الشأن السوري

قصة كنان .. يتيم القذائف العمياء في ريف درعا ..

” قتلتهم الدبابة ” لا يعرف كنان ابن الأربعة أعوام أن ألم هذه الكلمات سيرافقه ما بقي على قيد الحياة، ويسرد كنان هذه الكلمات ثم يبدأ بتمثيل ما جرى معه في تلك الليلة وكأنها تتكرر يومياً في أحلامه، فلا يكاد ينسى تفصيل منها مهما صغر.

في ليلة جمعة من ليالي آذار عاد والد كنان (زاهر) من عمله باكراً، وكان يحمل في رأسه عشرات الخطط المستقبلية محاولاً كعادته تأمين أجمل حياة لأولاده الثلاثة.

غادرت تمام العاشرة تقريباً عائلة كنان منزل ” الجَدّ ” المجاور لمنزلهم، في ليلة هادئة، يعمها السلام أو – كما كانوا يعتقدون ،يقول ماهر شقيق زاهر ” ليست سوى دقائق بعد مغادرة عائلة أخي لمنزلنا حتى سمعنا صوت قذيفتين صاروخيتين سقطتا بمكان قريب “

ويضيف ” لم نأخذ ذلك بأهمية كبيرة فمن اعتاد على المطر لا يخاف زخاته، حيث أننا اعتدنا على مدى أعوام الثورة على مثل تلك الأصوات بل وأعنف من ذلك “.

ويردف ماهر بقوله ” خرجت لأرى مكان سقوط هذه القذائف، ولم أرى شيء لأنّ الظلمة كانت تملأ المكان، بينما كان أحد جيراني يقول لي من بعيد ( قد تكون خلفكم )، ولم أعط لكلامه انتباه ” وما هي إلّا ثوانٍ حتى سمعنا صوتاً ينادي ( أمي …).

و يقول ماهر ” حينها انفصلت عن الواقع وغادرني الإدراك، وبدأ كل شيء يمر سريعاً، الناس تركض، والصيحات تعلو، وأمي تصرخ …”
” لحظات غادرني فيها الوعي تماماً، وكأني في حلم، بل هو كابوس “.

وحسب ماهر وأهله وشهود عيان كانت سقطت أحد القذائف في منزل ” زاهر ” ولسوء الحظ ولترتيب القدر جاءت تلك القذيفة في الغرفة التي ينام فيها العائلة.

ويؤكد الشهود أن القذيفة المشؤومة اخترقت شباك المنزل، وانفجرت في مكان نوم تلك العائلة، ليستشهد على إثرها كامل العائلة (زاهر و زوجته الحامل و طلفيه ذوي الست سنوات و السنة)، بينما كان ” كنان ” الناجي الوحيد من هذه الليلة الدامية.

شهود العيان والمسعفين أشاروا إلى أن والد كنان ولحظة الانفجار ارتمى فوق كنان ليحميه، وكأنّه في تلك اللحظات السريعة أدرك الموقف و أراد انقاذ أحدهم، لتكون إرادة الله أن يبق كنان شاهداً حيّاً على ما جرى.

يقول الأهل أن العائلة نقلت حينها إلى النقاط الطبية في المنطقة، إلا أن الوالدة كانت قد فارقت الحياة على الفور مع جنينها الذي لم يقدر له أن يرى هذه الحياة، أمّا الطفلان فلم يقوى جسدهما الصغير على مقاومة الألم، وفارقا الحياة أيضاً، وبقي والد كنان يحتظر لساعات حتى التفظ أنفاسه الأخيرة بالقرب من الساتر الحدودي مع المملكة الأردنية قبل أن يدخل إلى مشافيها.

أما كنان فيقول عمه ماهر ” أصيب بشظايا برأسه وجسده، تسببت له بحروق والتهابات، إلا أنه تم اسعافه وإنقاذه، وشاء الله أن يعيش”.
ويضيف ” يعاني كنان منذ ولادته من مرض بسيط ونقص بمادة الكلس بجسمه، حيث كان يخضع لعلاج مستمر لتأتي تلك القذيفة وتزيد الطين بلة وتسبب له شبه إعاقة، ويخضع كنان اليوم لعلاج فيزيائي على أمل أن تعود حركته طبيعية “.

أعمام كنان وأهله يشيرون إلى أن مصدر تلك القذيفة هو تل الجموع المحرر بالقرب من بلدة تسيل، والمنطقة كانت تشهد حينها توترات بين فصائل الجيش الحر وتنظيم الدولة الذي كان حينها يسيطر على البلدة، إلا أنّهم لم يتهموا أي فصيل مسلح وأحالوا القضية لمحكمة دار العدل في حوران لتنظر بها.

قذيفة مجهولة كانت كفيلة بتغيير حياة كنان جذريّاً، وخلال دقائق جعلته يتيم الأب والأم ووحيداً دون أخوة ليقارع الحياة، وتسببت له جروحاً وآلاماً جسدية وأكثر منها عاطفيه مدى حياته.

ويشار إلى أن محكمة دار العدل تتولى التحقيق بالقضية و وعدت بإحقاق الحق وتأمين حق كنان وأهله وتعويضه عما أصيب قدر الإمكان.

165c2468727b61202ec893e2ad49882dcbe33048cfae9eab34pimgpsh_fullsize_distr

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى