في الوقت الذي تشهد فيه مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس حالة من التعثر والتأرجح، تلوح في الأفق خطط تهجير قسري مقلقة للفلسطينيين من قطاع غزة، وسط رفض مصري قاطع لها، فيما يرى مراقبون أن إسرائيل تستخدم التعديلات المقترحة في التفاوض للمماطلة وكسب الوقت لتحقيق أهدافها العسكرية والسياسية.
تعديل المقترحات الإسرائيلية لا يقنع حماس
تسعى إسرائيل إلى تقديم تعديلات جديدة على مقترح وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، في محاولة لحل القضايا العالقة التي عطلت الوصول إلى اتفاق شامل حتى الآن.
ووفق مصادر مطلعة تحدثت لصحيفة "إسرائيل هيوم"، فإن هذه التعديلات تتضمن ثلاثة عناصر رئيسية؛ أولها خطوط إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي خلال فترة الهدنة وجدولًا زمنيًا مختلفًا للانسحاب مشروطًا بتقدم المفاوضات، وثانيها ترتيبات استمرار تسليم المساعدات الإنسانية تحت إشراف مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة أمريكيًا وإسرائيليًا، بينما يتمثل العنصر الثالث في قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم مقابل إطلاق سراح الأسرى لدى حماس.
في المقابل، ترفض حركة حماس هذه المقترحات، مؤكدة تمسكها بالعودة إلى المقترح القطري المقدم في يناير الماضي، الذي ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية إلى خط حدودي يبعد 700 متر عن الحدود، مع إمكانية زيادة تصل إلى 400 متر في مواقع محددة وفق خرائط متفق عليها بين الأطراف. وتعتبر الحركة أن بقاء محور موراج العسكري يمثل عقبة كبيرة أمام عودة نحو 400 ألف فلسطيني إلى رفح.
ويقول الدكتور إسماعيل التركي، الباحث في العلاقات الدولية، في حديث مع وكالة ستيب نيوز: "حقيقة الأمور والتجربة تثبت أن إسرائيل على الدوام تستخدم المماطلة والمراوغة واختلاق الذرائع ضمن تكتيكاتها في استمرار العدوان على قطاع غزة والأراضي الفلسطينية والتهرب من أي اتفاق لوقف إطلاق النار وعقد صفقة، وهذا أصبح معروف حتى في الداخل الإسرائيلي ومن أهالي الأسرى المحتجزين لدى حماس".
ويضيف: "داخليًا، يواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضغوطًا كبيرة من ائتلافه اليميني المتطرف الذي يعارض أي اتفاق قد يشمل تنازلات كبيرة، وخصوصًا وقف إطلاق النار الدائم أو سحب القوات. كما أن بقاء نتنياهو في السلطة يعتمد بشكل كبير على استمرار هذه الحكومة، أيضًا محاولة هروبه من المحاكمات الجنائية. وخارجيًا، قد تسعى إسرائيل لكسب الوقت في محاولة لتحقيق أهداف عسكرية إضافية أو لتقويض حماس بشكل أكبر قبل أي اتفاق."
وتدل التعديلات الإسرائيلية على محاولة لكسب الوقت سياسيًا وعسكريًا، خاصة في ظل الضغوط الداخلية التي يواجهها نتنياهو، بينما تسعى حماس إلى تثبيت حقوقها وفق المقترح القطري السابق دون أي تنازل يمس سيادة غزة أو حق العودة للنازحين.
ويؤكد الدكتور "تركي" أن حماس وباقي الفصائل لن تقبل بأي حال من الأحوال التخلي عن سلاحها مع وجود عسكري إسرائيلي دائم أو حتى مؤقت في غزة.
ويتابع: "الفصائل الفلسطينية تعتبر نفسها "حركات مقاومة" ضد الاحتلال، ووجود إسرائيل العسكري في القطاع سيظل يمثل الهدف الأساسي لمقاومتها، ومطالبة حماس والفصائل بنزع سلاحها تحت الاحتلال أو السيطرة الإسرائيلية الأمنية أمر غير واقعي ويعتبر تنازل عن مبادئها الأساسية".
الخرائط الأمنية.. عقبات الخريطة الجديدة وخطر التهجير
تواجه المفاوضات غير المباشرة بين حماس وإسرائيل في الدوحة تعقيدات إضافية بعد تسريب نية إسرائيل تقديم خرائط جديدة لنطاق انسحاب قواتها.
وبحسب تسريبات القناة 12 الإسرائيلية، فإن الخريطة الجديدة تتضمن إبقاء قوات الجيش الإسرائيلي على أكثر من 40% من مساحة القطاع، ما دفع مصادر فلسطينية إلى التحذير من أن هذه الخطة تهدف إلى حشر مئات آلاف النازحين في مناطق محدودة غرب رفح تمهيدًا لتهجيرهم إلى مصر أو دول أخرى. كما اعتبرتها حماس بمثابة محاولة لإعادة احتلال نصف القطاع وجعله معزولًا وبدون معابر أو حرية تنقل.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور إسماعيل التركي: "بعد زيارة نتنياهو الأخيرة للولايات المتحدة ولقائه بترامب، وفي ضوء تصريحاته عن أن ما تم الاتفاق عليه سيتكشف في المستقبل، معناه أن هناك ترتيب مستقبلي وموافقة أمريكية على خطط إسرائيل، وهو ما يؤكد أن نتنياهو قد حصل على ضوء أخضر لاستمرار التصعيد العسكري ومحاولة تمرير خطط التهجير القسري لسكان القطاع".
ويضيف: "يمكن اعتبار أن الزيارة عززت قناعة نتنياهو بوجود دعم غير محدود من إدارة ترامب لسياسته المتشددة، مما قد يقلل من الضغط عليه للتوصل إلى اتفاق سريع. هذا الدعم شجع نتنياهو على التمسك بمطالبه أو حتى التشدد فيها."
وتؤكد المعطيات أن إسرائيل تتجه نحو فرض خطتها الأمنية الجديدة على الأرض مهما كانت نتائج المفاوضات، ما ينذر بانهيار المحادثات إذا أصرت على إبقاء قواتها بشكل واسع داخل القطاع، ويمثل ضوءًا أخضر لمشاريع تهجير قد تقلب المشهد الإقليمي برمته.
الموقف المصري.. خطوط حمراء صارمة ضد التهجير
في ظل تزايد الحديث عن محاولات تهجير الفلسطينيين إلى مصر، يبرز الموقف المصري الرافض لهذه المخططات بكل وضوح، إذ تتمسك القاهرة بخطتها لإعادة إعمار غزة وتثبيت الفلسطينيين في أراضيهم وإقامة دولتهم المستقلة.
ويؤكد الدكتور إسماعيل التركي: "مصر ترفض رفضًا تامًا أي محاولة للتهجير القسري وفرض أمر واقع جديد، ودعت من خلال خطتها لإعادة الإعمار والتعافي المبكر إلى إعادة إعمار غزة وتثبيت السكان الفلسطينيين على أرضهم، والمساعدة في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من يونيو 1967، وموقف مصر واضح برفض قاطع لأي محاولة لفرض واقع ديموغرافي على حدودها".
ويضيف: "ستستخدم مصر كافة قنواتها الدبلوماسية والإقليمية والدولية للضغط على إسرائيل للتراجع عن هذه الخطة، وتذكير المجتمع الدولي بالتبعات الكارثية لأي عملية تهجير قسري، وستقوم بتعزيز تواجدها الأمني على الحدود بشكل أكبر لمنع أي تدفق للنازحين عبر الحدود، وقد تصل إلى حد التهديد بمراجعة علاقاتها مع إسرائيل أو تقليص مستوى التعاون إذا استمر هذا التهديد لأمنها القومي."
ويعكس الموقف المصري إدراكًا عميقًا للتبعات الاستراتيجية والإنسانية لأي تهجير قسري من غزة، ما قد يدفع القاهرة لتصعيد مواقفها الدبلوماسية والأمنية وربما فرض إجراءات جديدة على الحدود إذا استمرت إسرائيل بهذه السياسة التي تهدد الأمن القومي المصري والمنطقة بأسرها.
وفي ظل هذه التحديات تتداخل خيوط السياسة والميدان في مفاوضات غزة، بين تعديلات إسرائيلية تبدو أقرب للمماطلة منها للحلول الجذرية، وتمسك فلسطيني بالحقوق والسيادة الكاملة دون انتقاص، وبينهما موقف مصري صارم يرفض التهجير القسري ويحذر من كارثة إنسانية واستراتيجية. ومع استمرار إسرائيل بفرض رؤيتها الأمنية على القطاع، تبقى فرص الوصول إلى اتفاق شامل محفوفة بالعقبات، بينما تزداد المخاوف من دوامة تصعيد جديدة قد تدخل المنطقة في فصل أكثر ظلمة من الحرب والتهجير والمعاناة.
[caption id="attachment_647231" align="alignnone" width="2405"]

تعديلات إسرائيل الجديدة لمقترح الهدنة بغزة تهدد مصر.. خبير يكشف موقف القاهرة و"خطة" تل أبيب[/caption]
إعداد: جهاد عبد الله
اقرأ أيضاً|| غزة بين حماس وأبو شباب.. خبير يكشف استراتيجية “روابط القرى” الإسرائيلية وخفايا صراع خلف كواليس الحرب
https://www.youtube.com/watch?v=T0SvscfikKA