بالتزامن مع وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نيودلهي، أعلنت الهند إبرام واحدة من أكثر صفقاتها العسكرية حساسية خلال السنوات الأخيرة، عبر استئجار غواصة هجومية تعمل بالطاقة النووية من روسيا بقيمة تقارب 2 مليار دولار، هذه الصفقة، التي استغرقت نحو عقد من المفاوضات، تأتي كرسالة سياسية بقدر ما هي خطوة عسكرية، وتعكس ما تسميه الهند «الاستقلال الاستراتيجي» في إدارة علاقاتها بين القوى الكبرى.
الصفقة الجديدة تمنح الهند غواصة أكبر وأكثر قدرة من الغواصتين النوويتين اللتين استأجرتهما من موسكو في السابق، وأعيدت آخرهما بهدوء عام 2021، ومن المتوقع وفق مصادر مطلعة، أن تتسلم نيودلهي الغواصة خلال عامين، رغم التأخيرات المعتادة في أحواض بناء السفن الروسية، وستمكّن هذه الخطوة الهند من مواصلة تدريب كوادرها البحرية على تشغيل الغواصات النووية، والتقدم في مشروعها طويل الأمد لبناء أسطول غواصات خاص بها، وإن كانت الاتفاقية تمنع الهند من استخدام الغواصة الروسية في حالة الحرب — صيغة مألوفة في عقود موسكو، تمنح القدرة دون السيادة الكاملة.
تأتي الصفقة في توقيت دقيق؛ فالهند اليوم عالقة بين حسابات متناقضة، من جهة، تواجه نيودلهي ضغوطًا أمريكية للحد من وارداتها من النفط الروسي، ومخاوف من الرسوم الجمركية البالغة 50% التي فرضتها إدارة ترامب على البضائع الهندية، ومن جهة أخرى، تعتمد الهند تاريخيًا على التكنولوجيا العسكرية الروسية، رغم أن شهيتها للسلاح الغربي — الأمريكي والأوروبي — تتزايد بشكل ملحوظ. واشنطن تريد من الهند الانحياز بوضوح إلى الغرب، بينما تصر نيودلهي على الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الخيارات المفتوحة.
الغواصات الهجومية التي تعمل بالطاقة النووية، في السياق العسكري، تُعدّ «جوهرة التاج» في سياسات الردع الحديثة. فهي سريعة وصعبة الاكتشاف، ويمكنها البقاء تحت الماء لفترات طويلة جدًا، ما يجعلها عنصرًا أساسيًا في السيطرة على المحيط الهندي. ست دول فقط تملك هذه القدرة اليوم، والهند تسعى بوضوح لأن تكون السابعة. استئجار غواصة روسية يمنحها الخبرة التشغيلية اللازمة لسد الفجوة، بينما يمضي برنامجها المحلي — المكلف والمعقد سياسيًا — بوتيرة بطيئة.
وترى واشنطن في هذه الصفقة إشارة إضافية إلى أن نيودلهي لا تنوي فك ارتباطها مع موسكو، حتى في لحظة يحاول فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزل بوتين سياسيًا واقتصاديًا. وكان ترامب قد انتقد رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي علنًا بسبب استمرار الهند في شراء النفط الروسي واعتمادها المستمر على المعدات العسكرية الروسية.
الصورة الأوسع تشير إلى أن «الثالوث النووي» الهندي — القوة النووية البرية والجوية والبحرية — يقترب من مرحلة النضج. غواصة الصواريخ الباليستية الثالثة ستدخل الخدمة العام المقبل، فيما يجري العمل على غواصتين هجوميتين محليتين. استئجار غواصة روسية يشكّل حلًا انتقاليًا ضروريًا، ويعيد التذكير بأن الاستقلال الاستراتيجي للهند ليس شعارًا سياسيًا، بل عقيدة تُدار من خلالها علاقاتها مع القوى الكبرى.
بهذه الخطوة، تبدو نيودلهي وكأنها تمارس لعبة موازين القوى بكفاءة، مستثمرة في الشراكة الروسية دون أن تغلق الباب أمام التعاون العسكري الغربي. إنها سياسة القوة متعددة الاتجاهات التي تسعى الهند إلى ترسيخها في لحظة عالمية تتغير بسرعة.
المصدر: بلومبرغ