حورات خاصةاخبار 24 ساعةاقتصاد ومال

رغم “قبلة الحياة” للاقتصاد المصري بصفقتي “رأس الحكمة وجميلة”.. سلّة شروط لنجاحهما وإلّا؟!

 تفاؤل وترقّب يشهده الاقتصاد المصري الذي كاد ينهار لولا “قبلة الحياة” الأخيرة من خلال مشروع رأس الحكمة مع دولة الإمارات بعد أن ضخ المليارات في خزينة الحكومة المصرية، ووسط حديث عن مشروع رأس جميلة باستثمار سعودي، ويرى خبراء أن هذه المشاريع توجه ضربة للمضاربين بالسوق السوداء، بالوقت الذي ينتظر آخرون تفاصيل أكثر للحكم عليها، حيث يؤكدون أن النجاح فيها مرهون بشروط واجب على الحكومة المصرية تحقيقها للنهوض بالبلاد من جديد.

 

صفقة رأس الحكمة هل أنقذت الاقتصاد المصري؟

 

وقعت مصر مؤخراً “أكبر صفقة استثمار مباشر”، لتنفيذ مشروع تطوير وتنمية مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي، من خلال شراكة استثمارية، بين وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وشركة “القابضة” (ADQ) الإماراتية.

 

وحسب تفاصيل المشروع الذي أعلنت عنه مصر فإنه يتضمن استثمارات قدرت بنحو 150 مليار دولار خلال مدة تطوير المشروع، تتضمن ضخّ نحو 35 مليار دولار استثماراً أجنبياً مباشراً للخزانة المصرية خلال شهرين. وسط تطلع مصري لأثر سياسي واقتصادي مستدام من الصفقة.

 

وحول ذلك يقول المحلل الاقتصادي الإماراتي نايل الجوابرة، في حديث لوكالة ستيب نيوز: ” صفقة رأس الحكمة هي عملية دخول أموال وقطع أجنبي إلى اقتصاد البلاد، وهو يعتبر الاستثمار الأجنبي الأكبر بمصر حيث يتجاوز 50 مليار دولار منها حصول مصر على 35 مليار خلال شهرين أولها 11 مليار من خلال ودائع إماراتية قائمة في مصر”.

 

وبموجب الاتفاق، يضخّ الجانب الإماراتي استثماراً أجنبياً مباشراً لمصر بقيمة 35 مليار دولار خلال شهرين، يتم سدادهم على دفعتين؛ الأولى خلال أسبوع، بواقع 15 مليار دولار (تشمل 10 مليارات دولار سيولة من الخارج، بالإضافة إلى التنازل عن 5 مليارات دولار من الودائع الخاصة بالإمارات لدى البنك المركزي المصري).

 

بينما تتضمن الدفعة الثانية التي سيتم سدادها بعد شهرين 20 مليار دولار (تشمل 14 مليار دولار سيولة من الخارج، بالإضافة إلى التنازل عن 6 مليارات دولار من الودائع الخاصة بالإمارات لدى البنك المركزي المصري).

 

ويؤكد الجوابرة أن هذا ينعش الاقتصاد و”أهمه إطفاء الدين العام ورفع القيمة الاقتصادية بالبلاد إلى جميع الصناديق الاستثمارية وخاصة النظرة التفاؤلية خلال الفترة القادمة لمصر”.

 

أما مشروع رأس جميلة الذي ما يزال لم يعلن عنه رسمياً، فتحدثت وسائل إعلام مصرية وسعودية أن هناك اقتراب من التوصل لاتفاق بصفقة قيمتها 15 مليار دولار مع الحكومة المصرية.

 

وحسب التقارير يتضمن العرض السعودي الجديد تطوير وتنمية المنطقة من خلال إنشاء سلسلة من الفنادق العالمية بها، ومنطقة ترفيهية ومنتجعات سياحية ومراكز للتسوق ومطاعم وكافيهات، بإجمالي استثمارات قد تصل إلى أكثر من 15 مليار دولار.

 

وحسب المعلومات قد تكون قيمة الاستثمار بالمنطقة من خلال ضخ سيولة دولارية مباشرة من مستثمري المملكة للحكومة المصرية، ولن يقترب الاتفاق من الودائع السعودية لدى البنك المركزي المصري.

 

منتدى 1

النجاح مرهون بشرط

 

من جانبه يرى الباحث الاقتصادي عبد الغني عبده في حديث لوكالة “ستيب نيوز” أن الصفقة بالفعل تمثل محاولة “إنعاش” بمعنى أن حالة الاقتصاد متدهورة وكان في حاجة ماسة إلى “قبلة حياة” لكن التعويل على أكثر من ذلك فيما يتعلق بهذه الصفقة باعتبارها تمثل أملاً كبيراً أو صغيراً في مستقبل الاقتصاد المصري فهو أمر يتوقف على العديد من العوامل. مشيراً إلى ضرورة الإفصاح عن كامل تفاصيل الصفقة من قبل الحكومة للحكم على مدى نجاحها.

 

ويحمل الخبير الاقتصادي نظرة حذرة متحدثاً عن سوابق مشابهة لم تكتمل، مثل الانسحاب من بعض مشاريع العاصمة الإدارية، أو مدى تأثير الصدمات والأزمات الدولية والإقليمية التي أصبحت تتسم بصفة التتابع المتسارع على مثل هذه المشروعات.

 

ويقول: ” من أبرز العوامل لنجاح المشروع هو مدى استجابة متخذ القرار المصري لنداءات تغيير المسار الاقتصادي وتعديل الأولويات وعدم الاستمرار في الاهتمام بمشروعات عملاقة لن يظهر مردودها على الاقتصاد إلا بعد عشرات السنوات، والتوقف عن المزيد من الاستدانة التي تترتب على الاستمرار في المسار الحالي”، مشيراً إلى أن مبلغ الأموال التي ستضخها الإمارات على دفعتين تمثل جزءاً لا يتعدى 50% من المدفوعات الواجبة السداد على مصر خلال العام الحالي.

 

لكنه يقول أيضاً: ” إذا بدء المشروع في التنفيذ واتخذت الدولة المصرية أولويات أخرى يمكن فقط في هذه الحالة أن يمثل مشروع تطوير رأس الحكمة أن يعطي دفعة للاستثمار من خلال تنشيط الطلب الكلي على مدخلات المشروع من مواد بناء وغيرها من ناحية وتنشيط الطلب على السلع الغذائية والاستهلاكية بسبب ما سوف يوفره المشروع من فرص عمل ودخول لعشرات الآلاف من العاملين فيه، فإذا أوجدت الحكومة المصرية مناخاً مناسباً لزيادة الإنتاج المحلي من السلع الغذائية والاستهلاكية بدلاً من الاعتماد على الاستيراد فسوف يتمكن الاقتصاد المصري من استعادة عافيته، ومن ثم يتضح أن للأمر شروط واجبة حتى يؤتي المشروع ثماره التنموية المرجوة”.

 

ويؤكد “عبده” أن “إنقاذ اقتصاد مصر وإعادته للعمل بشكل سليم في ظل انفتاحه على العالم يستلزم أن يتوفر له موارد دائمة ودورية من العملات الصعبة تمكنه من التعامل مع احتياجاته الخارجية، وهذه الإيرادات الدائمة لا تأتي إلا من خلال جهاز إنتاجي داخلي متطور ومعتمد على إنتاج سلع منافسة وتقديم خدمات يحتاجها العالم الخارجي”.

 

وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد تحدث عند الإعلان عن المشروع أنه يحقق الاستقرار النقدي للبلاد ويساهم في “كبح جماح” التضخم والقضاء على “السوق الموازية” للدولار، مضيفاً أن “الاستثمارات المباشرة بقيمة 35 مليار دولار ستحل جزءاً كبيراً من الأزمة الاقتصادية الحالية”.

 

تأثر السوق فور الإعلان عن الصفقة

 

وبمجرد الإعلان عن الصفقة الاستثمارية الضخمة شهد الجنيه المصري تحسناً كبيراً، وتراجعت أسعار صرف العملات في السوق الموازية بعد أن بلغت مستوى قياسي.

 

ويقول الجوابرة حول ذلك: ” استثمار صفقة رأس الحكمة بكل تأكيد صفقة رابحة، وأهم إنجازاتها علاوةً على دخول الأموال للاقتصاد، هو رفع قيمة هذا الاقتصاد”.

 

ويضيف: ” بعد الصفقة مباشرة شهدنا انخفاض أسعار السلع وارتفاع قيمة الجنيه مقابل سلة العملات الأجنبية لا سيما الدولار الأمريكي خصوصاً في السوق الموازية، وهذا دليل على أن الجنيه سيشهد المزيد من الارتفاعات خلال الفترة القادمة خصوصاً مع استكمال مراحل استثمار رأس الحكمة التي تحتاج من 5 إلى 10 سنوات”.

 

أما عبد الغني عبده يقول: “لا شك أن هناك تراجع لسعر الدولار وسعر الذهب بمجرد الإعلان عن الصفقة ولكن الحكم على مدى نجاح الصفقة في القضاء على السوق السوداء وتوقف المضاربة على الجنيه يتطلب المزيد من الإجراءات كما يستلزم وقتاً لاختبار ذلك، ولعلّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو الذي يمكن أن يقضي مرحلياً على السوق السوداء مثلما حدث عند الاتفاق الذي تم عام 2016 وما رافقه من إجراءات متعلقة بالإصلاحات المالية والنقدية”.

 

صفقات جديدة قادمة

 

أما حول وجود المزيد من الصفقات في الأفق يقول الخبير الإماراتي أن هناك المزيد من الاستثمارات المشابهة قريباً بالبلاد، خصوصاً للمكانة الجغرافية والاقتصادية لمصر بالعالم، وهو ما سيؤدي إلى دخول ودائع قوية للبنك المركزي ودفعة قوية للصناديق الاستثمارية، وهو ما سيدعم بشكل كبير الجنيه المصري لوجود مشاريع قوية قادمة.

 

كما يشير الباحث المصري عبد الغني عبده أيضاً إلى أن “هناك حديث متداول بالفعل عن صفقات مشابهة وأخرى مختلفة، فربما تحصل السعودية على منطقة على البحر الأحمر لتطويرها، كما أن هناك تصريح لوزير الطيران نحو خصخصة المطارات المصرية بما فيها مطار القاهرة الدولي”، لكنه يرى أن الخروج من الأزمة الحالية يجب أن يكون متبوع بتغيير السياسات الاقتصادية للحكومة حتى لا يتم العودة للأزمة مرة أخرى، وإلا فإنه يعتبر أن الحلول ستبقى مؤقتة.

 

ومنطقة رأس الحكمة، التي تمتد على مساحة تزيد عن 170 مليون متر مربع، ستكون بمثابة مدينة من الجيل التالي بحسب ما أعلنت الشركة الإماراتية، حيث ستتألف بشكل رئيسي من المرافق السياحية ومنطقة حرة ومنطقة استثمارية، إلى جانب توفر المساحات السكنية والتجارية والترفيهية، بالإضافة إلى سهولة الاتصال المحلي والدولي من المنطقة.

 

وتعاني مصر في الفترة الأخيرة من نقص حاد في العملة الأجنبية، ما أدى إلى ضغوط مستمرة على الجنيه المصري، وعلى الإنفاق الحكومي، والشركات المحلية، فضلاً عن انتعاش للسوق الموازية (السوداء) للصرف الأجنبي، إذ يبلغ سعر الصرف الرسمي للدولار في مصر 30.9 جنيه، فيما يتجاوز السعر بـ”السوق الموازية” ضعف هذه القيمة، وفق تقارير لوسائل إعلام محلية، لكن الإعلان هذا المشروع وحده كان كفيلاً بتغييرات وتقلبات كبيرة بتلك السوق غير النظامية.

 

 

رغم "قبلة الحياة" للاقتصاد المصري بصفقتي "رأس الحكمة وجميلة".. سلّة شروط لنجاحهما وإلّا؟!
رغم “قبلة الحياة” للاقتصاد المصري بصفقتي “رأس الحكمة وجميلة”.. سلّة شروط لنجاحهما وإلّا؟!

 

حوار: جهاد عبدالله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى