محمد حبش يتحدث عن 9 قضايا جدلية في الإسلام بينها تغيير النصوص الدينية وعدم تقديسها
يرى بعض المسلمون بأن النص الديني شيء مقدّس يأخذ به حرفياً، بينما يرى آخرون بأنه جاء للتنوير وليس للتقديس ومع تغير الأزمان هناك اختلافات يجب مراعاتها دينياً، وهو ما يتجه إليه الدكتور محمد حبش.
وأثار دكتور الفقه الإسلامي في جامعة أبو ظبي ومؤسس ومستشار مركز الدراسات الإسلامية، العالم والمفكر الإسلامي السوري، الدكتور محمد حبش، جدلاً من خلال ما يقوم بالعمل عليه ويلاقي انتقادات من تيارات دينية مختلفة، إلا أنه يواصل نشاطه من أجل التجديد والتنوير الديني.
وللحديث عن ذلك التقت “وكالة ستيب الإخبارية”، الدكتور محمد حبش، الذي شرح تلك المواضيع الجدلية التي يثار حولها النقاش.
الفن والغناء حلال برؤية محمد حبش
يوضّح الدكتور محمد حبش خلال حديثه لوكالة “ستيب الإخبارية” أنّ الفن والغناء والموسيقا قيم اجتماعية وحضارية حقيقية، تنصب لها الأمم المتحضرة المسارح والأوبرا والمنصات وتعتبرها مركزاً للكنوز الروحية والجمالية.
ويقول: هذه القيمة قدر مشترك بين جميع أبناء الإنسانية، ومن المؤسف أن هذا المعنى مرفوض من قبل الخطاب السلفي التقليدي، استناداً إلى نصوص مختلفة تأمر بمنع الغناء والموسيقا والمعازف.
ويضيف: قناعتي أن الدين لا يمكن أن يكون عدواً للجمال والقيم والحضارة ولا بد أن يكون رائداً في إحياء قيم الجمال والمشترك الروحي الإنساني، وقد قدمت دراسة مطولة في ذلك في كتابي المرأة بين الشريعة والحياة، وأثبت فيها بالدليل القاطع أن كل ما ورد في تحريم الموسيقا لا يعدو أن يكون صريحاً غير صحيح، أو صحيحاً غير صريح، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال وليس في نصوص الإسلام صحيح صريح ينص على تحريم الموسيقا.
ويؤكد الدكتور محمد حبش أن المدينة المنورة في عصر الصحابة كانت مركزاً للإبداع الفني، وقد ورد في الصحيحين من ذكر المغنين والمغنيات في عصر الرسالة وفيهم من الرجال أنجشة وابن أم مكتوم، ومن النساء وحمامة وأرنب وجميلة.
ويتابع: وكلهن غنين بحضرة الرسول الكريم، وأثنى عليهن، وفي عهد الصحابة الكرام ظهرت مغنيات فريدات وأشهرهن عزة الميلاء التي كانت مولاة لحسان بن ثابت وكان ابنه عبد الرحمن يتخير لها روائع شعر أبيه فتغنيها في أجواء بالغة الأناقة والطهارة والنقاء، وقد سميتها أم كلثوم الأولى.
ويشير إلى أن الفقهاء نقلوا إباحة الغناء والمعازف بشكل واضح عن عشرات الأئمة في الإسلام ومن أبرزهم ابن حزم والشوكاني وابن القيسراني وعبد العزيز بن الماجشون وعشرات من الأئمة.
ويرى الدكتور محمد حبش بأنه حاول إنهاء هذا الاشتباك الموهوم بين الوسط الفني والوسط الديني، معتبراً أنه انقسام ضار بالأمة “وحدةً وجماعةً”، ولا يمكن أن يكون تأسيساً لمجتمع متماسك سليم.
التجديد الديني والتوافق مع الواقع الجديد
يؤكد الدكتور محمد حبش أن النص القرآني نور يهدي لا قيد يأسر، نستنير به ولا نتحنط فيه، ومن حقنا أن نوقف العمل بنصوص قرآنية ونبوية إذا كانت ظروف العصر تختلف.
ويقول: هذا أمر جرى في التاريخ باستمرار، فقد توقف تلقائياً الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، وتوقف الأخذ بالجزية وتوقف الحكم بالعبودية والرق وملك اليمين وكل هذه المسائل منصوص عليها في القرآن الكريم ولكن فقهاء الإسلام المبار تجاوزوها بمنطق: تتغير الأحكام بتغير الأزمان.
ويضيف: نور يهدي لا قيد يأسر، هكذا اخترت عنوان رسالتي في العلاقة مع التاريخ الإسلامي، وهي قراءة تستنير بالماضي على بصيرة، ومع أنها تباهي بصانعي المجد من الآباء ولكنها تحاكمهم وتمارس عليهم النقد العميق وترفض بشدة ثقافة التصنيم.
ويوضّح أن ” نور يهدي لا قيد يأسر” هي علاقة واعية وبصيرة للتعامل مع القرآن الكريم ومع السنة النبوية الشريفة واجتهادات الفقهاء وإجماعهم، وستقدم هذه الدراسات الصورة الواعية التي تمنحنا التوازن بين النص والرأي، وتنجز احترام النقل واتباع العقل.
ويشير إلى أنها بالضبط القراءة التي مارسها كبار فقهاء الإسلام عبر التاريخ وعلى الرغم من تسليمهم المطلق بربانية الوحي، ولكنهم رسموا ملامح النسخ فيه والتقييد لمطلقاته والتخصيص لعمومه والتأويل لظاهره، ولجأوا إلى التوقف والقول بالمتشابه فيما لا يستقيم تفسيره، واختاروا أن يحتكموا ببصيرة وهدى إلى نور البرهان ونجحوا في منح العقل منصته الخلاقة لاختيار الصلاح والأصلح في حياة الناس.
ويتابع: نور يهدي لا قيد يأسر هو المنطق الإيجابي للتعامل مع النص المقدس، واحترام دوره الهائل في بناء حضارة حقيقية هي أكثر أيامنا وتاريخنا إشراقاً وحضوراً، وهو قائم على الثقة بالاجتهاد التاريخي الذي قام حول النص، والتعامل معه بعقل رشيد، دون تحطيم ولا تصنيم.
ويستطرد بالقول: نور يهدي لا قيد يأسر هو منهج مارسه الإجماع الإسلامي في أكثر من 300 صورة، تعامل فيها الفقهاء الراشدون مع نص الوحي برشد واحترام، يرتلون نصوصه بإجلال وخشوع، ولكنهم ينجزون الأصلح للناس والأقرب إلى مقاصد العدل والإحسان، وقاموا بثقة واقتدار بصرفه عن ظاهره وذهبوا إلى حكم العقل وخبرة الأمم ونور الحياة.
ضرورة وضع دراسات نقدية للسلف
يرى الدكتور محمد حبش ان من أبرز ما يجب القراءة فيها في التجديد والتنوير الديني هو وضع دراسات نقدية في “السلف الصالح” على اعتبار أنهم غير مقدّسون وفيهم الصالحون والطالحون.
ويقول: السلف الصالح كلمة تُطلق على أهل القرون الثلاثة في صدر الإسلام، ويوصفون بأهل القرون الخيرية، وهم الذين يطالب بعض المشايخ بمنحهم صفة القداسة والتبجيل بصفتهم أهل الله وصفوته من خلقه ومحل الاعتبار والقدوة لكل جيل.
ويتابع: ولعل أشدّ ما ابتليت به هذه الأمة هو الغلو، وهو ممارسة نهى عنها القرآن الكريم بصريح العبارة، (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق)، ولكن هذه الأمة في سياق هبوطها الكارثي باتت تنظر إلى الماضي على أنه سلسلة عجائب قدّستها السماء وحفّتها الملائكة وصلى لها القديسون. وبقدر السقوط الحضاري في الحاضر؛ كان التبجيل الميتافيزيقي للماضي، فصار كل شيء مقدساً، النصوص مقدسة والصحابة مقدسون والسلف مقدس والرواة مقدسون وحروب الردة مقدسة والغزوات مقدسة والخلفاء مقدسون.
ويشير إلى أنه صار أي نقد إيجابي يتوجه إلى الماضي يعتبر عدواناً على الدين وعبثاً بالثوابت، وكأن إرادة الله وقوته وجبروته أضاءت بضع سنين من التاريخ ثم حكمت على الأجيال بالظلام والهوان إلى آخر الدهر.
ويوضّح أن السلف كالخلف، أمّة من الأمم فيهم الصالحون وفيهم الطالحون، وفي أيامهم مجد وفي أيامهم عار، وكل محاولة لوصفهم بالكمال المطلق فهي إهانة لهم وتشويه للتاريخ والعقل، وكل محاولة لوصفهم بالشر المطلق فهي إهانة لهم ولنا وجحود للتاريخ والواقع، معتبراً أن السلف ناس رائعون، ولكنهم ناس كالناس ليسوا أنبياء ولا ملائكة، فيهم أهل الرواية والترتيل، وفيهم أهل الفن والطرب، وفيهم أهل السياسة والحرب، وفيهم أهل الفقه والأدب، وفيهم فاشلون خائبون لا في العير ولا في النفير.
ويلفت إلى أن كل ناجح في فنه وكل ناجحة يستحق الاحترام، والدراسات النقدية للسلف ضرورة حتمية وواجب أخلاقي، مشدداً على أنه يجب أن نحترم به من يستحق الاحترام، ونشير إلى من أساء إلى تاريخنا وديننا، وبذلك يحترمنا أبناؤنا ويحترمون دينهم وتاريخهم.
صراع المذاهب في الإسلام
لم يعد يخفى على أحد وجود تقسيمات طائفية في الإسلام استغلها البعض للع على أوتار الفتنة وإشعال الحروب والمعارك الدامية بدعوات ليس فيها من الحقيقة سوى نصوص منقولة لا يعلم صحّتها إلا الله.
يقول الدكتور محمد حبش: السنة والشيعة والمعتزلة والخوارج هي قسمة رباعية عرفت في فجر الحضارة الإسلامية ولا زالت إلى اليوم فالمعتزلة هم العلمانيون والخوارج هم المتشددون والسنة والشيعة سواد المسلمين الأعظم وتناوسوا تاريخياً بين الحكم والمعارضة.
ويشدد على أن الإسلام يتسع للجميع، وعلينا أن نتوقف عن الأوهام الانفعالية التي تجعلنا نقيم أنفسنا قضاة لا هداة ونحكم على الناس بالإسلام والكفر لمجرد اختيارهم مذهباً من المذاهب.
ويضيف: لقد توالى المتعصبون في النفخ في نار الكراهية بين المذاهب الإسلامية حتى انفجر هذا الشقاق حروباً لا تنتهي، ولعل اسوا أزمة يعيشها العالم الإسلامي هي أزمة الصراع بين السنة والشيعة وهي سبب جوهري في الحروب الدائرة على الأقل في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ونحتاج لأصوات من العقل والوعي تتجاوز الماضي بكل ما فيه وتتطلع إلى المستقبل.
ويشر إلى أنه في المسألة الطائفية كلما تحدثنا في الماضي اختلفنا وكلما تحدثنا في المستقبل اتفقنا وهذه هي الحقيقة.
التجديد في النصوص القرآنية
يعتبر الدكتور محمد حبش أن القرآن الكريم وحي من الله أشرق به في قلب النبي الكريم محمد عليه السلام، وهو الإشراق نفسه الذي شعر به الأنبياء والحكماء والفلاسفة خلال التاريخ، ولا زال إلهاماً في الأرواح النقية والقلوب السليمة.
ويقول: القرآن نص أدبي وتربوي، ولذلك فهو حمّال أوجه ويحتمل تأويلات كثيرة وهو ليس كتاباً حقوقياً قانونياً صارماً بحيث يكون له تأويل واحد، وفيه آيات محكمات هن أم الكتاب وفيه آيات متشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله، وهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً.
ويضيف: ليس في القرآن الكريم تفاصيل وافية عن العبادات والمعاملات، بل فيه إشارات ملهمة، لا يتكون منها نظام كاف للحياة، وبالتالي فإن هذه النصوص هي نور يهدي وليس قيداً يأسر، أما العبادات فيتم استكمالها بما روي من الأحاديث الكريمة وهدي العارفين بالله، وأما المعاملات فقد حكم عليها الرسول الكريم بقوله أنتم أعلم بأمور دنياكم، والأمة ببرلماناتها ومجالس التشريع فيها تسترشد بنوره ولكنها تحتكم إلى مصالح الناس وقواعد العقد الاجتماعي.
ويتابع: والقرآن نص مقدّس ولكنه محكوم بالزمان والمكان، تقيده أسباب النزول وظروف التنزيل، وقد تعرضت عشرون آية منه للنسخ في حياة الرسول، كما استمر الفقهاء في تحديد مناطه وظروفه ودلالاته ولأجل ذلك ابتكروا منطق تخصيص العام وتقييد المطلق وتأويل الظاهر والقول بالمتشابه، وفي سائر الأحوال فهو أيضاً حقيقة ومجاز.
ويلفت بذات الوقت إلى أن النظر إليه على أنه نص قانوني وكتاب حقوقي يفصل كل الأحكام ويلزم كل زمان ومكان فهو موقف غلو ومبالغة، وهو المقصود بوصية القرآن: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق.
التحول من عبادة النص إلى الاستنارة به
يتساءل الدكتور “محمد حبش” هل كل نصوص الكتاب والسنة يصح العمل بها؟ وهل يتعين على الهيئة الدستورية واللجان القانونية أن تلتزم ظاهر النص كما تدل حروفه؟ وهل إننا حين لا نحتكم إلى ظاهر النص نحكم بغير ما أنزل الله ونتبع الطاغوت؟ وهل يعتبر التشريع الذي يتجاوز نصًا قرآنيًا أو نبويًا تشريعًا كافرًا؟
ويقول: الأمة الإسلامية بوعيها الحضاري لم تتعامل مع القرآن على أنه صنمٌ يعبد، ولم تمضِ إلى إطلاقاته بالطريقة التي يتعامل بها التيار السلفي اليوم، بل كانت واضحة في بناء الحياة وتشريع القوانين على أساس من مصلحة الناس، بغض النطر عن السياق الذي ورد فيه ظاهر النص، كتابًا أو سُنة، ولا يوجد مذهب إسلامي من المذاهب المعتبرة إلا وله مشكلة مع عشرات النصوص في الكتاب والسنة، ولكنه يتعامل معها بواحد من هذه المسالك الخمسة.
ويشرح بأن أبرز المسالك التي سلكها الفقهاء المسلمون عبر التاريخ، لوقف إعمال ظاهر النصوص بشكل أساسي، هي خمسة: باب النسخ، وباب المجاز، وباب التخصيص، وباب التقييد، وباب التشابه.
ويضيف: عبر هذه الأبواب الخمسة أمكن للفقهاء الكرام أن يتجاوزوا ظاهر النص أكثر من مائة مرة وقدموا الحلول الحقيقية والواقعية للمجتمع دون أن يتنكروا للقرآن الكريم وفي الوقت نفسه دون أن يتحفظوا في إساره.
ويوضّح أن المجادلين سيقولون إنها وصفة جاهزة للتخلي عن القرآن، ينما يجيب عليهم بأنه السبيل الوحيد لدرء تعارض العقل والنقل، وأنها العودة إلى ما انتهجته الدول الإسلامية الناجحة كلها خلال التاريخ، قبل قيام الحركات السلفية الظواهرية، وأنها الاعتدال والكف عن الغلو في الدين الذي ذمّه القرآن في عشرات النصوص.
ويتابع: قناعتي أنها الوصفة الوحيدة لاحترام القرآن وترتيله وتقديسه وإجلاله، ليس كنص سحري فوق العقل وفوق العلم، بل كنص تاريخاني أدبي فيه هداية وحكمة ونور تحتاج إليه الأمة، حين تقتحم المشهد الحضاري بعقول منفتحة وإرادة بصيرة وشورى ديمقراطية صحيحة.
نصوص تثير الجدل وتحتاج للتغيير
يؤكد الدكتور محمد حبش أن هناك نصوص مثل أحكام الزواج والطلاق والتعدد والميراث من أقل المسائل تغيراً وتطوراً، وهي لا تشبه التطور المتسارع مثلاً كما في التجارة والبيع والانتقال والارتحال التي تغيرت جذرياً، معتبراً أنه ومع ذلك فإن الفقهاء حققوا تطوير كل شيء خلال التاريخ الإسلامي، ومن الممكن تطوير أحكام النكاح والطلاق والميراث باستمرار عبر أدوات الفقه الإسلامي.
ويقول: تم تأصيل الاستحسان في القرن الثاني على يد الإمام الجليل أبي حنيفة النعمان الذي يعتبر مؤسس علم الفقه الإسلامي، حيث أطلق قدرة المسلم في الاستحسان بعنوانه الكبير: هو اجتهاد ينقدح في عقل المجتهد يعسر التعبير عنه، أو هو ترك ظاهر النص والتزام مقاصده، أو بتعبير أشهر: ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس.
ويضيف: كان المعتزلة يفسرون هذا الموقف العقلاني ويكتبون بوفرة حول وجوب الثقة بالعقل في اختياراته، وتطوير الاستدلال به للوصول إلى العقل الجماعي التشريعي (البرلمان)، وقد أخذ بهذه المناهج عدد من الخلفاء المتنورين وعلى رأسهم الوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز والرشيد والمأمون والمعتصم، وكانوا يرسمون أسس الدولة الحديثة وفق نور العقل وتجارب الأمم مع الاحترام المطلق لنصوص الكتاب العزيز والسنة المشرفة.
ويتابع: وفيما بعد تم تأصيل هذا المنهج بلغة فلسفية محكمة عبر فلاسفة الإسلام الكبار وبشكل خاص ابن سينا والفارابي وإخوان الصفا والبيروني وابن رشد في السياق الأبستمولوجي والجمع بين نور الوحي ونور العقل، فيما قام الفقهاء بتقرير المسائل أصولاً وفروعاً في السياق الحقوقي، واستطاعوا أن يعدوا نظاماً متكاملاً لتطوير الشريعة والجمع بين الدليل النقلي والدليل العقلي، عبر ما أسموه مصادر التشريع الإسلامي وقد بلغت عشرة مصادر، منها ثلاثة تلتزم النص مباشرة أو تبعاً وهي الكتاب والسنة والقياس، فيما تتحرك سبعة مصادر أخرى في إطار العقل وهي الإجماع والاستحسان والاستصلاح والاستصحاب والعرف والذرائع والمقاصد.
ويرى “محمد حبش” أن العالم الإسلامي في صعوده الحضاري استطاع أن يتجاوز القيود التي فرضها التعصب وينطلق إلى آفاق رحبة للبحث عن حلول، وإذا كانت مسائل العبادات والغيب ظلّت نصية، فإن شؤون الحياة والمعاملات بالكامل تم تطويرها باستمرار على ضوء قول النبي الكريم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، ينما يؤكد أن المشكلة تتمثل في أننا نعمد إلى منهج انتقائي في قراءتنا للتاريخ الإسلامي بحيث نعمد إلى أشد الآراء تطرفاً وظلامية فنحمل الأمة بأسرها وزر ذلك، وكأن ليس في التاريخ الإسلامي غير هذا الخيار.
ويقول الدكتور محمد حبش: إن حالة الانفتاح و”الديمقراطية” كانت دائماً تواجه مداً ظاهرياً يشتد آنياً، أيام مجد الحضارة الإسلامية، وأن الاتجاه الظاهري الماضي إلى إلغاء الآخر وتطبيق ظاهر النص بدون اعتبار المصالح هو تيار منهزم عبر تاريخ المجد الإسلامي.
موضحاً أن الحديث عن رعاية المصالح وهو ما يمكن تسميته بلغة العصر “الإرادة العامة” قديم في الفقه الإسلامي، وهو مؤصل بالصيغة ذاتها في فقه المالكية والحنابلة، ويعبر عنه في الفقه الحنفي بصيغة أكثر مقاصدية وإن تكن أقل تشاركية بالاستحسان، وهو عند أبي حنيفة تسعة أعشار العلم، بل مضى الحنفية إلى تأصيل العرف مصدراً من مصادر الشريعة وكذلك المالكية والحنابلة.
مؤسسات الدين الإسلامي ودورها التغيير
يعتبر الأزهر أحد أبرز المنابر الإسلامية في العهد الحديث من خلال علمائه ومشايخه، وكان مؤخراً الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أحد أكبر الركائز التي يستنار بها في الإسلام من خلال رؤيته المعتدلة وأفكاره الوسطية.
يقول الدكتور “محمد حبش”: لا شك أن الشيخ الطيب بارك الله بحياته يمثل إحياء للدور التنويري للأزهر الذي قاده أعلام الإصلاح منذ الشيخ محمد عبد ه والشيخ عبد العزيزي المراغي وغيرهم من أئمة الأزهر المتميزين.
ويضيف: وفي خطواته المتسارعة والجريئة باتجاه إخاء الأديان وكرامة الإنسان، وإعلان وثيقة الأخوة الإنسانية مع البابا فرنسيس أعتقد انه بذلك قد خطا خطوات كبيرة ووضع قيم الإسلام على المنصات الدولية.
ويؤكد أنه يجمع بين الرغبة في التجديد والتنوير والقدرة على التمسك بالجذور، متمنياً له التوفيق والنجاح بهذا التحدي.
الإسلاموفوبيا في الغرب
لم يمر زمن بعيد على ما حصل من توترات عاقبة تصريحات الرئيس الفرنسي التي وصفت بالعدائية ضد الإسلام، فما الذي يجعل الغرب يخافون من الإسلام؟
يجيب الدكتور محمد حبش: لا أوافق أبداً على فكرة أن العالم يتآمر على الإسلام، ولا أعتقد أن ما قامت به الحكومة الفرنسية يستدعي أي سبب للقطيعة والكراهية، فالفرنسيون تعرضوا لسلسلة عمليات إرهابية إجرامية انطلقت باسم الدين الإسلامي، وقد فرض عليهم ذلك نوعاً من الحذر من الحركات الإسلامية، وهم يقومون بحفظ امنهم ويضيقون على الحركات المتطرفة والمريبة منعاً لحدوث جرائم أخرى.
ويضيف: طرحت ذلك في دراسة سابقة وأكدت رؤيتي مراراً أن الإسلام في العالم في عافية وخير، وأن دول العالم دون استثناء تعترف بالإسلام وتحميه، ومآذن الإسلام باتت شامخة في كل عواصم الأرض، ولا سبب لافتراض مؤامرة كونية ضد الإسلام، فالعالم بات في عصر من الحضارة والقانون يمنع تآمر الدول على الأديان، فالأديان يحميها القانون الدولي، والإسلام بمساجده ومدارسه وجامعاته وقنواته الفضائية ينتشر في كل عواصم الدنيا، ولا سبب لتصور المؤامرة على الإسلام.
ويشير بذات الوقت إلى أن البعض يؤكدون أن المؤامرة على الإسلام مستمرة وأنها باتت مشروعاً عالمياً تقوده الماسونية العالمية، ويشارك فيه مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة وأوروبا وأمريكا، وأن هدفهم القضاء على الإسلام وسحق المسلمين.
ويتابع: لقد أمضيت أسابيع أفكر في هذا المعنى، فأنا أثق بوعيهم ودينهم وعقلهم، ولكنني أثق أيضاً بعقلي ورؤيتي ولكن لماذا لا نكاد نتفق في شيء؟،و بعد حوارات طويلة بت أدرك معهم أن هناك بالفعل مؤامرة على الإسلام، وأستطيع القول إنها ممارسة علنية ودستورية ومباشرة معززة بقرارات دستورية وبرلمانية، وتشترك فيها بالفعل الأمم المتحدة والدول الرائدة. نعم هناك استهداف للإسلام.. ولكن أي إسلام؟
ويجيب الدكتور “محمد حبش” على التساؤل معتراً أن الإسلام الذي يرى أن علينا قتال الأمم حتى يقولوا لا إله إلا الله فيعصموا دماءهم وأموالهم هو بالفعل إسلام مستهدف تقف أمم الأرض كلها ضده.
كما أن الإسلام الذي لا يؤمن بالقانون الدولي يرى أن من حق أفراده حمل السلاح والجهاد في سبيل الله في أي مكان يختارونه من أرض الكفر لإقامة دولة الخلافة وهدم الأنظمة البرلمانية الكافرة هو إسلام مرفوض.
ويشدد على أن الإسلام الذي يرى أن من واجب أفراده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغيير المنكر باليد واللسان بدون صفة ضابطة قضائية هو إسلام غير مقبول وسيدخل المجتمع في الفوضى والعنف. والإسلام الذي يرى أن عبادة الله تكون في لعن النصارى واليهود وتخصيص خطب الجمعة للهجوم عليهم وتحقير كتبهم وأديانهم، هو إسلام مستهدف.
ويواصل قائلاً: الإسلام الذي يعلم الناس وجوب البغض في الله وأن 999 بالألف من البشر هم حطب جهنم ولا تجوز محبتهم ولا ودهم هو إسلام خطير بالفعل. والإسلام الذي يرى أن المرأة كلها عورة من رأسها إلى أخمص قدميها وأنها ملزمة بالنقاب في كل أحوالها لا يجوز أن ترى الرجال ولا يراها الرجال، وأنها فتنة يستشرفها الشيطان إن أقبلت وإن أدبرت، وهي زانية إذا تعطرت، هو إسلام خارج المنطق، وخارج الواقع ومن الطبيعي أن يرفضه العالم المتحضر والمسلم المتنور أيضاً.
ويختم الدكتور محمد حبش أنه “في المشهد العالمي الحديث تبدو فكرة المؤامرة سخيفة وخائبة، ومحض تبرير نعلل به فشلنا وتأخرنا عن ركب الأمم”.
حاوره: جهاد عدالله