مقال رأي

اليوان الصيني في الخليج..الدولار يتهاوى..اللعبة بدأت

من قال إنَّ مفاتيح الاقتصاد لن تستطيع فتح أقفال السياسة وأبوابها المتمترسة خلف معاهدات واتفاقات وتحالفات تجعل من الاقتصاد بوابة لمتغيرات جيوسياسية كبرى تُطيح بما هو كان قائماً لتبدأ اللعبة بشروط جديدة ولاعبين جُدد في أساسيات مدعمة في الأنظمة السياسية وأبجدياتها من أن لا صديق دائم ولا عدو دائم وإنما مصالح مشتركة.

تلك المصالح التي بدأت ترسم ملامح تحالفات الدول واستراتيجيات إقتصاداتها قد يجعلها تُعيد التفكير في قراراتها وأمزجتها السياسية بِحلّة جديدة ترسم خارطة سياسية بألوان مختلفة، وها هو العالم السياسي الذي كان يحكمه قطب واحد المتمثل بأمريكا بفرضها لقوة التبعيّة الاقتصادية على من تدّعي أنهم شركائها أو حلفائها من خلال ربط العملية النقدية لبلدانهم بحركة الدولار قد بدأت هذه التبعيّة تتعثر في خطواتها وتتجنب المضي في طريق مجهول تُحدثه تبعات اقتصادية ترتبط بانهزام سياسي وعسكري لذلك القطب قد يُطيح حتى باقتصاده.

ما أُشيع مؤخراً عن النيّة في وجود إتفاق لدخول اليوان الصيني إلى أسواق النفط السعودي ما قد يفتح الباب لولوجه لأسواق خليجية أخرى قد يكون بداية حقيقية لفك شراكة الريال السعودي مع الدولار الأمريكي في مقدمات توحي بتباعد سياسي يبدأ بفض التبعيّة النقدية السعودية للدولار الأمريكي. محاولات السعودية لتسعير بعض مبيعاتها من النفط باليوان للصين يعطي مصداقية لنيّة هذا البلد الخليجي في تأسيس نظام اقتصادي جديد يعتمد في دخله على تنوع بمصادر العملة ويبعد عنه ذلك التأثير السياسي المخيف الذي كانت تمارسه أمريكا على دول الخليج من أجل الدخول بحروب الإنابة حتى ولو كانت إقتصادية لمصلحة أمريكا.

ما أفادت به صحيفة (وول ستريت جورنال) من رفض ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طلباً أمريكياً بشأن زيادة إنتاج النفط لتقليل أسعاره عالمياً في ظل الارتفاع الذي رافق الغزو الروسي لأوكرانيا يوحي بأن النفط قد يستعيد دوره في أن يكون سلاحاً فعالاً في الحرب كما أُستخدم ذلك السلاح في حرب تشرين عام 1973 وتؤكد الصحيفة أن محمد بن سلمان رفض إجراء إتصال هاتفي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو ما يؤكد من نشوء أزمة اقتصادية ستتبعها سياسية.
الرياض بدأت تُعيد حساباتها خصوصاً بعد الانسحاب الأمريكي المخزي من أفغانستان وترك هذا البلد فريسة سهلة للمتشددين وتسليمهم مقاليد الحكم وهي التي كانت تحاربهم حتى في جبال وكهوف أفغانستان، ما عزز إعادة التفكير السعودي بعلاقتها مع أمريكا ذلك الانهزام السياسي والعسكري الذي رافق الموقف الأمريكي من الأزمة الروسية-الأوكرانية، وهي التي كان يُعتقد أنها شرطيّ العالم لتتضح الصورة بأن هذا الشرطي ليس سوى عجوز مسكين.

اليوان الصيني سيدخل الأسواق الخليجية عاجلاً أم آجلاً بفعل محاولات بكين إقناع الرياض الدفع باليوان الصيني مقابل النفط السعودي وهي مقدمات توحي ببدايات جيدة تبعد اقتصادات تلك الدول عن التقلبات في المواقف وتضمن الاعتماد على اليوان كعملة تجارية لخصوم الولايات المتحدة مثل روسيا والصين لضمان حيادية الدول الخليجية وللمساعدة في التقليل من التأثير على العقوبات الأمريكية وأضرارها الاقتصادية خصوصاً وإن المؤشرات توحي بفرضية زيادة المعروض من النقد الأمريكي لمواجهة التحديات المستقبلية والخشية من انهيارات اقتصادية لدول يحكمها الدولار، وقد تتخذ بعض الدول الخليجية نفس قرارات السعودية في عمليات تصدير نفطها باليوان لتكسر حاجز هيمنة الدولار في أسواق النفط الخليجية.
في المحصلة اللعبة السياسية بدأت بعناوين اقتصادية ترافقت معها احداث ذات مغزى سياسي و اقتصادي لا ينفرط بعد قيام بشار الأسد بزيارة إلى الإمارات المتحدة وذلك التحدي من الطرفين للإنزعاج الأمريكي والسخط من هذه الزيارة وهو ما يوحي خروج هذا البلد الخليجي عن سلطة القرار الأمريكي ومحاولة التقرب من رئيس النظام السوري.
في خضم هذه الأحداث وما يجري في دهاليز السياسة من صفقة روسية-صينية ذكرتها وكالة مهر الإيرانية يجري التمهيد لها من أجل إقناع الحكومة الإيرانية لحث اليمنيين للتفاوض وإعلان تسوية شاملة وإنهاء حالة الحرب في اليمن تمهيداً لاتفاق شامل يكون جزءاً من صفقة كبرى في المنطقة تحت رعاية روسية-صينية قد يرسم في المستقبل القريب خارطة سياسية جديدة (شرق أوسطية جديدة) مع خلطات سياسية واقتصادية تُعيد التموضع للتحالفات القديمة وإنتاج سياسات جديدة تبعدها عن هيمنة القطب الواحد.
لكن الغريب والمثير للاستغراب هو أن هناك دولاً لازالت تستعبد اقتصادها وتجعله عبداً ذليلاً للدولار الأمريكي وتهين عملتها كما يفعل العراق لا لشيء سوى مزيداً من الانبطاح لمقررات صندوق النقد الدولي أو لارتباط بعض ساسته بتبعيّات وولاءات لمن جاء بهم وأجلسهم على كراسي الحكم، فما زال هؤلاء مُصرّين على إذلال عملتهم رغم كل الصور والمشاهد التي توحي بمتغيرات جذرية، وهو ما يؤكد أنهم لم يستوعبوا الدرس جيداً أو أنهم في المراحل النهائية من الغباء السياسي وتلك هي المصيبة.

المقال للكاتب العراقي: سمير داود حنوش

ملاحظة: “ما جاء في المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى