في الوقت الذي تتسارع فيه تحركات القوى الدولية والإقليمية لإعادة رسم المشهد العسكري والسياسي في سوريا، يطفو ملف دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن الجيش السوري على السطح من جديد. فبين الضغوط الأمريكية الرامية لترتيب الأوضاع بشكل سريع، والتكتيكات التي تنتهجها دمشق لإعادة إحكام قبضتها على الشمال الشرقي، يجد هذا الملف نفسه وسط معادلات معقدة وتحالفات متشابكة
غياب الثقة يعرقل العمليات العسكرية ضد داعش
وسط تضارب الأنباء حول عملية عسكرية مرتقبة ضد تنظيم داعش بمشاركة التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجيش السوري، استبعد المحلل السياسي محمد زنكنة، في حديث مع وكالة ستيب نيوز، أن يكون سبب التأجيل محصورًا بالخلافات بين قسد والحكومة السورية فقط.
وأوضح قائلًا: "الخلافات بين قسد والحكومة السورية، وأيضًا بين الحكومة السورية والتحالف، وحتى بين التحالف الدولي وقسد حول بعض التفاصيل العسكرية، جميعها حاضرة. لكن المعضلة الحقيقية أن المنظومة الدفاعية السورية غير جاهزة أساسًا لتنفيذ عمليات بهذا الحجم".
وأضاف أن "الجيش السوري الحالي أصبح يتكوّن من فصائل متناثرة، تحاول إعادة الاندماج تحت سقف دولة تواجه انهيار إرث البعث الذي كان يقوم على الولاء المطلق لرأس السلطة". وأشار إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها ما زالوا منشغلين بتصفية أو إعادة فرز الفصائل، ووضعها على قوائم الإرهاب أو رفعها منها.
وأكد زنكنة أن انعدام الثقة يمثل العقبة الأكبر: "من الصعب جدًا لفصائل كانت في فترة ما منسجمة أو متعاونة مع داعش، أن تنقلب عليه الآن وتقاتله، خاصةً أن الخبرة القتالية لهذه الفصائل محدودة للغاية".
اندماج مشروط أم صدام مُؤجل؟
وبالانتقال إلى تفاصيل الاتفاق المبدئي الذي وقّعه قائد قسد مظلوم عبدي بشأن الاندماج مع الجيش السوري، يرى زنكنة أن الطريق ليس معبّدًا بالضرورة، بل قد يتحول الصدام إلى أداة سياسية بدلًا من المواجهة العسكرية المباشرة.
وأوضح: "من مصلحة الحكومة السورية تجنب صدام عسكري مكلف مع قسد لأنه سيحرجها دوليًا وقد يؤدي إلى تعطيل أو إبطاء الدعم الدولي لإعادة بناء جيشها. لكنها ستوظف الصدام السياسي وتستخدم المماطلة كورقة ضغط".
وأشار إلى أن دمشق تسعى لصهر قسـد بالكامل ضمن هيكل الجيش السوري، وهو ما ترفضه القيادة الكردية التي تعتبر ذلك خطوة لإضعاف المكتسبات الكردية في "روجافا".
وأضاف: "رغم أن قسد لا تمثل الكرد وحدهم، فإن دمشق قد تستثمر الهوية الكردية لقيادتها، وتوظفها لإبقاء العلاقة في إطار ندي وتغذية خطاب التخوين التاريخي".
وتوقع زنكنة أن تشهد المرحلة المقبلة استفزازات عسكرية محدودة عبر بعض الفصائل، لكن دون الانزلاق نحو مواجهة واسعة، موضحًا أن الحكومة ستنأى بنفسها رسميًا عن أي تصعيد مباشر.
ضغط أمريكي بحسابات الغاز والجغرافيا
أما بخصوص موقف الولايات المتحدة، فقد أوضح زنكنة أن واشنطن تعمل على فرض حلول "سريعة وإن كانت ترقيعية"، مشيرًا إلى أن هدفها الأكبر هو تثبيت مصالحها في ملفات الغاز وطرق الطاقة والسيطرة الجيوسياسية في شرق المتوسط.
وقال: "أمريكا تريد إظهار نفسها كوسيط يوحّد الصفوف وينهي الخلافات لتتفرغ لمصالحها الكبرى، بدءًا من تثبيت سيطرتها على مصادر الغاز وحتى حسم قضايا الجولان وترتيب العلاقة بين الحكومة والفصائل والطوائف".
وأشار إلى أن الضغط الأمريكي على قسد للاندماج مع الجيش السوري يشبه محاولات سابقة لدمج قوات البيشمركة العراقية ضمن الجيش العراقي، لكنها فشلت بسبب إصرار القيادة الكردية على الحفاظ على خصوصية القوات الكردية.
وتابع: "قسـد تختلف عن الفصائل الأخرى التي حملت تصنيفات إرهابية، وعلى القوى الكردية توحيد الصفوف بين قسد وبيشمركة روجافا لتشكيل منظومة دفاعية كردية متماسكة، تفرض واقعًا جديدًا يصعب تجاوزه حتى على واشنطن".
رهان موسكو.. توازن محفوف بالمخاطر
في سياق آخر، تناول زنكنة تقارب قسـد مع روسيا في محاولة لإيجاد توازن يحفظ مكتسباتها في ظل تقلب المواقف الأمريكية، واعتبر أن هذا التقارب قد يحمل مكاسب تكتيكية لكنه قد ينقلب ضدها إذا أُسيء توظيفه.
وأوضح: "من المهم أن توسع قسـد شبكة علاقاتها، ليس فقط مع روسيا بل حتى مع تركيا، بحكم الجغرافيا، وفتح صفحة جديدة رغم التباينات التاريخية. لكن الاعتماد على موسكو لمواجهة واشنطن سيكون انتحارًا سياسيًا".
وأكد أن الصفقة التي عقدتها واشنطن وموسكو لإسقاط الأسد سابقًا قد تتكرر لتقاسم النفوذ أو تمرير أي صفقة مستقبلية، ما يفرض على قسد أن توازن مصالحها بدقة مع كل القوى الكبرى.
وأضاف: "التوازن المدروس سيُظهر قسد كقوة مستقلة لا تنحاز لطرف ضد آخر، ويعزز موقفها التفاوضي في أي سيناريو لإعادة تشكيل الدولة السورية".
بين ضغوط واشنطن وتكتيكات دمشق وحسابات موسكو، يبدو ملف اندماج قسـد في الجيش السوري الجديد أكثر تعقيدًا من كونه خطوة إدارية عسكرية، فالملف يرتبط بتاريخ طويل من الشكوك والخلافات والهويات المتداخلة وطموحات القوى الكبرى لإعادة صياغة المشهد السوري بما يخدم مصالحها.
في ضوء ذلك، سيظل مصير "قسـد" رهنًا بقدرتها على إدارة التوازنات الدقيقة داخليًا وإقليميًا، وحسم خياراتها بين الاندماج الكامل أو الشراكة المشروطة أو البقاء قوة مستقلة في شرق الفرات، وحتى تتضح معالم التسويات المقبلة، سيبقى الشرق السوري ساحة مفتوحة على الاحتمالات كلها.
[caption id="attachment_646227" align="alignnone" width="2405"]

"قسد" بين ضغوط واشنطن وتكتيكات دمشق.. خبير يكشف سيناريوهات المستقبل "الغامض" شرق الفرات[/caption]
https://www.youtube.com/watch?v=Nokk8cDv5IE&pp=0gcJCcEJAYcqIYzv
https://www.youtube.com/watch?v=UqKY5om-TMw&pp=0gcJCcEJAYcqIYzv