5 سنوات مفصلية بتاريخ البلاد.. خبراء يشرحون نقاطاً “مخيفة” في الإعلان الدستوري لسوريا
أثار الإعلان الدستوري الجديد في سوريا ردود فعل متباينة بين مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية، حيث اعتبره البعض خطوة نحو تكريس حكم الفرد الواحد، بينما رأى آخرون فيه جوانب إيجابية يمكن البناء عليها.
وانتشر نص “الإعلان الدستوري” بشكل رسمي، ليلة الجمعة، على الحسابات الخاصة بالرئاسة السورية، وجاء ذلك بعدما وقع عليه الرئيس السوري أحمد الشرع في قصر الشعب بدمشق، وبحضور اللجنة التي كلفها بصياغته، وبمشاركة رجال دين.
وتتألف الوثيقة المؤقتة من أربعة أبواب و53 مادة، وترسم المسار الذي ستمضي عليه البلاد ورئيسها الانتقالي، الشرع على صعيد عملية التنفيذ والتشريع والقضاء.
كما تحدد الشكل الذي ستكون عليه سوريا خلال السنوات الخمس المقبلة، وهي المدة التي حددها “الإعلان الدستوري” للمرحلة الانتقالية، إلا أن السوريين أعربوا عن توجسهم بعد تجربة “حكم” امتدت لخمسة عقود استأثر بها “حزب البعث” على القرارات كلها بالبلاد ورفض جميع وجهات النظر الأخرى، ما أدى لانهيار البلاد بفوضى غير مسبوقة.
خطوة إلى الوراء
يقول المحامي “بشار حاج علي” وعضو اللجنة الدستورية اليابقة، التي شكلتها الأمم المتحدة قبل سقوط نظام الأسد: “أخشى أن تمثل هذه الخطوة، خطوة إلى الوراء بدل أن تؤسس لمرحلة انتقالية متوازنة، وأرى أن هذا دستور موقت وليس إعلان دستوري، فالإعلان الدستوري يجب أن يكون في الأيام الأولى من وصول السلطة الجديدة، وكان يمكن أن تقدم إعلان دستوريا من طرفها بدون أي مشاركة، أما بعد هذه الفترة كان من الواجب مشاركة أكثر شمولاً من الشعب السوري”.
تركيز السلطات بيد الرئيس
أحد أبرز النقاط الخلافية في الإعلان الدستوري الجديد هو منح الرئيس صلاحيات واسعة دون وجود آلية واضحة للرقابة والمحاسبة.
المحامي والحقوقي “غزوان قرنفل” أوضح في حديث لوكالة “ستيب الإخبارية” أن “الإعلان كان شديد التركيز للسلطات بيد الرئيس دون أن يكون مسؤولاً عما يفعل، ودون أن يكون ثمة دور للمجلس التشريعي في مساءلته ومساءلة وزرائه سياسيًا حتى أمام المجلس، بحجة الفصل بين السلطات”.
وأضاف قرنفل: “بهذا الشكل، نحن أمام نظام رئاسي لا يختلف كثيرًا عن الأنظمة الاستبدادية السابقة، إذ لا يوجد توازن بين السلطات، وإنما تركيز غير مبرر للسلطة بيد شخص واحد، وهو ما ينسف مبدأ الديمقراطية من أساسه”.
بدوره “حاج علي” يقول: “الفصل بين السلطات هو أحد ركائز أي نظام حكم ديمقراطي ورشيد وأي تراجع عنه يعني إعادة إنتاج أنظمة الحكم المطلق. منح الرئيس هذه الصلاحيات الواسعة، دون وجود آلية واضحة للرقابة والمحاسبة، يثير مخاوف حقيقية من أن المرحلة الانتقالية ستكون مجرد غطاء لاستمرار النهج الاستئثاري نفسه”.
ومنذ عام 1973، عندما تم إقرار الدستور السوري الذي كرس سلطات واسعة للرئيس، لم تشهد البلاد نظامًا ديمقراطيًا حقيقيًا. وعلى الرغم من التعديلات التي طالت الدستور عام 2012، إلا أن الصلاحيات التنفيذية والتشريعية لا تزال متركزة بشكل أساسي بيد الرئيس، مما يثير مخاوف من استمرارية النهج نفسه.
تعيين أعضاء المحكمة الدستورية
أحد البنود الأكثر إثارة للجدل هو منح الرئيس حق تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، مما يثير تساؤلات حول استقلالية هذه المؤسسة.
المحامي “بشار حاج علي” علّق على ذلك، خلال حديث مع وكالة “ستيب الإخبارية” بالقول: “هذا البند يفرغ المحكمة من دورها الحقيقي كجهة مستقلة تفصل في النزاعات الدستورية، ويحوّلها إلى هيئة تابعة للرئيس، مما يفقدها شرعيتها كمؤسسة يفترض أن تكون حامية للدستور وضامنة لتوازن السلطات”.
وأضاف: “في أي نظام ديمقراطي، يكون تعيين أعضاء المحكمة الدستورية عملية معقدة تتطلب توافقًا بين السلطات المختلفة، وليس قرارًا أحاديًا بيد الرئيس، فالمحكمة الدستورية يجب أن تكون خط الدفاع الأول عن الديمقراطية، وليس أداة بيد السلطة التنفيذية”.
وفي الدول الديمقراطية، مثل فرنسا وألمانيا، يتم تعيين أعضاء المحكمة الدستورية من خلال آلية معقدة تشمل ترشيحهم من قبل عدة جهات تشريعية وقضائية، لضمان استقلالهم وعدم انحيازهم لأي سلطة.
حصر منصب الرئيس بالمسلمين
من البنود التي أثارت جدلًا نسبياً، اشتراط أن يكون رئيس الدولة مسلمًا.
المحامي “إدوارد حشوة” أشار خلال حديث مع وكالة “ستيب الإخبارية” إلى أنه “في المادة التي وردت حول ذلك سقط منها جزء من التوافق الذي ورد في دستور 1950، وهو أن (الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع)، ومع حذف هذه العبارة، صار الفقه الإسلامي المصدر الوحيد، مما يعني إقصاء أي مصادر أخرى للتشريع”.
وأضاف: “هذا التغيير يضعنا أمام احتمال فرض قوانين لا تتناسب مع طبيعة الدولة المدنية، كما أنه يُقصي بشكل واضح غير المسلمين من المناصب العليا، وهو ما يشكل خرقًا لمبدأ المساواة بين المواطنين”.
أثار هذا البند انتقادات واسعة من قبل المنظمات الحقوقية السورية والدولية، التي اعتبرت أن هذا النص يعزز التمييز الديني ويعيق بناء دولة مدنية قائمة على المواطنة المتساوية.
مدة المرحلة الانتقالية
حدد الإعلان الدستوري المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، وهو ما اعتبره البعض فترة طويلة جدًا.
المحامي “بشار حاج علي” قال: “خمس سنوات فترة طويلة إذا لم تكن هناك خارطة طريق واضحة لآلية الانتقال وتوزيع السلطة. يمكن تقبّل هذه المدة إذا كانت هناك خطوات محددة نحو بناء نظام ديمقراطي متوازن، أما إذا كانت مجرد مرحلة أخرى من حكم استبدادي، فستكون خمس سنوات إضافية من الأزمة بدلًا من الحل”.
اعتبرت بعض الأطراف السياسية المعارضة أن هذه الفترة الطويلة تعني منح النظام الحالي مزيدًا من الوقت لترسيخ سيطرته، مما يقوض فرص حدوث تغيير حقيقي.
إلغاء منصب رئيس الوزراء
أثار إلغاء منصب رئيس الوزراء مخاوف من تركيز السلطة التنفيذية بالكامل بيد الرئيس.
المحامي “بشار حاج علي” قال: “إلغاء هذا المنصب يُخلّ بالتوازن داخل السلطة التنفيذية، حيث تصبح جميع الصلاحيات مركزة بيد الرئيس، دون وجود جهة تنفيذية أخرى تساعد في إدارة الدولة”.
وأضاف: “وجود رئيس وزراء في أي نظام ديمقراطي ضروري لضمان توزيع الصلاحيات، فغيابه يجعلنا أمام حكم فردي مطلق”.
ردود الفعل من المكونات السورية
أثار الإعلان الدستوري ردود فعل متباينة بين مكونات المجتمع السوري. “مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)” اعتبر أن الدستور المقترح “لا يتماشى مع الاتفاق الذي تم توقيعه مع الحكومة السورية، بل يمثل تراجعًا عن التفاهمات السابقة”.
أما “الشيخ حكمت الهجري”، زعيم طائفة الموحدين الدروز، شدد على أن “الطائفة ترفض أي وفاق أو توافق مع السلطة الحالية طالما لم يتم احترام مبدأ التعددية والحقوق الأساسية لجميع السوريين”.
يقول “الحاج علي”: “رفض الإعلان الدستوري لم يأتِ فقط من جهات سياسية أو فئات محددة، بل من شريحة واسعة من السوريين الذين رأوا فيه محاولة لإعادة إنتاج الحكم المطلق، وإن كان بوجوه جديدة. كما أن الإدارة التي صاغت هذا الإعلان بدت وكأنها تساير محاباة عاطفية لجمهور متحمس للخلاص من الدكتاتورية ومستعد لتقبّل أي صيغة تُقدَّم له كبديل، حتى لو كانت تحمل في طياتها إشكاليات خطيرة على مستقبل الدولة. هذه المقاربة العاطفية قد تؤدي إلى أخطاء كبيرة إذا لم تتم مراجعة هذه البنود بعقلانية تأخذ في الاعتبار ضرورة تحقيق توافق وطني حقيقي”.
غياب الفصل الحقيقي بين السلطات
المحامي “بشار حاج علي” شدد على أن “الفصل بين السلطات هو أحد ركائز أي نظام ديمقراطي ورشيد، وأي تراجع عنه يعني إعادة إنتاج أنظمة الحكم المطلق”.
وقال: “منح الرئيس هذه الصلاحيات الواسعة، دون وجود آلية واضحة للرقابة والمحاسبة، يثير مخاوف حقيقية من أن المرحلة الانتقالية ستكون مجرد غطاء لاستمرار النهج الاستئثاري نفسه”.
إيجابيات تذكر
ورغم الجدل الحاصل، كان من بين بنود الإعلان الدستوري نقاطاً وصفت بـ”الإيجابية” كان السوريين ينتظرونها لتحقيق العدالة.
يقول “قرنفل”: ” بدون شك أن الإعلان الدستوري تضمن نصوصاً إيجابية لا يمكن انكارها، كحظر إنشاء المحاكم الاستثنائية وإلغاء جميع القوانين الاستثنائية بحيث يصبح القضاء العادي هو الأساس والمرجع، وكذلك تجريم تمجيد نظام الأسد ورموزه وإنكار جرائمه أو الإشادة بها أو تبريرها أو التهوين منها”.
وخلص الخبراء الثلاث إلى أن الإعلان الدستوري لم يلبي كامل التطلعات التي كان ينتظرها الشعب السوري بعد حكم “استبدادي” استمر لعقود، مؤكدين على أن الحكم يبقى على الأفعال وليس النوايا، وأن وضع معظم السلطات بيد شخص واحد أو مجموعة من لون واحد قد تؤدي لتشكيل نظام آخر يستأثر بالحكم بعيداً عن الحرية والديمقراطية التي سعى السوريون إليها ودفعوا ثمنها من دمائهم.
