أبو أحمد عاش أسوأ لحظات حياته على الإطلاق: "اتصلت بي عصابة باسم الاستخبارات التركية وطلبت مني الذهاب إلى مقر أمني بتهمة العثور على الكملك الخاص بي في وكر للإرهابيين. لحظة خروجي داهمت عناصرها منزلي وأدخلت أسرتي الصغيرة في حالة رعبٍ وذعر. ثمّ أخذوا كل ما أملك كل ما أملك".
تحت اسم "نصاب ابن الحرام" سجل عشرات اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا رقم أحد أفراد عصابة مجهولة، اتصل بهم محاولاً استغلالهم باسم الأجهزة الأمنية والجهات الرسمية التركية. ففي وقت كان البعض منهم يقظاً وقع آخرون كما "أبو أحمد" في شباكه.
[caption id="attachment_533835" align="alignnone" width="747"]

رقم أحد أفراد العصابة.. أسماه اللاجئون السوريون بـ"نصاب ابن الحرام"[/caption]
للتحقق من هذه القضية التي أرّبكت اللاجئين السوريين وحولت حياة بعضهم إلى جحيم، تواصلت وكالة ستيب الإخبارية مع عدّة أشخاص مقيمين في تركيا -تعرضوا لعمليات نصب واحتيال باسم الجهات الرسمية- يقول هؤلاء إن صاحب الرقم المجهول يعمل ضمن عصابة؛ إذ يقوم بشراء أرقام اللاجئين السوريين من مكاتب تحويل العملات أو المطاعم التي تقدم خدمة الزبائن "الدليفري".
وتصل في الكثير من الأحيان إلى أن تشتري العصابة صور الكمالك الخاصة باللاجئين السوريين، وبالتالي تستفيد منها في اقتناء رقم هاتف باسم أحد هؤلاء اللاجئين. هنا وعند أي شكوى على الرقم يكون اللاجئ السوري هو المتهم الأول وتخرج العصابة من القضية مثل "الشعرة من العجين" كما يقول هؤلاء اللاجئين لوكالة ستيب.
ويعتبر الرقم الشخصي المحمول للأفراد بأهمية الرقم الوطني التركي "T.C" سواء أكان الفرد مواطناً أم لاجئاً.
يقول محمد الصابوني أحد الذين اتصل بهم صاحب الرقم المجهول، وهو لاجىء سوري: "في حياتك اليومية بتركيا الرقم الشخصي مطلوب أكثر من اسمك. فعليه تثبت حسابك البنكي وأمور أخرى مثل إرسال الفواتير التي تشتري بها الملابس أو الطعام وغير ذلك من الأمور الكثيرة".
ويعتبر بيع أرقام الزبائن بين عمّال التوصيلات "الدليفري" أمراً شائعاً ومربحاً جداً للتسويق التجاري وغالباً ما تقع هذه الأرقام بيد العصابات التي تبدأ مهمتها في استغلال اللاجئين السوريين، وفقاً لمحمد الصابوني (وهو اسم مستعار).
ويضيف: "في يومٍ من الأيام السابقة اتصل بي رقم مجهول، أخبرني أنه موظف في أحد البنوك وسألني إذا ما كنت أريد فتح حساب لديهم وقدم لي إغراءات عدّة؛ منها عدم أخذ رسوم الاشتراك مني، وعندما رفضت عرضهم حاول جاهداً أخذ عنوان منزلي ولكنني كنت يقظاً لمثل هذه الأمور".
الصابوني ألقى جزءاً كبيراً من المسؤولية على الحكومة التركية تجاه ما يحدث: "في الحقيقة الحكومة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية تجاه الذين يقعون ضحية الاتصالات المجهولة التي تتحدث باسم الاستخبارات أو أي جهة أمنية، لأننا عندما نستلم بطاقة الكملك لا يتم تنبيهنا على أهميتها وخطر انتشارها".
من جهته، يقول لاجىء سوري آخر مقيم بمدينة إسطنبول فضل عدم الكشف عن اسمه، إنه تلقى مكالمة من إدارة الهجرة وطلب منه الموظف بعض المعلومات عنه.
ويتابع: "عندما سألت الموظف عن اسمه لأزيل الشكوك، تردد قليلاً ثم قال إن اسمه عثمان، وطلب بعد ذلك مباشرةً عنوان منزلي، ولكنني قلت له فوراً إنني حجزت موعداً مسبقاً لدى إدارة الهجرة وسألقاك هناك يا عثمان، فجأة ارتبك وأغلق الهاتف".
والأسبوع الماضي أيضاً، تلقت اللاجئة السورية زهراء الموسى (اسم مستعار) مكالمة هاتفية أخبرها المتصل بأنه عنصر في الاستخبارات التركية، وقال إنه وجد هويتها بمكان يُشتبه بأنه وكرٌ لإرهابيي تنظيم داعش.
وخلال حديثها، قالت اللاجئة السورية إنها أغلقت الهاتف فوراً، وحذرت من أن العصابة تحاول إقناعك من خلال وضع لاسلكي قرب الهاتف لتثق بأن الاتصال من مركز أمني وبالتالي تقع في شباكهم.
رغم أن الموضوع بات مألوفاً نوعاً ما، إلا أن شريحة واسعة من اللاجئين السوريين بتركيا لا يزالون يجهلون ما يحدث وسبب ما يحدث لهم من عمليات نصب واحتيال أو حتى تهديد؛ إذ أنهم يتعاملون مع وثائقهم الرسمية بطريقة غير مأمنة ويعطونها لأي جهة تطلبها منهم دون معرفة ما قد تشكله من خطر عليهم لاحقاً.
يروي "أبو أحمد" تفاصيل حادثة مؤلمة جرت معه قبل أشهر؛ فبينما كان نائماً لأخذ قسطٍ من الراحة بعد عودته من العمل، إذا باتصالٍ هاتفي من رقم مجهول يوقظه من نومه العميق، وعندما فتح الاتصال سمع صوت جهاز لاسلكي وأشخاص يتكلمون التركية.
ويضيف: "أصابتني نوبة خوف وأنا أسمع هذه الأصوات. ثم قلت من معي ليرد أحدهم بصوتٍ خشن: نحن من الاستخبارات التركية هل أنت فلان ابن فلان؟، أجبته: نعم أنا هو".
ويتابع: "بعد ذلك سألني عن عدد أطفالي واسم زوجتي ومكان عملي. قلت له عن أسمائهم وأعمارهم جميعاً وأنا أرتجف خوفاً. قال لي: وجدنا صورة عن الكملك الخاص بك في مكان كان وكراً للإرهابيين، مستفسراً عن السبب".
ويزيد: "رغم أنني أقسمت له إنني لا أعلم شيئاً عما يتحدث عنه، إلا أنه صرخ في وجهي وقال لي اسكت وأجب عن الأسئلة فقط ولا تضيع وقتنا بالقسم. بعد ذلك سألني عن عنوان منزلي وإذا ما كنت متواجداً فيه، وعندما قلت نعم طلب مني أن أبقى على الاتصال معهم لحين أصل إلى مقر الأمن".
"أبو أحمد" الذي لم يتأكد من هوية المتصل خوفاً وذعراً، ترك منزله وذهب مسرعاً إليهم ليثبت براءته، بينما بقيت عائلته المكونة من 3 أفراد (أم عشرينية وطفلين صغيرين)، وحدهم في المنزل.
بعد خروج أبو أحمد من المنزل بنصف ساعة قُرِعَ الباب وإذا بمجموعة تتكلم باسم الاستخبارات التركية وتقول لزوجته إنها في مهمة أمنية ويجب عليهم تفتيش المنزل، وأثناء التفتيش طلبت المجموعة من زوجته ما بحوزتهم من مالٍ وذهب. ثم غادرت المجموعة وطلبت من أم أحمد إغلاق الباب وعدم السماح لأحد بالدخول لحين عودة زوجها بغية إبقائها وأطفالها في حالة رعب، وفقاً لما قاله أبو أحمد.
[caption id="attachment_533832" align="alignnone" width="640"]
. هكذا يخططون وينفذون " width="640" height="342" /> عصابة "ابن الحرام" تحوّل حياة اللاجئين السوريين بتركيا إلى جحيم.. هكذا يخططون وينفذون[/caption]
صورة تحذيرية أرسلتها السلطات التركية لأرقام الأتراك بما فيهم اللاجئين والمقيمين[/caption]
صورة تحذيرية أرسلتها السلطات التركية لأرقام الأتراك بما فيهم اللاجئين والمقيمين[/caption]
عصابة تستهدف اللاجئين السوريين في تركيا بخططٍ محكمة.. ستيب تكشف كيف نصبوا على العشرات[/caption]