بينما يتصدر اسم زهران ممداني عناوين الصحف بعد فوزه بمنصب عمدة مدينة نيويورك، لتتوجه الأنظار إلى صعوده السياسي السريع من نائب مغمور في الولاية إلى أحد أبرز وجوه الحزب الديمقراطي التقدمي في الولايات المتحدة، تبرز إلى جانبه شخصية أخرى أثارت فضول الأمريكيين — زوجته راما دوجي، السيدة التي فضّلت العمل بصمت بعيدًا عن الأضواء، لكنها لعبت دورًا محوريًا في تشكيل هوية حملته الانتخابية وصورته العامة.
تُعرف دوجي بأنها صاحبة تأثير عميق على استراتيجية التواصل والهوية البصرية لحملة زوجها، إذ يُنسب إليها الفضل في رسم ملامح الخطاب الإبداعي والرموز البصرية التي جعلت الحملة متميزة عن الحملات التقليدية في نيويورك، رغم ميلها الشخصي للعزلة والابتعاد عن الإعلام.
أصول سورية ونشأة متعددة الثقافات
وُلدت راما دوجي قبل 28 عامًا لعائلة سورية الأصل، ونشأت في مدينة دالاس بولاية تكساس الأميركية، قبل أن تنتقل إلى دبي في التاسعة من عمرها مع أسرتها، حيث تابعت هناك جزءًا من تعليمها المدرسي. لاحقًا، التحقت بـ جامعة فرجينيا كومنولث في قطر لدراسة الفنون، ثم انتقلت إلى فرع الجامعة في ريتشموند بالولايات المتحدة لاستكمال دراستها.
واصلت دوجي دراستها العليا في كلية الفنون البصرية في نيويورك (SVA)، حيث حصلت على درجة الماجستير في الرسم التوضيحي كوسيلة للتعبير البصري. وتصف تلك المرحلة بأنها الأكثر تأثيرًا في تكوين شخصيتها الفنية والفكرية. ويُذكر أنها انتقلت إلى مدينة نيويورك قبل نحو أربع سنوات فقط من زواجها، لتبدأ هناك فصلًا جديدًا من حياتها المهنية والشخصية.
تعارف غير متوقّع وزواج هادئ
جمعتها الصدفة بزوجها الحالي زهران ممداني عبر تطبيق المواعدة الشهير “هينغ” عام 2021، في وقت لم تكن على دراية بنشاطه السياسي حينها. كان ممداني قد انتُخب حديثًا لعضوية جمعية ولاية نيويورك، بينما كانت دوجي تعمل على تطوير مشاريعها الفنية المستقلة.
أُعلن عن خطوبتهما في أكتوبر 2024، وتزامن ذلك مع انطلاق حملة ممداني الانتخابية لمنصب عمدة المدينة. وبعد حفل بسيط أقيم في دبي في ديسمبر من العام نفسه، تزوّج الاثنان رسميًا في محكمة مانهاتن السفلى خلال فبراير 2025، في حفل مدني هادئ حضره عدد محدود من الأصدقاء المقربين.
التقطت صور الزفاف المصوّرة كارا مكوردي، التي رافقت ممداني منذ بدايات حملته الانتخابية، ودوّنت في منشور لاحق على موقعها الإلكتروني أنها “كانت على يقين منذ زمن بأن زهران سيتزوج راما، وشهدت تلك اللحظة المميزة في قاعة الزواج عندما احتفلا بزواجهما رسميًا بعد رحلة قصيرة في مترو الأنفاق من أستوريا إلى مبنى المدينة في يوم ماطر”.
ولم يُرزق الزوجان بأطفال بعد، إذ أوضح ممداني في تصريح صحفي أنه «يركز حاليًا على مهامه ومسؤولياته السياسية»، مضيفًا بابتسامة أنه «يشعر وكأنه يجيب على سؤال من والدته» حين يُسأل عن الموضوع.
شريكة الحملة وصاحبة البصمة البصرية
رغم تجنّبها الظهور الإعلامي، كانت راما دوجي العقل الإبداعي وراء الهوية البصرية لحملة ممداني، إذ ساهمت في تصميم الشعارات والألوان والخطوط والأيقونات الدعائية التي أصبحت مألوفة في شوارع نيويورك.
اعتمدت الحملة على ألوان جريئة من الأصفر والبرتقالي والأزرق، وهي تركيبة مستوحاة من فلسفة دوجي الفنية في الربط بين الطاقة والحيوية والدفء، ما جعلها تميز الحملة عن الحملات الكلاسيكية ذات الطابع الرسمي.
ورغم غيابها عن المهرجانات الجماهيرية والمناظرات، كانت دوجي حاضرة في جميع المراحل المفصلية للحملة: من التخطيط الإعلامي، إلى الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى إعداد مقاطع الفيديو المصاحبة للخطاب العام.
كما رافقت زوجها أثناء إدلائه بصوته في مدرسة فرانك سيناترا للفنون في كوينز في الرابع من نوفمبر 2025، ثم ظهرت إلى جانبه على المنصة أثناء إلقائه خطاب النصر التاريخي، حين أكدت الصحف أن الحضور فوجئوا بوقارها وحضورها الهادئ الذي عكس عمق شخصيتها.
الميول السياسية ودعم القضايا الإنسانية
تعبّر راما دوجي في منشوراتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن آراء سياسية واضحة تتقاطع مع توجهات زوجها، إذ تبرز في أعمالها الفنية الدعم للقضية الفلسطينية وانتقاد السياسات الإسرائيلية في غزة. وقد أثارت هذه المواقف في بعض الأحيان جدلاً في الأوساط اليهودية بمدينة نيويورك، التي تُعد من أكبر الجاليات اليهودية في العالم.
ورغم ذلك، فإن دوجي توصف بأنها صوت فني تقدّمي يعكس روح جيل جديد من الفنانين الأميركيين ذوي الأصول المهاجرة الذين يربطون بين الإبداع الفني والوعي السياسي.
أعمالها الفنية وموقعها في المشهد الثقافي
تُعرف دوجي بأعمالها التي تجمع بين الرسوم التوضيحية والخزف والفن الرقمي، وغالبًا ما تتناول مواضيع الهوية والعدالة الاجتماعية والانتماء الثقافي.
نُشرت أعمالها في وسائل إعلام مرموقة مثل BBC، ومجلتي The New Yorker وVogue، إضافة إلى مشاركات في معارض جماعية داخل نيويورك وخارجها. وتعرض على موقعها الإلكتروني مجموعة من أعمالها الخزفية التي تحمل طابعًا تعبيريًا سياسيًا واضحًا.
وفي مقابلة مع مجلة YUNG في أبريل الماضي، قالت دوجي:
«أركز في أعمالي على التعبير عن تجاربي والأشياء التي تهمني، والمجتمع الذي يتفاعل مع فني ينشأ بشكل طبيعي من الحوار حول هذه القضايا، سواء عبر الإنترنت أو في الحياة الواقعية. أنا أبدع لمن يهتمون بالأمور التي أهتم بها».
وأشاد أصدقاؤها والمقرّبون منها بشخصيتها المُلهمة، إذ قال صديقها المقرب حسنين بهاتي في حديث لصحيفة نيويورك تايمز:
«راما هي الأميرة ديانا في عصرنا الحديث، تمتلك الرقي ذاته والقدرة على التأثير الهادئ دون أن تسعى إليه».
