قصفٌ في العمق وردٌ في الأفق.. خبير يكشف ما ينتظر المنطقة بعد الضربة الأمريكية لمنشآت إيران النووية
نفّذت الولايات المتحدة ضربة عسكرية دقيقة استهدفت منشآت نووية إيرانية في مناطق حساسة، في خطوة وُصفت بأنها الأخطر منذ سنوات في سياق التوتر بين واشنطن وطهران، وبينما تتباين المواقف الرسمية حول أهداف العملية وحدودها، يكشف الخبير السياسي المختص بالشأن الإيراني، الدكتور مسعود إبراهيم، أن هذه الضربة “لن تُنهي البرنامج النووي الإيراني”، بل قد تمهّد لموجة تصعيد أعقد وأشمل.
تصريحات المسؤولين: تبريرات وتطمينات متبادلة
في أعقاب الضربة الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة ضد منشآت نووية إيرانية، خرج كبار المسؤولين الأمريكيين بتصريحات تؤكد أن العملية “ضرورية وحاسمة”، وأنها جاءت ردًا على تصعيد خطير في برنامج إيران النووي، خصوصًا بعد تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%، بينما أشار البيت الأبيض إلى أن الضربة “محدودة ومركزة”، وتهدف إلى تعطيل قدرات إيران النووية دون الانجرار إلى حرب مفتوحة.
على الجانب الآخر، وصف المرشد الإيراني هذه الضربات بأنها “عدوان سافر”، معتبرًا أن واشنطن “ارتكبت خطأ استراتيجيًا سيدفع ثمنه حلفاؤها في المنطقة”، في حين تعهد الحرس الثوري الإيراني بـ”رد قاسٍ في الوقت المناسب”.
بنك الأهداف: حسابات عسكرية دقيقة
استهدفت الضربات الأمريكية منشآت نووية بارزة في نطنز وفوردو وأصفهان، ضمن بنك أهداف دقيق تم إعداده بالتعاون مع حلفاء واشنطن منذ سنوات، وضم هذا البنك مواقع تخصيب وتخزين ومراكز القيادة المرتبطة بالبرنامج النووي.
وتُظهر هذه الضربات قدرة واشنطن على ضرب أعماق البنية التحتية الإيرانية دون الدخول في مواجهة شاملة، مما يشكل ضغطًا عسكريًا ونفسيًا كبيرًا على طهران.
وفي حديث خاص لوكالة “ستيب نيوز”، يرى الدكتور مسعود إبراهيم، المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني، أن الضربة لا تعني نهاية البرنامج النووي الإيراني، بل العكس.
ويقول: “البرنامج النووي الإيراني مرتبط ارتباطًا كليًا بالنظام الإيراني القائم، طالما هذا النظام موجود، فإن البرنامج النووي مستمر، لدينا دلائل على ذلك، إذ تعرض البرنامج خلال سنوات عديدة لضربات كثيرة، لكنه كان يُعاد ترميمه وبناؤه مجددًا”.
ويضيف: “النظام الإيراني يرى في البرنامج النووي سلاح ردع استراتيجي واستثمارًا طويل الأمد لاستمرارية النظام ومشروعه الإقليمي، والضربة استهدفت البنية التحتية، لكن إيران قادرة على إعادة بنائها بسرعة، خصوصًا أن لديها خبرات كبيرة واحتياطات فنية واسعة”.
البرنامج النووي: هل انتهى فعلًا؟
تشير التقديرات، وفقًا للدكتور إبراهيم، إلى أن إيران نقلت أجزاء حساسة من الوقود النووي إلى مواقع آمنة قبل الضربة، وهو ما يعكس استعدادًا مسبقًا واحتمال وجود تسريبات استخباراتية عن توقيت الضربة.
كما أن وجود مخزون كبير من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% يسمح لطهران بإعادة تشغيل البرنامج في وقت وجيز.
رغم استهداف واغتيال علماء الصف الأول والثاني، يؤكد الخبير أن إيران “ما زالت تملك طاقات بشرية بديلة، وخبرة في إنتاج أجهزة الطرد المركزي”، ما يعزز فرضية أن الضربة لم تصب البرنامج في مقتل، بل أخّرته جزئيًا.
تصعيد إقليمي محتمل
الضربة الأمريكية مثّلت تصعيدًا نوعيًا في المواجهة، ما يفتح المجال أمام ردود فعل متعددة من إيران، حيث ارتفعت أسعار النفط، وبدأت التحركات العسكرية الأمريكية في الخليج تتسارع، ودعت دول أوروبية إلى التهدئة، بينما عبّرت موسكو وبكين عن رفضهما للضربات، معتبرين إياها “مخالفة للقانون الدولي”.
لكن الأخطر من ذلك، بحسب الدكتور إبراهيم، أن “استهداف القواعد الأمريكية أصبح الآن جزءًا من بنك الأهداف الإيراني”، وهو ما قد يؤدي إلى اندلاع مواجهة مفتوحة، خصوصًا إذا نفذت طهران تهديداتها.
التحركات الإيرانية بين المناورة والاستعداد
قبل الضربة، صعّدت إيران من نشاطها النووي ورفضت التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أما بعد الضربة، فقد رفعت حالة التأهب في صفوف الحرس الثوري، وبدأت بتفعيل منظومات الردع السيبراني، مع تكثيف التنسيق مع الجماعات الحليفة في المنطقة.
يقول الدكتور إبراهيم: “من المتوقع أن تقوم الميليشيات المتحالفة مع طهران، مثل الحوثيين، بهجمات ضد المصالح الأمريكية في البحر الأحمر والخليج، كما أن احتمال إغلاق مضيق هرمز بات واردًا ضمن رد الفعل الاستراتيجي”.
وحول توقعات الرد العسكري الإيراني، يضيف الدكتور إبراهيم: “الرد الإيراني على التدخل الأمريكي المباشر قد يشمل استهداف القواعد الأمريكية في العراق أو الخليج. لكن السؤال هو: هل إيران مستعدة لتحمل تبعات هكذا تصعيد؟ لأن الرد الأمريكي سيكون أشد بكثير، وهذا يضع طهران أمام معادلة صعبة”.
ويتابع: “في السابق، كانت إيران قادرة على المناورة مع إسرائيل، لكن مع دخول واشنطن المباشر، تعقد المشهد كثيرًا، فأمريكا ستستخدم كامل قوتها إذا استهدفت قواعدها، ما يجعل أي قرار بالرد قرارًا مصيريًا للنظام الإيراني”.
هل هناك مجال للتفاوض؟
في ظل التصعيد، دعا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إيران للتفاوض، لكن الدكتور إبراهيم يشكك في جدية هذا الطرح، قائلًا: “النظام الإيراني لا يعرف معنى الاستسلام، والتفاوض، من وجهة نظر طهران، يأتي بعد الرد، وليس قبله، والحفاظ على الكرامة الوطنية أمر أساسي في الخطاب السياسي الإيراني، وقد يعود الطرفان للتفاوض لاحقًا، ولكن بعد جولة من التصعيد”.
الضربة الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية قد تكون فصلًا جديدًا في مسلسل طويل من التوترات، لكنها بالتأكيد ليست النهاية، فالمؤشرات تدل على أن طهران لم تُصَب بالشلل، بل تستعد لجولة جديدة من التصعيد، ربما عبر ساحات غير مباشرة، ويؤكد الدكتور مسعود إبراهيم أن البرنامج النووي هو خيار استراتيجي للنظام الإيراني لا يمكن التخلي عنه بسهولة، وأن الرد الإيراني، سواء مباشر أو عبر الوكلاء، لن يتأخر كثيرًا، في المقابل، تراقب الولايات المتحدة الوضع، ما ينذر بتطورات مفتوحة على كل السيناريوهات، من التفاوض المشروط إلى المواجهة الشاملة، وستكون الأيام القادمة حاسمة في تحديد المسار، نحو احتواء أم نحو انفجار إقليمي واسع النطاق.
اقرا أيضاً|| حرب تُحسم بالمعلومة لا بالقنبلة.. خبير عسكري يكشف تحركات استخباراتية من طهران لتل أبيب ولحظة انفجار الشرق الأوسط
