الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية هي من نفذت ما أعلنته أمريكا وكانت قد سمته (مبدأ ايزنهور) وهي من ملأت الفراغ الذي خلفه انسحاب الغربي، ولا استبعد شخصياً هنا أن تكون أمريكا هي من اختارت للمنطقة العربية بعض إداراتها والنتائج التي نعيش تؤكد ذلك،
ولا يقتصر هذا على الأنظمة العربية فحسب، بل يتعداها إلى سواها في المنطقة والإقليم ولا أضيف لمعلوماتكم شيئاً إن أكدت هنا ما هو موقفي مما سمي يوماً (الثورة الإسلامية الإيرانية) والتي طالما اعتبرتها الوجه الآخر للصهيونية كمشروع يستهدف المنطقة العربية بالتعاضد والتضامن مع (إسرائيل) فكليهما بقناعتي وجهان لعملة واحدة.
وعليه أسمح لنفسي لأن استقرئ ما هو القادم على أرضية ما هو موجود، سيما أن كل أركان المنطقة وكل فرقائها إنما ينتظرون نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وما يترتب عليها من نتائج ومفاوضات في المنطقة، لأن الساسة على محور المقاومة المفترض يختزلون حالة الانتظار الهزلية للرئاسة بما سينتج عنها حيال إيران ودورها في المنطقة، وذلك بقصور فكري ومراهقة سياسية ومغامرات بائسة يائسة ثبت أنها استعراضية، وما المذبحة السورية إلا خير شاهد على أن مقاومة الاحتلال لا تلتق ولا تستقيم مع القتل على الهوية التي مارسته الميليشيات الإيرانية في سوريا بدوافع رخيصة وساقطة ديدنها (الطائفية).
[caption id="attachment_317702" align="aligncenter" width="523"]
jpg" alt="سياسة أمريكا في الشرق الأوسط" width="523" height="294" /> سياسة أمريكا في الشرق الأوسط[/caption]