الليرة السورية إلى أين بعد رفع العقوبات؟.. خبير يحذّر من “فخ” ويكشف عن خيارين أمام الحكومة
لم يلبث أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الثلاثاء، عن رفعه العقوبات عن سوريا خلال قمته مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حتى شهدت قيمة الليرة السورية تحسّناّ هائلاً، وبلغ صرف الدولار الأمريكي حوالي 7 آلاف، إلا أن خبيراً في حديث مع “ستيب نيوز” يحذّر من هذه التقلبات ويشرح العوامل التي تسببت بذلك ومستقبل العملة السورية.
تذبذب سعر صرف الليرة السورية في السنوات الأخيرة
شهدت الليرة السورية تقلبات حادة في قيمتها خلال السنوات الأخيرة، متأثرةً بعوامل متعددة اقتصادية وسياسية وأمنية.
تطور سعر صرف الليرة السورية (2011–2025)
2011–2015: مع اندلاع الثورة السورية، بدأت الليرة بالتراجع، حيث انخفضت من حوالي 50 ليرة مقابل الدولار إلى نحو 300 ليرة.
2016–2019: استمر التدهور تدريجيًا، ليصل السعر إلى حوالي 700 ليرة للدولار، نتيجة استمرار الحرب وبلوغ أوجها وتراجع الإنتاج المحلي.
2020–2021: شهدت الليرة انخفاضًا حادًا، متجاوزة 3,000 ليرة للدولار، بسبب العقوبات الدولية وجائحة كورونا التي أثرت على الاقتصاد العالمي.
2022–2024: استمرت التقلبات، مع وصول السعر إلى ما بين 7000 و15000 ليرة للدولار، متأثرةً بالعقوبات وتراجع الدعم الخارجي لحلفاء النظام البائد، كما وصل خلال الفترة الأخيرة قبل سقوط نظام الأسد لمستويات تاريخية بلغت نحو 23 ألف ليرة للدولار الواحد.
2025: بعد سقوط النظام البائد، شهد سعر الصرف تحسناً ملحوظاً وتراوح بين 8 آلاف إلى 13 ألف، ثم استقر بالأشهر الأخيرة بنحو 11500، لكن بعد إعلان رفع العقوبات الأمريكية، تحسنت الليرة بنسبة 30%، لتصل إلى حوالي 7000 ليرة للدولار، مدفوعة بتوقعات إيجابية للاقتصاد السوري.
تحذير من الوقوع بالفخ
يكشف الخبير والمحلل الاقتصادي السوري، رضوان الدبس، في حديث مع وكالة “ستيب نيوز” أن ما حصل خلال الساعات الأخيرة ليس سوى “فخ” محذراً الوقوع به للمرة الثاني بعد ان حصل ذات الامر يوم سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر الفائت.
ويقول: ” في علم الاقتصاد، لا يمكن أن تنهار أو ترتفع أسعار العملات بهذا الشكل، فلا يوجد أي عامل اقتصادي واضح يؤدي إلى ارتفاع العملة سوى العامل النفسي”.
ويضيف: ” العملة السورية ستتحسن مع مرور الوقت من خلال تحسن الاقتصاد، وفتح باب الاستيراد والتصدير، ودخول العملة الأجنبية بطرق قانونية، ودخول الشركات الأجنبية، وبدء عمليات الاستثمار، وغيرها”.
ويؤكد أن ما حدث أمس هو ذاته ما حدث يوم سقوط النظام السوري، حين تحسنت قيمة الليرة نتيجة العوامل النفسية، مشيراً إلى أن المصرف المركزي كان واضحًا، ولم ينسق خلف السوق السوداء، بل حافظ على السعر المنطقي لقيمة الليرة السورية عند حدود 11 ألفًا مقابل الدولار الواحد.
وأوضح أن قيام المركزي بتحسين سعر الصرف وخفضه بقيمة ألف ليرة، كان هدفه امتصاص الحالة في السوق.
ويتابع “الدبس”: “شهدنا خسائر هائلة لدى الصرافين وأصحاب الأعمال التجارية خلال ساعات، نتيجة التلاعب بأسعار الصرف، وسمعنا أنباء عن وفيات نتيجة الجلطات الناتجة عن الضغط النفسي الذي حصل”.
السيطرة على سعر الصرف
يُعد رفع العقوبات تحولًا كبيرًا في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، حيث كانت العقوبات مفروضة منذ عقود بسبب اتهامات بدعم الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، والقرار يُنظر إليه على أنه محاولة لإعادة دمج سوريا في النظام الدولي وتشجيعها على اتخاذ خطوات نحو الاستقرار والإصلاح.
ومن الناحية الاقتصادية، يُتوقع أن يفتح القرار الباب أمام استثمارات كبيرة في قطاعات البنية التحتية والطاقة، خاصة مع إعلان الحكومة السورية عن استعدادها لمنح امتيازات للشركات الأمريكية في مجالات النفط والغاز، كما أن رفع العقوبات قد يسهم في تحسين الأوضاع المعيشية للسكان من خلال زيادة فرص العمل وتحسين الخدمات الأساسية.
ويقول “الدبس”: ” تحسن العملة السورية سيكون تدريجيًا، وليس بهذا الشكل، وهو يحتاج من ثلاث إلى خمس سنوات على أقل تقدير، حتى يصل السعر إلى ما بين 4 إلى 6 آلاف، وذلك تبعًا للخطط التي ستضعها وزارة المالية والبنك المركزي”.
ويوضّح أنه لن ينعكس سعر الصرف على الوضع المعيشي خلال الفترة القريبة، بينما سيكون لدخول العملة إلى البلاد الأثر الإيجابي الأكبر من خلال تحسن القدرة الشرائية للمواطنين.
ويضيف: “بمجرد رفع العقوبات، وصدور ذلك بصورة قانونية، ودخول المصارف السورية ضمن نظام “سويفت”، سيتمكن البنك المركزي من السيطرة على الأسواق وأسعار الصرف من خلال الأدوات المالية التي سيملكها”.
العوامل المؤثرة على سعر الليرة السورية ومستقبلها
يؤكد الخبير أن هناك 5 عوامل تؤثر على سعر الصرف، وهي “العقوبات، الوضع الأمني والسياسي، والإنتاج المحلي، والسياسات النقدية، والارتباط بالأزمات الإقليمية والدولية”.
ويقول: ” أمام الحكومة السورية خيارين لتحسين سعر الصرف في هذه المرحلة: إما بناء خطة طويلة الأمد لضبط تحسن تدريجي في سعر الصرف، أو إلغاء أصفار من العملة المحلية، وهو الخيار الأسهل”. إلا أنه يؤكد أن تحسن سعر الصرف قادم، دون شك.
ويرتبط مستقبل الليرة السورية بمدى نجاح الحكومة في تنفيذ إصلاحات اقتصادية، وجذب الاستثمارات، وتحقيق الاستقرار السياسي، أما رفع العقوبات قد يكون بداية لتحسن تدريجي، يحتاج لمزيد من الوقت حتى يلمسه المواطنون بالبلاد.
