في خطوة تُضاف إلى سلسلة الضغوط الدولية على أطراف النزاع في السودان، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، إلى جانب إدراج جماعة لواء البراء بن مالك الإسلامية المسلحة على قائمة العقوبات، هذا التطور، الذي وصفته بعض القوى السودانية بأنه "متأخر لكنه مؤثر"، يأتي في وقت لا تزال فيه البلاد غارقة في نزاع دموي منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فيما كشف المستشار الإعلامي لحركة "تمازج" سبب هذه العقوبات وارتباطات الوزير السوداني "المشبوهة".
تفاصيل القرار الأمريكي
العقوبات، التي أُعلنت يوم 12 سبتمبر 2025، شملت تجميد أي أصول محتملة لجبريل إبراهيم وجماعة البراء بن مالك داخل الولايات المتحدة، وحظر تعامل المواطنين أو الكيانات الأمريكية معهما، كما امتدت لتشمل أي شركات أو مؤسسات يمتلكان فيها حصة لا تقل عن 50%.
وجاءت هذه الخطوة بموجب الأمر التنفيذي 14098، الذي يمنح وزارة الخزانة الأمريكية صلاحيات استهداف الأطراف المتهمة بعرقلة الانتقال الديمقراطي وزعزعة الاستقرار في السودان.
جبريل إبراهيم: وزير المالية وزعيم الحركة
جبريل إبراهيم شخصية معروفة في الساحة السودانية، فهو يشغل منصب وزير المالية في حكومة البرهان، إلى جانب قيادته لحركة العدل والمساواة، إحدى أبرز الحركات التي نشأت في إقليم دارفور مطلع الألفية، وقد حملت الحركة السلاح ضد حكومة الخرطوم في ذلك الوقت، متهمة النظام السابق بالتهميش والإقصاء.
لكن مسار الحركة شهد تحولات عديدة، حيث دخلت في تحالفات سياسية وعسكرية متشابكة، وتتهمها الولايات المتحدة اليوم بلعب دور مباشر في النزاع الحالي، عبر القتال إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، وهو ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين وتوسيع دائرة النزوح.
كما أشارت وزارة الخزانة الأمريكية إلى زيارة جبريل إلى طهران في نوفمبر الماضي، في مؤشر على علاقات متنامية مع إيران، وهو ما أثار قلق واشنطن من احتمال وجود دعم عسكري ولوجستي إيراني للحركة.
لكن جبريل رد على ذلك ببيان قال فيه "إنه يتولى منصب وزير المالية في حكومة شرعية لدولة عضو في الأمم المتحدة، وزياراته لإيران والدول الأخرى تتم ضمن واجباته الدستورية والقانونية وفي إطار العلاقات الدبلوماسية القائمة بين السودان والمجتمع الدولي".
واتهمت حركة العدل والمساوة " أن هذه الخطوة تأتي ضمن سلسلة من حلقات التآمر الخارجي ضد السودان"، حسب بيان صدر عنها على لسان محمد زكريا فرج الله، الناطق الرسمي باسمها.
لواء البراء بن مالك: جماعة مثيرة للجدل
أما لواء البراء بن مالك، فهو تنظيم مسلّح إسلامي ينشط داخل السودان، وتتهمه واشنطن بأنه يضم آلاف المقاتلين ويتلقى تدريبات من الحرس الثوري الإيراني، وقد ارتبط اسمه بانتهاكات حقوقية خطيرة، بينها الاعتقالات التعسفية والإعدامات الميدانية.
بحسب منظمات حقوقية، مثّل اللواء أحد أبرز العوائق أمام جهود وقف إطلاق النار خلال الأشهر الأولى من الحرب، إذ اتُهم بخرق الهدن المعلنة واستهداف مواقع مدنية، ما زاد من حدة الصراع وأضعف فرص التوصل إلى تسوية سياسية.
ترحيب وتحذير
لم تمر العقوبات الأمريكية من دون تفاعلات محلية، فقد رحبت حركة تمازج السودانية، على لسان مستشارها الإعلامي عثمان عبد الرحمن سليمان، بهذه الخطوة، معتبرة أنها بداية مهمة في محاصرة الأطراف التي تغذي الحرب.
وقال سليمان في تصريح خاص لوكالة ستيب نيوز: "ترحب حركة تمازج بالعقوبات التي فرضتها وزارة الخارجية الأمريكية على رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم وجماعة البراء بن مالك بعد أن اتهمتهم بالتورط في تغذية الصراع القائم وعلاقتهما بدولة إيران".

اتهامات موجهة لحركة العدل والمساواة
في سياق متصل، اتهم سليمان حركة العدل والمساواة بارتكاب "مجازر تاريخية" في دارفور، مشيرًا إلى أن جبريل إبراهيم عمل على "نهب أموال وزارة المالية في بورتسودان لتغذية الخلايا الإسلاموية النائمة".
وأضاف أن الجيش السوداني نفسه لم يعد "مؤسسة وطنية خالصة" بعد أن سيطرت عليه، بحسب وصفه، مجموعات مرتبطة بالحركة الإسلامية، موضحًا أن "الأسلحة المستوردة تُستخدم في قتل الشعب السوداني، وأكبر دليل على ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية".
أثر العقوبات على موازين القوى
يرى مراقبون أن العقوبات قد تعمّق عزلة جبريل إبراهيم على الصعيد الدولي، وتحد من قدرة حركة العدل والمساواة على الحصول على التمويل أو الدعم عبر النظام المالي العالمي، كما أن إدراج لواء البراء بن مالك يوجّه رسالة مباشرة للفصائل المسلحة الإسلامية بأن انخراطها في النزاع لن يمر من دون كلفة.
وفي هذا الإطار، قال سليمان إن قرار الخزانة الأمريكية "وإن جاء متأخرًا، لكنه سيعمل على شل تحركات هذه المجموعة الإرهابية"، مضيفًا أن استمرار تحالفات حركة العدل والمساواة ولواء البراء بن مالك "يشكل خطرًا على أمن واستقرار البلاد"، فيما اعتبر الخطوة الأمريكية "أول إجراء حقيقي لتجفيف علاقاتها الإقليمية".
وتابع: " إننا في حركة تمازج ندعو المجتمع الدولي والجهات الفاعلة والتي لديها مواقف واضحة من تجفيف منابع الإرهاب إلى اتخاذ قرارات مماثلة لتشمل جماعات إرهابية لها صلة ببعض دول الشر مثل قوات درع السودان التي يتزعمها كيكل".
تاريخ الحركة واللواء
تاريخيًا، لعبت حركة العدل والمساواة دورًا محوريًا في نزاع دارفور منذ مطلع الألفية، حيث شنت هجمات كبيرة على مواقع حكومية، أبرزها هجوم أم درمان في عام 2008، وعلى الرغم من انخراطها لاحقًا في مفاوضات سلام، ظل حضورها العسكري والسياسي مثار جدل.
أما لواء البراء بن مالك، فيرتبط ظهوره بمناخ الفوضى الذي رافق الإطاحة بنظام البشير عام 2019، حيث برز كإحدى الجماعات التي استثمرت في الخطاب الديني لتجنيد مقاتلين، وقد تحالف في مراحل مختلفة مع أطراف عسكرية، لكنه بقي متمسكًا بنهج يضعه في مواجهة مباشرة مع جهود السلام.
أبعاد إقليمية ودولية
الربط بين هذه الأطراف وإيران يُعد من أبرز دوافع العقوبات. فبالنسبة لواشنطن، يمثل أي وجود إيراني في السودان تهديدًا مزدوجًا: فهو يعمّق أزمات الداخل السوداني، ويمنح طهران منفذًا استراتيجيًا على البحر الأحمر، في منطقة شديدة الحساسية جيوسياسيًا.
كما أن العقوبات الأمريكية قد تحمل رسائل غير مباشرة لحلفاء الخرطوم الإقليميين، بضرورة مراجعة سياساتهم تجاه دعم بعض الفصائل، ومن شأن هذه الخطوة أن تضع قيودًا على تحركات جبريل إبراهيم، الذي يسعى للحفاظ على موقعه كأحد أبرز الفاعلين في المعادلة السودانية.
وتعكس العقوبات الأمريكية الأخيرة تحوّلًا في مقاربة واشنطن تجاه النزاع السوداني، من بيانات التنديد والدعوات إلى الحوار، إلى خطوات عملية تستهدف قادة سياسيين وعسكريين، وبينما يرى البعض أنها قد تسهم في الضغط على الأطراف لتقليص دورها في الحرب، يحذّر آخرون من أنها قد تدفع الفصائل المعاقبة إلى البحث عن بدائل تمويل وتسليح خارج الأطر الرسمية، ما قد يفاقم الأزمة.
لكن ما هو مؤكد أن هذه الخطوة ستزيد من تعقيد حسابات القوى السودانية، وتضع العدل والمساواة ولواء البراء بن مالك تحت دائرة ضوء دولية أكبر، في وقت يحتاج فيه السودان إلى مخرج من دوامة العنف أكثر من أي وقت مضى.