عودة من ألمانيا ونذر الاعتكاف
تعود القصة لقبل يومين، حين عاد الشاب السوري يوسف اللباد من ألمانيا، حيث يقيم هناك مع عائلته منذ نحو 12 عاماً. وهو متزوج ولديه ثلاث أطفال. وبحسب روايات الأهل، فقد عاد عودة طوعية نهائية إلى سوريا، رغم أنه لا يملك منزلاً أو مكاناً يقيم فيه، وبقيت زوجته وأولاده مع عائلته في ألمانيا. تقول عائلة اللباد، وفق ما نقلت مصادر عديدة عنها، إن الشاب توجه فور عودته إلى المسجد الأموي بدمشق بهدف قضاء 3 أيام متتالية فيه، نذر أن يفعلها إذا عاد لسوريا. وحسب الدين الإسلامي، يُدعى ذلك "الاعتكاف"، أي البقاء في المسجد بغرض التقرب إلى الله بالعبادات خلال مدة متواصلة. تؤكد مصادر مقرّبة من عائلة اللباد، تحدثت لوكالة "ستيب نيوز"، أن الشاب "ملتزم دينياً"، ويميل لـ"السلفية"، وتلقى علوم الشريعة على يد أحد المشايخ في ألمانيا خلال إقامته هناك، حيث وصلها وكان في مقتبل شبابه حينها.ما حصل في المسجد الأموي
تناقل ناشطون صوراً من كاميرات المراقبة تظهر ما حصل في المسجد الأموي قبل مقتل الشاب بساعات، حيث ظهر بتصرفات غريبة، وأظهره أحد المقاطع يسير بشكل طبيعي ثم فجأة يركض. وفي مقطع آخر، ظهر إلى جانب أحد عناصر أمن المسجد الذي بدا أنه كان يتناقش معه داخل المسجد ويسير بجانبه، لكنه غافله واتجه نحو محراب المسجد وارتمى هناك بشكل غريب. وتُظهر المقاطع المتداولة تجمع الناس في المسجد حوله، وهو يحاول الهرب منهم تارة، ويرتمي على الأرض تارة أخرى. وهذه التصرفات أثارت الشكوك حول سلامته العقلية والنفسية.بعد هذه الحادثة، تدخلت مفرزة أمنية واعتقلت الشاب بحجة إثارة الفوضى داخل حرم المسجد. إلا أن المفاجأة كانت إعلان مقتله بعد ساعة من الاعتقال، وهو ما أشعل الجدل.وثّقت كاميرات المسجد الأموي لحظة دخول يوسف اللباد إلى المسجد وهو في حالة من عدم الاتزان، ما أدى إلى احتكاك وتوتر مع عدد من الزوار والمصلين، تطور لاحقاً إلى عراك، الأمر الذي استدعى تدخل عناصر الحراسة لتهدئته وتقييده حفاظاً على سلامة الجميع 🔻مراسل الأمن الداخلي pic.twitter.com/v4eIVBmh4g
— مراسل الأمن الداخلي (@murasil_amniun) July 30, 2025

روايتان مختلفتان
يؤكد أهل الشاب أن أقاربهم في حي القابون بدمشق تلقوا جثة الشاب ويظهر عليها آثار تعذيب وجروح وكدمات. وهو ما أثار غضب ذويه الذين وجهوا اتهامات لعناصر الأمن السوري بالتسبب بمقتله تحت التعذيب.
بيان الداخلية يثير الريبة
من جانبها، أصدرت وزارة الداخلية بيانات أثارت الريبة أيضاً، حيث قال العميد أسامة محمد خير عاتكة: "في يوم الثلاثاء بتاريخ الـ29 من الشهر الجاري، وردت تقارير عن شاب في حالة نفسية غير مستقرة، حيث دخل المسجد الأموي وهو في حالة من عدم الاتزان وبدأ يتفوه بعبارات غير مفهومة، كما وثّقت كاميرات المراقبة داخل المسجد. فتم التعامل مع الحالة من قبل عناصر حماية المسجد، الذين حاولوا تهدئته ومنعه من إيذاء نفسه أو الآخرين". وأضاف العميد عاتكة: "أثناء وجود الشاب في غرفة الحراسة، أقدم على إيذاء نفسه بشكل عنيف عبر ضرب رأسه بأجسام صلبة، ما تسبب له بإصابات بالغة، وقد تم الاتصال بالإسعاف على الفور، إلا أنه فارق الحياة رغم محاولة إسعافه". من جانبه، عاد وزير الداخلية أنس خطاب لينشر عدة تغريدات على صفحته في موقع X، أكد فيها فتح تحقيق ومحاسبة المسؤولين، في إشارة إلى إمكانية وجود مسؤولين عن الحادثة، خلافاً لرواية الداخلية التي تحدثت عن "انتحار".اتهامات من زوجته
وأول تعليق من عائلة الشاب كان من زوجته سندس عثمان، عبر صفحتها في "فيسبوك"، حيث اتهمت جهاز الأمن العام بالتسبب في وفاته، وقالت إن زوجها "تم اعتقاله من الجامع الأموي في دمشق، وتوفي بعد يومين فقط من عودته إلى البلاد، نتيجة تعرضه للتعذيب خلال فترة احتجازه". وأكدت أن "جثمانه كان مغطى بآثار تعذيب واضحة"، مضيفة: "زوجي ما صرله غير يومين راجع عالبلد، اللي على أساس صار فيها أمان. أنا بطالب بحق زوجي وحق أولادي، وعلى الجميع ممن يمتلك ضمير وإنسانية أن يطالب معنا بكشف الحقيقة ومحاسبة الجناة". ودعت أبناء حي القابون إلى "عدم السكوت عن مقتل أحد أبنائهم"، محذّرة من أن "استمرار الصمت سيجعل الجميع عرضة للانتهاكات".
الحلقة المفقودة
مصدر آخر مقرب من عائلة الضحية تحدث لـ"ستيب نيوز" عن حلقة مفقودة، مشيراً إلى أن التسليم برواية وزارة الداخلية بأن الشاب غير متزن لا يعطي الحق بقتله أو تعذيبه مهما كان جرمه. إلا أن الجدل استمر حول هذه النقطة التي أثارتها وزارة الداخلية، بين من أكد أن الشاب طبيعي، وآخرين تحدثوا عن تصرفات لم تكن طبيعية، ناتجة ربما عن حالة نفسية أو جرعة مخدرات.زيارة وتعزية وتكهنات
أحد أهالي حي القابون، تحدث لوكالة "ستيب نيوز" وفضل عدم ذكر اسمه، أشار إلى أن وفداً من وزارة الداخلية جاء وقدم العزاء لذوي الشاب في الحي. وخلال تقديم العزاء، تحدث الوفد عن تصرفات الشاب الغريبة التي ظهرت عليه، وأبلغوا ذويه أنه لم يكن بحالة مستقرة. ويلفت المصدر إلى أن ذوي الشاب لم يكن لهم ردة فعل على هذا الحديث، بينما لم توضح عائلته المقيمة في ألمانيا ملابسات هذه القضية. في المقابل، تحدث طبيب يدعى شادي الرفاعي، وهو سوري يقيم في ألمانيا، في تعليق على الحادثة عبر حسابه في "فيسبوك"، أن الشاب هو مريض يتعالج عنده، ومرضه هو "نفسي وسواس ديني وهوس بالحشيش المخدر". ولم يتسنَّ التأكد من هذه المعلومات من مصادر أخرى.
تعهد بالتحقيق والمحاسبة
وزير العدل مظهر الويس أكد في بيان أنه "يتفهم الغضب الذي يبديه المواطنون تجاه هذه الحادثة الأليمة، ونؤكد التزامنا بمحاسبة كل من يثبت تورطه في هذه القضية دون أي محاباة أو تهاون". وأضاف: "لقد وجهنا النيابة العامة لأخذ دورها بكل جدية وشفافية في التحقيق في هذه القضية ومتابعة الإجراءات القانونية اللازمة لضمان محاسبة المتورطين. نؤكد أن لا أحد فوق القانون، ولن يفلت أي متورط من العقاب إذا ثبتت إدانته". وتابع: "في حال ثبوت تورط أي من عناصر حرس المسجد الأموي أو عناصر الأمن في المنطقة بوفاة الشاب يوسف اللباد، سيتم اتخاذ أشد الإجراءات القانونية بحقهم دون أي تهاون عبر الجهات القضائية المختصة". وتسلّط حادثة مقتل الشاب يوسف اللباد الضوء مجددًا على إشكالية الشفافية والمساءلة في قضايا الاعتقال داخل سوريا، خاصةً في ظل الروايات المتضاربة بين الجهات الرسمية وذوي الضحايا. وبينما تبقى الحقيقة الكاملة رهينة التحقيقات، تبقى الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة الأمنية والقضائية على المحك، ويزداد الإلحاح على الكشف عن الملابسات الحقيقية ومحاسبة المسؤولين، منعًا لتكرار هذه الحوادث. [caption id="attachment_648953" align="alignnone" width="2405"]