يثير الغياب الواضح لمفهومي الردع النووي الموسع ومنع الانتشار في استراتيجية الأمن القومي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب مخاوف متزايدة داخل الأوساط الاستراتيجية،
بحسب ما يؤكد المحلل الأمريكي هنري سوكولسكي. ورغم موجة الانتقادات التي وُجهت إلى هذه الاستراتيجية، فإن كثيرًا منها، وفق سوكولسكي، أغفل هذا النقص الجوهري.
ويرى سوكولسكي، الذي شغل سابقًا منصب نائب مدير سياسات منع الانتشار النووي في وزارة الدفاع الأمريكية، أن الأمن القومي الأمريكي اعتمد لعقود على إدارة دقيقة لهذين الملفين المترابطين.
ويحذر من أن تجاهلهما أو سوء فهم العلاقة بينهما قد يؤدي إلى نتائج خطيرة تمس أمن الولايات المتحدة وحلفائها.
جدل نووي قديم بطرح جديد
ويشير سوكولسكي إلى وجود تيار أكاديمي، خاصة بين أنصار المدرسة الواقعية، يروج لفكرة أن انتشار الأسلحة النووية بين عدد أكبر من الدول قد يسهم في تحقيق الاستقرار الدولي.
ويذهب بعضهم إلى الدعوة لأن تشجع واشنطن حلفاءها على امتلاك السلاح النووي باعتباره خيارًا أقل كلفة للحفاظ على السلام.
غير أن هذا التوجه، بحسب التحليل، يهدد بتقويض واحدة من أنجح السياسات الأمريكية، والمتمثلة في توسيع الردع النووي عبر الالتزام بحماية الحلفاء، حتى باستخدام القوة النووية إذا اقتضت الضرورة.
ويصف سوكولسكي غياب هذا الالتزام عن وثيقة استراتيجية الأمن القومي بأنه أمر “لافت ومثير للقلق”.
القبة الذهبية ورهان غير مكتمل
ويُرجع المحلل هذا الإغفال جزئيًا إلى تفاؤل إدارة ترامب بقدرة منظومة “القبة الذهبية” للدفاع الصاروخي على حماية الولايات المتحدة من التهديدات الباليستية.
إلا أنه يؤكد أن إنشاء منظومة بهذا الحجم يحتاج إلى سنوات طويلة، ما يعني أن أمن أمريكا وحلفائها سيظل، في المدى المنظور، معتمدًا على الردع التقليدي والنووي معًا.
ويضيف أن الردع النووي الموسع لعب دورًا محوريًا في منع اندلاع حروب شاملة، وساهم في إبقاء الحرب الباردة ضمن حدودها دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة، رغم اعتراض التيارات الانعزالية داخل الولايات المتحدة.
دروس التاريخ وتحذيرات الحاضر
ولشرح خطورة تقليص الردع الموسع، يستحضر سوكولسكي تجارب تاريخية مفصلية، مشيرًا إلى أن الحربين العالميتين الأولى والثانية اندلعتا جزئيًا نتيجة حسابات دبلوماسية خاطئة وضمانات أمنية غير موثوقة في عالم مسلح بكثافة.
ويتساءل عما إذا كان نشر مزيد من الأسلحة النووية بين دول صغيرة سيؤدي فعلًا إلى السلام، أم سيزيد احتمالات الفوضى والصدام.
كما يفند الطرح القائل إن امتلاك الحلفاء للسلاح النووي سيخفف الأعباء عن واشنطن، لافتًا إلى أن التجربة أثبتت العكس. فبعد دخول دول مثل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وباكستان النادي النووي، ارتفع الإنفاق الدفاعي الأمريكي بدلًا من أن ينخفض.
الردع الموسع كأداة لمنع الانتشار
ويخلص سوكولسكي إلى أن الردع النووي الموسع كان من أكثر الأدوات فاعلية في الحد من انتشار الأسلحة النووية، إذ حال دون سعي دول كبرى وحليفة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وتركيا وأستراليا، إلى امتلاك السلاح النووي.
ويحذر من أن تشجيع الحلفاء على هذا المسار قد يفتح سيناريوهات معقدة وغير محسوبة، تقوض الاستقرار الدولي بدلًا من تعزيزه.
ويؤكد في ختام تحليله أن إضعاف الردع الموسع لا يعني تقليل المخاطر أو النفقات، بل قد يدفع العالم إلى مرحلة أكثر هشاشة، حيث تصبح الحسابات النووية أقل انضباطًا وأكثر خطورة.