الانسحاب الأمريكي من سوريا سيغير خريطة النفوذ.. خبراء يكشفون عن سيناريوهات تقودها واشنطن
قررت الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري في سوريا من ثماني قواعد إلى قاعدة واحدة، مع انسحاب أكثر من 500 جندي، وإغلاق قاعدتين، وتسليم قاعدة ثالثة لقوات (قسد)، ويعكس هذا الانسحاب تحولًا استراتيجيًا في السياسة الأمريكية بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث بدأت واشنطن بتشجيع “قسد” على الاندماج ضمن الجيش السوري الجديد، وتحولت من سياسة الاحتواء إلى التنسيق المباشر مع دمشق، فهل رفعت واشنطن مظلتها عن “قسد” وكيف سيكون المشهد في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا؟
انسحاب أمريكي من سوريا
يقول الدكتور عبد الله الأسعد، الخبير العسكري والاستراتيجي، في حديث مع وكالة ستيب نيوز إنه “قبل أن تغادر القوات الأمريكية من الشمال الشرقي، رفعت يدها ومظلتها عن قوات قسد، وأعطتها إشارات تفيد بأنه بعد تحرير سوريا، لا مفر من الانضواء تحت مظلة الحكومة السورية الجديدة. بناءً على ذلك، وقّعت قسد اتفاقًا مع الحكومة السورية وأعلنت موافقتها على الانضمام إلى الجيش السوري الجديد”.
ومن أبرز نتائج الانسحاب الأمريكي، تسريع وتيرة تنفيذ اتفاق 10 آذار بين “قسد” والحكومة السورية، وهو الاتفاق الذي يتضمن عدة بنود، أبرزها تبادل الأسرى ونشر وحدات أمنية مشتركة. وقد بدأ تنفيذ ذلك فعليًا في مناطق مثل حي الشيخ مقصود في حلب.
وحول هذا الملف، يرى الأسعد أن الانسحاب الأمريكي سيكون له تأثير كبير على مسار المفاوضات، إذ “منحت واشنطن دورًا كبيرًا لتركيا لتكون راعية في ترتيب الأوضاع في المنطقة الشرقية من سوريا”، ما قد يساهم في تسريع أو تعقيد عملية الدمج تبعًا لتوجهات أنقرة.
من جهته، يعتقد الباحث السياسي علي التمي خلال حديث لوكالة ستيب نيوز أن “رفع الغطاء الأمريكي عن قسد سيؤدي إلى تفككها تلقائيًا، لأنها تحكم منطقة لا تُعد حاضنتها الاجتماعية، وبالتالي لا يمكنها الاستمرار في فرض سلطتها على تلك المناطق”.
تنسيق عسكري أمريكي – سوري وتسليح الجيش الجديد
تشير التقارير إلى أن واشنطن بدأت في تنسيق عسكري مباشر مع وزارة الدفاع السورية، بما في ذلك الموافقة على خطة لضم نحو 3500 مقاتل أجنبي – معظمهم من الإيغور – إلى وحدة عسكرية جديدة تُعرف بـ”الفرقة 84″، كما يُتوقع أن يزور وفد أمريكي رفيع دمشق قريبًا، في مؤشر واضح على بداية عهد جديد من التعاون العسكري الأمريكي السوري.
وفي هذا السياق، يشير الأسعد إلى أن الولايات المتحدة “تُبدي اهتمامًا كبيرًا بتجديد العقيدة القتالية للجيش السوري الجديد، وتسعى إلى الابتعاد به عن العقيدة السوفييتية القديمة”، معتبرًا أن نجاح هذا التحول يتوقف على كفاءة الكوادر والخبرات والمهارات داخل الجيش، ومتوقعًا أن “تكون أمريكا هي الراعي الرئيسي لتسليح هذا الجيش”.
بينما يضيف التمي أن “العلاقات بين واشنطن ودمشق دخلت مرحلة استراتيجية لا رجعة فيها”، مؤكدًا أن الولايات المتحدة “بحاجة إلى شخصية قوية تقود سوريا، بهدف فرض الأمن والاستقرار وتهيئة بيئة آمنة تسمح للشركات النفطية بالاستثمار دون خوف”.
الوجود الأمريكي المتبقي: مناطق محدودة
رغم تقليص الوجود العسكري، من المتوقع أن تبقى القوات الأمريكية في منطقتين استراتيجيتين: التنف والشدادي، بحسب الأسعد، مشيراً إلى أنّ “القوات الأمريكية ستبقى في هاتين المنطقتين نظرًا لأهميتهما في تأمين التحركات ومراقبة الحدود، إضافة إلى دعم جهود مكافحة الإرهاب”.
أما التمي فيتوقع أن يقتصر التواجد الأمريكي في التنف على نحو 200 عنصر فقط ضمن اتفاق عسكري طويل الأمد مع الحكومة السورية، مع احتمال دمج بعض هذه القوات ضمن صفوف الجيش السوري الجديد كمستشارين، إلى جانب الإبقاء على مجموعات صغيرة لدعم العمليات في البادية وريف دير الزور.
مستقبل “الجيش الحر” في منطقة التنف
في ظل التحولات الجارية، من المتوقع أن يتم حل فصائل “الجيش الحر” المتواجدة في منطقة التنف أو دمجها ضمن مؤسسات وزارة الدفاع السورية، وتوجه دمشق واضح نحو توحيد القرار العسكري ضمن هيكل رسمي.
ويقول الدكتور الأسعد إن “القوات التي كانت متمركزة في منطقة التنف ستكون في حالة استعداد ومبادرة سريعة للاندماج، نظرًا لخبراتها السابقة في حماية الحدود ومكافحة التنظيمات المتطرفة”.
عودة “داعش”.. خطر جديد وأجندات خفية
على الرغم من تراجع نفوذه، عاد تنظيم “داعش” للظهور مجددًا عبر هجمات في الشرق السوري.
وحول هذه التطورات، يرى الأسعد أن الانتعاش الأخير للتنظيم “يتم برعاية إيرانية مباشرة، عبر أذرعها في المنطقة، وأن عددًا من مقاتلي داعش يتمركزون داخل العراق ويتلقون الأوامر من ميليشيات إيرانية”.
أما التمي فيؤكد أن “بعض الجهات، بما فيها قسد، تستفيد من بقاء تنظيم داعش في المنطقة، وهو ما يُسهِم في استمرار تغلغل التنظيم في ريف الرقة ودير الزور”، مما يضع علامات استفهام على جدية بعض الفاعلين في محاربته فعليًا.
وتتجه سوريا نحو مرحلة جديدة من إعادة ترتيب المشهد العسكري والسياسي، وتخلي الولايات المتحدة عن دعم “قسد” وضع الأخيرة أمام خيار وحيد يتمثل في الاندماج ضمن الدولة السورية الجديدة، وفي الوقت نفسه، تشير مؤشرات عديدة إلى تقارب أمريكي – سوري غير مسبوق في ملفات الأمن والتسليح، بينما يلوح في الأفق تهديد “داعش” كأداة ضغط إقليمية، وهذا التحول يفتح الباب أمام استقرار محتمل في المنطقة الشرقية، لكنّه يبقى مرهونًا بمدى نجاح هذه الترتيبات في التعامل مع القوى المحلية والدولية المتشابكة على الأرض.
