تشهد الساحة السورية تصعيداً جديداً بعد سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت مواقع عسكرية في حمص واللاذقية وتدمر أول أمس الإثنين، في تطور لافت تزامن مع زيارة قائد القوات الجوية السورية، اللواء عاصم هواري، إلى أنقرة، ما أضفى على المشهد بعداً إضافياً في ظل الحديث عن دور تركي متنامٍ في الملف السوري، فيما يطرح تساؤل عن مدى اقتراب المواجهة بين أنقرة وتل أبيب على الساحة السورية.
أهداف الضربة الأخيرة
تشير المعلومات التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية وعربية إلى أن الضربة لم تكن مجرد عملية روتينية، بل عملية محسوبة بدقة، استهدفت مخازن صواريخ ومنظومات دفاع جوي تركية حديثة وصلت إلى الأراضي السورية.
وفق مصادر أمنية إسرائيلية تحدثت لوسائل إعلام، فإن الغارات ركزت على مستودعات صواريخ ومعدات دفاع جوي تركية الصنع نُقلت حديثاً إلى الداخل السوري.
وأوضحت هذه المصادر أن الضربة لم تكن موجهة لسوريا وحدها بقدر ما كانت رسالة مباشرة إلى أنقرة بأن إسرائيل لن تسمح بإقامة قواعد أو إدخال أنظمة دفاعية من شأنها الحد من تفوقها الجوي في الأجواء السورية.
إسقاطات إقليمية ورسائل مزدوجة
يرى مراقبون أن الغارات الأخيرة لم تكن معزولة عن المشهد السياسي، بل جاءت قبيل لقاء مرتقب بين وزير الخارجية السوري ووزير إسرائيلي تحت رعاية أميركية، وهو ما يفسر الطابع الاستباقي للهجوم.
الخبير السياسي السوري أسامة بشير رأى خلال حديث لوكالة ستيب نيوز، أن التصعيد الإسرائيلي ليس جديداً، بل ممتد منذ سنوات، لكنه اعتبر أن ما جرى مؤخراً جاء ضمن استراتيجية استباقية للقاءات السورية – الإسرائيلية.
وقال بشير: "التصعيد الإسرائيلي لم يقف يوماً منذ سقوط الأسد، ولكن شهدنا تصعيداً شمل عدة مواقع بعدة محافظات، وهذا استباق للقاء بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيبان ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي. وهذا ليس اللقاء الأول، وهذه اللقاءات هي لتفاهمات أمنية عسكرية فقط لا لبحث مواضيع أخرى كاتفاقيات سلام أو تطبيع."
وأضاف أن للغارات الأخيرة أهدافاً متعددة: "أولاً، يأتي قبيل اللقاء المرتقب، وهذا للضغط على الحكومة السورية لتقديم تنازلات في اللقاء القادم. أيضاً رسالة للحكومة السورية أننا قادرون على الوصول لأي مكان وموقع في سوريا وكلها تحت أنظارنا".
وتابع: "رسالة لتركيا أيضاً بأنها لن تسمح بتسليح ودعم عسكري للحكومة السورية، ورفضها للوجود التركي العسكري في سوريا. ونحن نعلم أن كان هناك مشروع تركي لبناء قواعد جوية عسكرية في سوريا، ورفضت إسرائيل ذلك حتى أنها قصفت الموقع الذي كان محدداً لقاعدة جوية."
تركيا في عين العاصفة
تزامن الضربة مع زيارة قائد القوات الجوية السورية لأنقرة، برزت تساؤلات حول مغزى الرسالة الإسرائيلية لتركيا تحديداً، خصوصاً في ظل مساعي أنقرة لتعزيز التعاون العسكري مع دمشق.
في هذا السياق، يوضح بشير أن المواجهة المباشرة بين تركيا وإسرائيل ليست مطروحة حالياً: "رغم هذا التصعيد لن تكون هناك مواجهة مباشرة ما بين تركيا وإسرائيل، وإنما سيقتصر على استخدام أوراق الضغط. لكن
أما بشأن الموقف التركي، فقد اعتبر بشير أن أنقرة لن تتراجع عن مسارها: "بالنسبة للدعم العسكري التركي سيستمر، ولكن لن يكون هناك اتفاقية دفاع مشترك بالوقت الحاضر. لكن تركيا لن تتخلى عن دعم الحكومة السورية والعمل على استقرار سوريا، وأي فوضى وعدم استقرار سيهدد أمنها القومي. وأعتقد أن الدعم العسكري التركي لن يتوقف، وستكون هناك تفاهمات وضمانات لإسرائيل حول هذا الدعم."
الجيش السوري بين الواقع والطموح
إلى جانب الرسائل السياسية والعسكرية، أثارت الغارات الأخيرة نقاشاً واسعاً حول قدرة الجيش السوري على التعامل مع الضغوط الإقليمية والتصعيد الإسرائيلي المتكرر.
في هذا الإطار، يرى بشير أن تشكيل جيش سوري قوي أمر صعب في الوقت الحالي، موضحاً: "بالوقت الحالي من الصعب تشكيل هذا الجيش، فمن أولويات الحكومة السورية الآن هو الوضع الاقتصادي وإعادة الإعمار وعودة المهجرين واستقرار الأمن في الداخل. فلدينا موضوع السويداء والمنطقة الشرقية، وهذه عوامل تؤثر جداً على تشكيل جيش قوي وبسلاح متطور، وخاصة العامل الاقتصادي".
وأضاف: "الجيش الحالي هو لضبط الأمن والاستقرار في البلاد، ولكن هذا لا يعني أن الجيش الحالي ضعيف، لا أبداً. كمقاتلين لديهم الخبرات القتالية، وهم من خاض معارك وأسقط النظام وطرد إيران وميليشياتها، لكن لا يمكنه الآن فتح جبهة مع إسرائيل التي تتفوق عدة وعتاد."
وتابع: “لذلك، الحكومة السورية تتجه للحلول الدبلوماسية والتفاهمات الأمنية لوقف التصعيد مع إسرائيل. لكن مستقبلاً، بالتأكيد سيكون هناك جيش قوي وبسلاح وعتاد متطور. وهذا كي يحصل لا بد من العمل الدبلوماسي لتصل سوريا إلى مرحلة الاستقرار الداخلي.”
البعد الدولي وأهمية الاستقرار
الضربة الأخيرة لم تقتصر تداعياتها على سوريا وتركيا وإسرائيل، بل أعادت إلى الواجهة المخاوف الدولية من انفلات الأوضاع وانعكاساتها الإقليمية، خصوصاً في أوروبا التي تضررت سابقاً من موجات اللجوء والإرهاب.
ويرى بشير أن استقرار سوريا لم يعد مصلحة سورية فقط، بل مصلحة إقليمية ودولية، قائلاً: "من مصلحة الدول العربية والإقليمية والأوروبية هي استقرار سوريا، وأي فوضى وعدم استقرار في سوريا ستنعكس سلباً على الجميع، بما فيهم أوروبا التي عانت كثيراً من موضوع اللجوء والإرهاب."
وتشير الضربة الإسرائيلية الأخيرة إلى أن التصعيد العسكري سيظل أداة ضغط أساسية في المعادلة السورية، خصوصاً مع دخول تركيا على خط الدعم العسكري لدمشق، والتي يراه البعض أنه كاستبدال الدور الإيراني سابقاً بعهد الأسد، وبينما تراهن الحكومة السورية على التفاهمات الأمنية والمظلة الأميركية لتخفيف حدة الهجمات، تبقى إسرائيل مصممة على فرض واقع عسكري يقيّد أي تحولات استراتيجية في سوريا. أما تركيا، فهي ماضية في دعمها السياسي والعسكري للحكومة السورية، لكنها لا ترغب في مواجهة مباشرة مع تل أبيب، مما يترك الساحة مفتوحة أمام لعبة توازنات معقدة قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة.
شاهد أيضاً: