مقال رأي

واشنطن وطهران تنقلان المعركة إلى قاعة البرلمان العراقي

واشنطن وطهران تنقلان المعركة إلى قاعة البرلمان العراقي

متى بدأت المشكلة حول الاتفاق النووي؟

ضرب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2018 الاتفاق النووي الذي انعقد بين الأوروبيين والأمريكان من جهة وإيران من جهةٍ أخرى في عرض الحائط، وهو ما دفع طهران إلى التخلي عن التزامتها تجاه الغرب، حيث دخل الطرفان في صراعٍ جديد تعددت ساحاته وأسبابه، لكن النتائج باتت مخيبة للآمال وانعكست سلباً على الساحة السورية والعراقية وحتى اليمنية.

دخول الغرب اليوم في مواجهة مباشرة مع موسكو على أوكرانيا، دفعها إلى العمل على تحييد كل من طهران وبكين عن ساحة المعركة للاستفراد بموسكو داخل أوكرانيا ولتقزّيم دورها وتحجيم أطماعها قدر المستطاع. يعتقد الساسة الأوروبيون اليوم أن التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي بات قاب قوسين أو أدنى، ويبدو أن الغرب يحاول وبشتى الوسائل إرضاء طهران سواء كان على حساب العراقيين وغض الطرف عن مرشحهم لرئاسة العراق أو استهداف العمق السعودي على يد الحوثيين أو حتى استهداف أربيل؛ لأن طهران اختارت التوقيت الدقيق والحساس لعمليات القصف.

وهناك من يعتقد أن العديد من الملفات في الشرق الأوسط تتبادل واشنطن وطهران الأدوار فيما بينهما بذكاء وهدوءٍ تام فمعركة الاتفاق النووي تتم العمل عليها على قدمٍ وساق، بالتوازي مع محاولة حثيثة لاستبعاد طهران من ساحة المعركة في أوكرانيا، لكن هذه المرة يبدو على حساب العراقيين وطموحاتهم داخل برلمانهم ومستقبل بلادهم.

معركة البرلمان في العراق

اليوم، بات جلياً أمام الجميع أن واشنطن وطهران حوّلا البرلمان العراقي إلى ساحة لألعاب السيرك، حيث يتعارك فيها النوّاب أمام عدسات المصورين والصحافة، كما حوّلا قاعة البرلمان إلى ساحة لتصفية الحسابات، وواشنطن في هذه الفترة تغض النظر عن الفلتان الإيراني في المنطقة سواءً أكان قصف منشآت أرامكو داخل السعودية أو استهداف أربيل باثنا عشر صاروخاً حمل في طياته العديد من الرسائل، ومن أهمها أن مقعد الرئاسة ورئيس مجلس الوزراء هي من حصة طهران وبالتالي خط أحمر، كما تغض واشنطن وتل أبيب في الآونة الأخيرة الطرف عن فلتان الميليشيات الطائفية الإيرانية في سوريا. كل هذا لأنها تحاول تحييد طهران عن الصراع على أوكرانيا مع موسكو، بينما بكين فهي الأخرى تلقت العديد من الرسائل التحذيرية من واشنطن ومن مغبة اللعب بالنار ومحاولة الوقوف مع موسكو في أوكرانيا. فهمت اللعبة وأدركت حجم مخاطرها على أمنها القومي، وبالتالي اختصرت دعمها لموسكو بتصريحات إعلامية فقط وبالتالي تحاول تطبيق المقولة الشعبية القائلة “على قد بساطك مد رجليك”.

بالعودة إلى معركة البرلمان العراقي، فمرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني المشارك ضمن “التحالف الثلاثي” يتعرض لفيتو إيراني مباشر، فالمراقبون العراقيون يقولون على الدوام “عندما تتكم طهران في بغداد فعلى الجميع أن يصمت ويستمع”، ومنهم من يقول إن “حلفاء واشنطن أينما كانوا فهم عُرَاة”، بالتالي مرشحهم المفضل هو مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني.

وبناءً على كل ما ذكر، وبناءً على المعطيات المتوفرة فالمرشح الإيراني (إن صح التعبير) فهو أوفر حظاً بالوصول إلى كرسي الرئاسة، ولا بدّ من الإشارة إلى أن العلاقات بين واشنطن وأربيل لم تعد كما سابق عهدها، فلو علمت طهران أن صواريخها ستزعج واشنطن لما تجرأت برميها على أربيل تحت الرصد والاستطلاع الأمريكي، وتحت حجج ومبررات واهية لا أساس لها من الصحة.

الخلاصة: واشنطن وطهران متفقتان تماماً على الأقل في هذه المرحلة حول العديد من القضايا التي تهم البلدين، ويبدو أن طهران تحاول الاصطياد في المياه العكرة واستغلال انشغال الغرب بالحرب مع موسكو حول أوكرانيا. بمعنى تحاول انتزاع أكبر قدر من المكتسبات وبأقل وقت ممكن، كما يبدو أيضاً أن الأمور تتدحرج نحو (طهرنة) الرئاسة في العراق، والتمهيد لعقد اتفاق نووي فيما بينهما وبشتى الوسائل، وبالتالي إبعادها عن ساحة المعركة الرئيسية في أوكرانيا، واللافت هو دخول الحزب الديمقراطي الكردستاني في معركة انتخابية محسومة النتائج، لأن عدم فوز مرشحه بمقعد الرئاسة ليس نابعاً من ضعف شخصيته أو متعلق بعلمه وثقافته أو حتى فساده، بل هناك فيتو إيراني- أمريكي مشترك تتجاوز حدودها الساحة العراقية، وبالتالي الانخراط في هذه المعركة هو بحد ذاته نابع من ضعف الرؤية وعدم القدرة على قراءة كافة المعطيات والوقائع التي تدور في المنطقة.

بالمحصلة، ما يجري على أرض العراق اليوم من نزالات وسجالات سياسية صرعت مستقبل البلاد والعباد، ومعظم الذين تصدروا المشهد محكومون بالتبعية والولاء المطلق لهذا أو ذاك، والجميع مشترك ومُتَغطْرِس بوحل الفساد حتى أخمص قدميه، وهدف كل منهما يبرر لنفسه وسيلتها، والعملية السياسية باتت معطلة وفي خبر كان، ومؤسسات الدولة تتحكم بها المافيات وأتباعها، وما على العراقيين إلا أن يقولوا (لا حول ولا قوة الا بالله) ، (إنما أُكِلْتُ يوم أُكِل الثور الأبيض).

بقلم علي تمي: سياسي وكاتب يكتب لدى العديد من الصحف الدولية والمواقع الإلكترونية.

ملاحظة: “ما جاء في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي الموقع بالضرورة”.

مقال رأي 3
واشنطن وطهران تنقلان المعركة إلى قاعة البرلمان العراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى