كيف نجا الأردن من “مخطط الإخوان”.. خبراء يكشفون انهيار سياسة “العصا والجزرة” بضربةٍ مخابراتية
لم يكن إعلان المخابرات الأردنية، أمس الثلاثاء، عن كشف خلية “إرهابية” تتبع لجماعة الإخوان المسلمين، وليد الصدفة، بل كان نتاج متابعة على مدار سنوات لمخطط كبير يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، وربما تقف خلفه مشاريع دولية، وهو ما بات يشكل نقطة تحول بين المملكة وبين الجماعة التي كانت تملك فرصة كبيرة هناك لتغيير موقفها العام، وفق ما كشفه خبراء.
خلية الأردن
وأعلنت المخابرات الأردنية، الثلاثاء، إحباط مخططات كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي داخل المملكة، ولفتت المخابرات الأردنية إلى أن المخططات تشمل تجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب في الخارج، مشيرة إلى أنه تمت إحالة القضايا جميعها إلى محكمة أمن الدولة لإجراء المقتضى القانوني.
وشملت المخططات تصنيع صواريخ وحيازة مواد متفجرة وأسلحة نارية، ومشروعًا لتصنيع مسيّرات. وأفادت المخابرات الأردنية باعتقال 16 ضالعًا في المخططات التي كانت تتابعها الدائرة بشكل استخباري دقيق منذ عام 2021.
وذكر مصدر أمني أردني أن أعضاء من “جماعة الإخوان” شاركوا في المؤامرة لمهاجمة منشآت في المملكة، إلا أن الجماعة ذاتها نفت فيما بعد أي صلة لها بالأفراد المتهمين بالتخطيط لزعزعة استقرار المملكة، ورغم النفي فإن ضلوع هذه الجماعة في الخلية كان واضحًا.
وكشف وزير الاتصال الحكومي الأردني، محمد المومني، أن الخلية الأولى المكونة من 3 عناصر كانت تعمل على نقل وتخزين مواد شديدة الانفجار وأسلحة أوتوماتيكية تم تهريبها من الخارج، فيما عمل العنصر الرابع في المجموعة على إخفاء صاروخ من نوع كاتيوشا في منطقة مرج الحمام، وكان جاهزًا للاستخدام.
وتابع أن القضية الثانية تتعلق بـ 3 عناصر شرعوا في تصنيع صواريخ باستخدام أدوات محلية وأخرى تم استيرادها، وأوضح أن هذه الخلية أنشأت مستودعين في العاصمة عمان ومحافظة الزرقاء لتخزين وتصنيع الصواريخ، أحدهما محصن بالخرسانة ويحتوي على غرف سرية. وشدّد على أن هذه العناصر تلقت تدريبات وتمويلاً من الخارج.
أما القضية الثالثة، يضيف وزير الاتصال الحكومي، فقد تكلفت عناصرها بتصنيع طائرات مسيّرة، حيث استعانت بأطراف خارجية للحصول على الخبرات، وقد تمكنت من إنتاج نموذج أولي للطائرة.
نقطة تحول بتاريخ الجماعة
ويقول الصحفي ورئيس تحرير جريدة الغد الأردنية، مكرم الطراونة، في حديث لوكالة “ستيب الإخبارية“: “كان من الواضح تمامًا أن الأردنيين عبّروا عن موقف حازم منذ يوم أمس تجاه جماعة الإخوان المسلمين، وذلك في أعقاب كشف دائرة المخابرات العامة عن مخطط إرهابي. ورغم أن الأردنيين قد يختلفون في قضايا عديدة، فإنهم يتفقون بالإجماع على ضرورة الحفاظ على أمن البلاد واستقرارها”.
ومن جانبه، يقول الكاتب والصحفي الأردنـي، المقيم في لندن، نصر المجالي، في حديث لـ “ستيب الإخبارية“: “النظرة العامة للجماعة في الأردن عموماً منذ سنوات تتغير وتتراجع، وخصوصًا بسبب دعم الجماعة للحركات (الجهادية) المناهضة للاستقرار في الأردن، وهي جماعات معروفة كان بعضها في العراق وأفغانستان وسوريا، وعلى رأسها القاعدة وداعش”.
ويضيف: “أعتقد أن الخلية الإرهابية التي تم الكشف عنها، وعن مخططها وارتباط الجماعة بها، سينهي وجود الجماعة في الساحة الأردنـية. هذا فضلاً عن ارتباطاتها بإيران وحماس وحزب الله، وهي جبهات الشارع الأردني عمومًا غير مناصر لها بالمطلق”.
لماذا صبر الأردن على الجماعة؟
وسبق أن أعلنت محكمة التمييز الأردنـية، وهي أعلى سلطة قضائية في الأردن، حل جماعة الإخوان المسلمين في المملكة، لعدم تصويب أوضاعها القانونية وفقًا للقوانين الأردنية، ووفقًا لهذا القرار الحاسم الذي اتخذته محكمة التمييز في القضية التمييزية رقم 2013/2020، يقضي باعتبار جماعة الإخوان المسلمين منحلة حكمًا وفاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية.
وهذا ليس الحكم الأول الذي صدر في هذه القضية، لصالح عدم اعتبار “جمعية جماعة الإخوان” خلفًا للجماعة التي أُسّست عام 1946. وقد شنّت الحكومة الأردنية خلال السنوات حملة طالت مقراتها وممتلكاتها، وبعض الجمعيات القائمة عليها، وأبرزها جمعية المركز الإسلامي الخيرية.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2018، قضت محكمة الاستئناف بأن جماعة الإخوان “منحلة”، وأن الجمعية المرخصة حلّت مكانها. ورأت المحكمة أن تعامل الدوائر الحكومية مع جماعة الإخوان المسلمين “المنحلة”، بحسب وصف المحكمة، لا يسبغ عليها الوصف القانوني الصحيح، وأن هذا التعامل لا يجعلها شخصًا حكميًا وفق نص المادة 50/6 من القانون المدني.
وأكدت “التمييز” على ما ذهبت إليه الهيئة العادية للمحكمة، من أن جمعية جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست عام 2015 لا يمكن اعتبارها خلقًا قانونيًا أو واقعيًا لجمعية الإخوان المسلمين التي تأسست عام 1946 وانحلّت لاحقًا بموجب قانون الجمعيات الخيرية رقم 36 لسنة 1953.
ويقول “المجالي”: “للقيادة الأردنـية علاقات متواترة بين الصعود والانكفاء منذ تأسيس الجماعة في الأردُن عام 1945، كانت تفرضها الظروف المتقلبة سياسيًا في الأردن، فقد احتضنت القيادة الأردنية الجماعة واستضافت لسنين قيادات إخوانية مصرية، وشجعت القيادة الأردنية الإخوان في معركتهم مع عبد الناصر الذي كان مناهضًا للحكم الأردُني، وقدم هذا الحكم الحماية للإخوان، كما حماهم في أوقات لاحقة من نظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي”.
ويضيف: “استفادت الجماعة من هذه الرعاية حتى إنها تفردت سياسيًا في الساحة الأردُنية مقابل غياب أحزاب سياسية أردنية فاعلة، ففازت في انتخابات 1989 فوزًا كاسحًا، والحال نفسه في انتخابات 2024 حيث حققوا 34 مقعدًا في مجلس النواب”.
بدوره، يقول “الطراونة”: “منذ عام 2011، صنّفت دول عربية وغربية جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وتعرّض الأردن لضغوطات دولية للسير في هذا الاتجاه. لكن القيادة السياسية الأردنية تمسّكت بموقف مستقل، معتبرة أن التعامل مع الجماعة ينبغي أن يتم وفق منظور داخلي، لا سيما أن حزب جبهة العمل الإسلامي هو حزب مرخص وفاعل ضمن الإطار السياسي الرسمي. إلا أن المعطيات الحالية تشير إلى أن موقف الحكومة الأردُنية قد يشهد تحولًا واضحًا”.
ويضيف: “جماعة الإخوان المسلمين، ومعها حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي لها في الأردُن، استطاعوا في الانتخابات النيابية الأخيرة كسب تعاطف شعبي، مستفيدين من الأوضاع المتوترة في المنطقة، لا سيما ما يجري في غزة”، مشيرًا إلى أن هذا التعاطف منحهم حضورًا قويًا في البرلمان، غير أن الجماعة استغلّت هذا الدعم لمحاولة إحداث تغيير ثقافي في وعي المواطنين والتأثير على الرأي العام، وهو ما أثار حفيظة العديد من الأردُنيين.
ويتابع: “مع كشف المخططات الأخيرة، فقدت الجماعة الثقة التي كانت تحظى بها، وبات يُنظر إليها اليوم كتنظيم إرهابي ينتهج العمل المسلح خارج إطار الدولة، بهدف زعزعة استقرار البلاد”.
يحاولون اختراق الدولة
لا يخفى أن محاولات جماعة الإخوان المسلمين في الأردُن لا تتوقف عند مجرد عمل سياسي، ويصل الأمر إلى انتقادات لاذعة للحكومة وعملها، وأحيانًا تحريك الشارع ضدها، بل قد وصل إلى التحريض العلني، ما أثار المزيد من المخاوف من مخططاتها.
يقول “مكرم الطراونة”: “تنظيم الإخوان المسلمين يُعد تنظيمًا دوليًا، ورغم أن قياداته في الأردن هم مواطنون أردُنيون، إلا أن ارتباطاتهم الخارجية وأجنداتهم السياسية والدينية تثير القلق”.
ويضيف: “على الرغم من أن الدولة الأردُنية منحتهم فرصًا متكررة ليكونوا شركاء في عملية بناء الدولة، فإنهم طمعوا بالمزيد، وسعوا لأن تكون لهم اليد العليا في مفاصل الحكم، وفهموا الرسائل السياسية بشكل خاطئ. وقد تمادوا في تحركاتهم بدافع تنفيذ أجندات خارجية، تنطوي على محاولة فرض السيطرة على البلاد”.
أما “المجالي”، فيرى أن “الجماعة اخترقت الشارع (عوام الناس) من خلال كونها حركة دعوية إسلامية، واستغلت مراكز تحفيظ القرآن التي أسستها لتعميق دورها، وكانت منذ سبعينيات القرن الماضي قد اخترقت وزارة التربية والتعليم، وتحديدًا منذ منح أحد أركانها حقيبة وزارة التربية عام 1971، وهو إسحق الفرحان، فدأبت الجماعة منذ ذلك الوقت على تغيير المناهج الدراسية وتوجيهها “إسلاميًا” كما تريد، رغم أن الدولة الأردُنـية (مدنية) بكل المعايير، ودستورها مدني، وقوانينها مدنية، إلا أن المسائل المتعلقة بالشرع الإسلامي فلها قوانينها الخاصة، وهي مرتبطة بوزارة الأوقاف والمحكمة الشرعية العليا”.
من المستفيد من زعزعة استقرار الأردن؟
ليست هذه المرة الأولى التي يتمكن فيها جهاز المخابرات الأردُنية، وهو أحد أقوى أجهزة المخابرات في المنطقة والعالم، من كشف قضايا كادت تؤثر على أمن المملكة، حيث كشف قبل أعوام عن تفاصيل “قضية الفتنة” التي كادت تغير مسار أحداث كثيرة في البلاد، كما أُحبِطت العديد من المخططات التي أعدّتها قوى إقليمية، لعل أبرزها إيران وإسرائيل الطامعتان بالمملكة.
يقول نصر المجالي: “الأردن منذ قيامه كإمارة عام 1921 وحتى استقلاله عام 1946 ينام مع التحديات والخطر، وأساسًا وجود إسرائيل يشكل خطرًا على الإقليم كله، رغم وجود اتفاقية سلام موقعة عام 1994، فإسرائيل في ظل اليمين المتطرف، الذي له أطماع في الأردن عبر خطط تهجير الفلسطينيين، والآن هي فرصة ذهبية لهذا اليمين بعد حرب غزة، والكلام عن خطة ترامب لتهجير الغزيين إلى الأردُن ومصر ودول أخرى”.
ويضيف: “لا ننسى الطموحات الإيرانية في الإقليم من خلال مخالب إيران، حيث جماعة الإخوان وحماس واحدة من أشرس هذه المخالب، كما هو الحال مع حزب الله والحوثي”.
ويؤكد “الطراونة” ذات الرأي، ويقول: “إن استقرار الأردُن يُعد جزءًا لا يتجزأ من استقرار المنطقة، بالنظر إلى موقعه الجيوسياسي الحساس. وقد حاولت بعض القوى الإقليمية، مثل إسرائيل بعد تدهور العلاقات الثنائية، وإيران التي تمددت في سوريا ولبنان والعراق، التأثير على هذا الاستقرار”.
ما بعد “الخلية” ليس كما قبلها
يجمع الخبراء على أن ما بعد كشف تفاصيل “الخلية الإرهابية” لن يكون كما قبله، حيث إن خطط جماعة الإخوان باتت أخطر على أمن واستقرار المملكة أكثر من أي وقت مضى.
ويقول نصر المجالي: “طوال عمر الجماعة على الساحة الأردُنـيـة، كانت تحركاتها مريبة ومشبوهة ومكشوفة لكثيرين من سياسيين ومثقفين وناشطين وغيرهم، ولكن سياسة القيادة السياسية الأرُدنـية معهم كانت تقوم على “العصا والجزرة” والاسترضاء في غالب الأحيان، ما جعل للجماعة مخالب ضاربة تنهش علانية”.
ويشير إلى أن الجماعة ذهبت مؤخرًا لاستغلال الدعم الشعبي مع الفلسطينيين، لتأجيج الشارع، ليس ضد إسرائيل، بل ضد نظام الحكم الهاشمي في المملكة.
ويضيف: “الجماعة تمثل تجسيدًا حقيقيًا للاتحاد العالمي للإخوان المسلمين وطموحاته في قيام حكم إسلامي في العالم. هم لا يؤمنون بالأوطان، ولا بالقوانين المدنية، ولا بالديمقراطية. إنهم عالم مختلف تمامًا، رغم كل الشكوك في تطبيقاتهم الحقيقية للإسلام أو التزامهم الحقيقي بالعقيدة الإسلامية السمحة المتسامحة. الجماعة منافقة حتى في الشأن السماوي، ولا يُؤتمن جانبها”.
