لماذا يهبط الدولار مقابل الليرة السورية هل هي انتعاشة أم تلاعب؟ .. خفايا ما يجري في الأسواق
شهدت الليرة السورية تقلبات حادة في قيمتها مقابل الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى، خاصة بعد الأحداث السياسية الأخيرة التي تمثلت في سقوط نظام بشار الأسد.
ففي أعقاب هذا التغيير، ارتفعت قيمة الليرة بنسبة تقارب 50%، في بعض الأوقات، حيث تراوح سعر الصرف بين 7,000 و12,500 ليرة مقابل الدولار، بعد أن كان حوالي 15,000 ليرة للدولار الواحد، ليتبادر السؤال حول أسباب وعوامل هذه التذبذبات وهل هي طبيعية أم تلاعب في الأسواق؟
العوامل المؤثرة في ارتفاع قيمة الليرة السورية
يُعزى هذا الارتفاع إلى عدة عوامل نفسية واقتصادية. فعلى الصعيد النفسي، أدى سقوط النظام السابق إلى تعزيز الثقة في الأسواق، مما انعكس إيجابًا على قيمة العملة المحلية.
أما من الناحية الاقتصادية، فقد ساهمت إزالة القيود الصارمة على تداول العملات الأجنبية، التي كانت مفروضة خلال فترة النظام السابق، في زيادة حرية حركة الأموال وتعزيز قيمة الليرة.
يؤكد الخبير الاقتصادي خالد التركاوي، في حديث لوكالة “ستيب نيوز” أن هناك عدة أسباب رئيسية أدت إلى ارتفاع سعر الصرف في سوريا، أبرزها: “تجفيف السوق من العملة، مما أدى إلى تقليل المعروض النقدي وزيادة قيمته. كما أن زيادة الطلب على الليرة السورية، خاصة مع عودة المغتربين خلال هذه الفترة، خلق طلبًا إضافيًا على العملة المحلية.”
دور التلاعب في السوق السوداء وتأثير التجار
على الرغم من هذه العوامل الإيجابية، يشير الخبراء إلى احتمالية وجود تلاعب في السوق السوداء من قبل بعض التجار وشركات الصرافة، مما قد يؤدي إلى تقلبات غير مبررة في سعر الصرف.
يقول الخبير الاقتصادي رضوان الدبس في حديث لوكالة “ستيب نيوز”: “الواضح أن هناك تلاعبًا بسعر الصرف في السوق السوداء من قبل بعض التجار وشركات الصرافة، خاصة أن الوضع السياسي والأمني لم يشهد تغييرات جذرية بعد سقوط الأسد.”
إجراءات المصرف المركزي: التحديات والقدرات المحدودة
فيما يتعلق بإجراءات المصرف المركزي السوري، فإن قدرته على التدخل الفعّال في سوق الصرف تبدو محدودة. يعود ذلك إلى نقص الاحتياطيات النقدية الكافية وغياب حكومة مستقرة قادرة على تنفيذ سياسات نقدية فعّالة.
يقول التركاوي: إن “المصرف المركزي لا يملك سياسة واضحة في إدارة سعر الصرف” ، موضحًا: “حتى اللحظة، لا يبدو أن هناك سياسة نقدية واضحة من قبل المصرف المركزي، على الأقل بشكل رسمي. لا يمكن القول إن هناك تكتيكًا محددًا للتحكم بسعر الصرف من خلال سياسات نقدية فعالة، حيث لم يُلاحظ أي تغير جوهري في النهج المالي أو حتى إعلان عن استراتيجية واضحة في هذا الشأن.”
تأثير قرارات الاستيراد على الاقتصاد المحلي
اتخذت الحكومة الجديدة قرارات بفتح باب الاستيراد للعديد من السلع، بما في ذلك الملابس والإلكترونيات والسيارات. هذا التوجه أدى إلى زيادة تدفق السلع الأجنبية إلى الأسواق المحلية، مما أثر سلبًا على المنتجين المحليين.
وفقًا لتقرير نشرته “Financial Times”، فإن الأسواق في دمشق امتلأت بالسلع المستوردة، مما زاد من المنافسة على المنتجات المحلية.
يضيف التركاوي أن هذا الانفتاح التجاري قد يكون له تداعيات خطيرة على السوق النقدية، قائلًا: “شهدنا فتح أبواب الاستيراد والتصدير من خلال إلغاء قوانين سابقة مثل عمليات استيراد السيارات، وهذا من شأنه سحب النقد الأجنبي من السوق وزيادة الضغط على الليرة السورية.”
إصدار فئات نقدية جديدة: التحديات المحتملة
بالرغم من الحديث عن إمكانية إصدار فئات نقدية جديدة أو إزالة أصفار من العملة، إلا أن هذا الخيار يواجه عقبات قانونية ومالية.
يقول الدبس: “رغم الحديث عن احتمالية إصدار فئات نقدية جديدة أو إلغاء أصفار من العملة، إلا أن هذا الخيار يبدو مستبعدًا حاليًا، للأسباب التالية: غياب الحكومة والبرلمان، مما يمنع إصدار أي مراسيم نقدية جديدة.”
وحسب الخبراء فإن مثل هذا القرار يحتاج إلى سوق مستقرة ودراسات حول التأثيرات المتوقعة على إثره، وقد يحتاج هذا لوقت طويل بعد الاستقرار السياسي الذي يعد العامل المهم الأول.
تأثير التذبذب السعري على الاقتصاد المحلي
التقلبات في سعر الصرف تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي، خاصة فيما يتعلق بأسعار السلع الأساسية والوقود.
يؤدي هذا التذبذب إلى حالة من عدم الاستقرار في الأسواق، حيث قد يتردد التجار في تسعير بضائعهم، مما ينعكس سلبًا على المستهلكين.
يقول الدبس: “يؤدي التذبذب الحاد في سعر الصرف إلى إرباك التجار، حيث تنخفض قيمة بضائعهم المخزنة عند ارتفاع الليرة، ما يسبب خسائر لهم.”
أزمة السيولة وتأخير صرف الرواتب
تواجه الحكومة تحديات في تأمين السيولة اللازمة لصرف رواتب الموظفين، خاصة مع التذبذب في قيمة العملة. يُشير الدبس إلى أن “الأزمة تكمن في مصدر هذه الأموال. هناك احتمال أن جزءًا من الرواتب كان مخزنًا بالدولار، وعند انخفاض قيمة الدولار أمام الليرة، أدى ذلك إلى عجز في الكتلة المالية المخصصة للرواتب.”
أما التركاوي فيربط بين تأخير صرف الرواتب وسوق الصرف، قائلًا: “صرف الرواتب يُعدّ عاملًا أساسيًا في تحديد السيولة النقدية المتاحة في السوق. عند تأخير صرف الرواتب أو تخفيضها، يحدث نقص في كمية العملة المتداولة، مما يؤثر على الاقتصاد. هذا التأثير ازداد وضوحًا بعد عمليات تسريح الموظفين في سوريا.”
التوقعات المستقبلية لاستقرار سعر الصرف
في ظل غياب إنتاج محلي قوي واعتماد الاقتصاد على الاستيراد، يبدو أن استقرار سعر الصرف في المدى القريب غير مرجح. يقول الدبس: “في ظل غياب الإنتاج المحلي، وافتقار الدولة إلى مصادر دخل ثابتة من النفط أو الصادرات، فإن استقرار الليرة على المدى القريب يبدو مستبعدًا.”
الأدوات الممكنة لضبط السوق ومنع المضاربات
لتحقيق استقرار في سوق الصرف، يمكن للحكومة اتخاذ عدة إجراءات، مثل تعزيز الرقابة على الأسواق، وتطبيق سياسات نقدية واضحة، ودعم الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد.
يؤكد الدبس على أهمية “اتخاذ إجراءات جذرية، مثل تعزيز الرقابة على الأسواق، وتطبيق سياسات نقدية واضحة، ودعم الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد.”
على الرغم من التحسن النسبي في قيمة الليرة السورية بعد التغيرات السياسية الأخيرة، فإن التحديات الاقتصادية ما زالت كبيرة.
ويتطلب تحقيق استقرار حقيقي تنفيذ سياسات اقتصادية فعّالة، وتعزيز الإنتاج المحلي، والحد من التلاعب في الأسواق، لضمان استدامة التحسن في قيمة العملة وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، ويربط البعض تحسن الاقتصاد برفع العقوبات عن سوريا، حيث من المتوقع أن ترفع الدولة الغربية جزء منها يوم غد الإثنين، ويتعلق هذا الرفع بقطاعات النقل والطاقة والبنك المركزي، وتترقب الأسواق السورية رد الفعل الأولى لقيمة الليرة بعد هذا الرفع الجزئي، بينما ستواصل الدول الأوروبية وأمريكا سياية رفع العقوبا “خطوة مقابل خطوة” من خلال مراقبة أداء الإدارة السورية الجديدة، وهو ما يمكن أن يجعل الأمر قد يستغرق سنوات حتى يشعر المواطنون بالفرق في أسعار السلع، وتحسن القدرة الشرائية لديهم.
