في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، قدّم السيناتور الجمهوري الأمريكي ليندسي غراهام واحدة من أكثر قراءاته حدّة للصراع مع التنظيمات الجهادية، واضعًا ما يجري في إطار “حرب دينية وحضارية” لا يمكن، برأيه، التعامل معها بأدوات أمنية أو سياسية تقليدية.
غراهام حمّل إدارات أمريكية سابقة، وعلى رأسها إدارتي باراك أوباما وجو بايدن، مسؤولية ما وصفه بـ”تفكيك البنية الأمنية والسياسية لأوروبا الغربية”، معتبرًا أن سياسات الهجرة الواسعة والتساهل مع الجماعات المتطرفة أدّت إلى تآكل المجتمعات الغربية، وانتقال الفوضى لاحقًا إلى دول مثل أستراليا.
ويرى السيناتور الجمهوري أن تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يمثّل تهديدًا أمنيًا عابرًا، بل مشروعًا أيديولوجيًا يقوم – بحسب وصفه – على “تنقية الإسلام” عبر العنف، واستهداف اليهود والغرب بوصفهم “كفارًا”، معتبرًا أن إنكار الطابع الديني للصراع هو شكل من أشكال العمى السياسي.
منطق الحرب الشاملة
في تشخيصه للحل، استعاد غراهام النموذج الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، معتبرًا أن ما فُعل مع ألمانيا واليابان يجب أن يُعاد تطبيقه: تدمير الخصم عسكريًا بالكامل، ثم فرض مسار إعادة بناء سياسي من فوق الأنقاض.
وبحسب منطقه، فإن الحديث عن تجنّب “الحروب الأبدية” لا يغيّر من حقيقة أن هذه التنظيمات – على حد تعبيره – “ستظل تحاول قتلك إلى الأبد”، ما يجعل الضربات الاستباقية خارج الحدود ضرورة وجودية لا خيارًا سياسيًا.
كما شدّد على أن العمل العسكري يجب ألا يكون منفردًا، بل ضمن تحالفات، معتبرًا أن الفشل الغربي في بناء شراكات حاسمة هو أحد أسباب تمدد هذه الجماعات.
الهجرة وحدود الدولة
غراهام انتقد بشدة ما سمّاه “النموذج الأسترالي الفاشل”، معتبرًا أنه خذل الجالية اليهودية وأضعف تماسك المجتمع، وربط ذلك مباشرة بسياسات الهجرة في أوروبا الغربية، التي رأى أنها أدّت إلى “انهيار اجتماعي تدريجي”.
في المقابل، دافع عن تشديد السياسات الحدودية داخل الولايات المتحدة، معتبرًا أن إدارة بايدن “دمّرت الحدود”، وهاجم الاتفاق النووي مع إيران، معتبرًا أنه ضخّ أموالًا في يد “المرشد الإيراني”، وأسهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي، إلى جانب الانسحاب من أفغانستان الذي وصفه بأنه أطلق “جحيماً على الأرض”.
من داعش إلى حماس وحزب الله
لم يحصر غراهام تهديده في تنظيم داعش، بل وسّع الدائرة لتشمل حماس وحزب الله، داعيًا إلى القضاء عليهما عسكريًا، كما دعا إلى تدخلات استباقية في مناطق أخرى مثل الفلبين، لمنع انتقال الفوضى إلى الداخل الأمريكي.
وفي ختام حديثه، رفض بشكل قاطع الطروحات التي تروّج لنزع السلاح كحل لمواجهة التنظيمات الجهادية، معتبرًا أن الاعتقاد بأن تقليص السلاح يوفّر الأمان في مواجهة تنظيمات مثل داعش هو “وهم خطير”.
قراءة تتجاوز الأمن إلى الهوية
تصريحات ليندسي غراهام تعكس رؤية تيار داخل السياسة الأمريكية يرى الصراع الحالي ليس صراع مصالح أو حدود، بل صراع هوية وحضارة، ويؤمن بأن التراخي السياسي، والتفسيرات “الناعمة” للتطرف، لم تنتج إلا مزيدًا من العنف، وأن الرد – مهما كان مكلفًا – يجب أن يكون جذريًا وشاملًا.
سواء اتُّفق مع هذه الرؤية أو اختلف معها، فإنها تكشف بوضوح عن اتجاه متصاعد داخل الغرب يدفع نحو إعادة تعريف الصراع مع الحركات الجهادية بوصفه معركة وجود، لا أزمة أمنية قابلة للاحتواء.